باريس: تشير الجولة الاولى لانتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية في 11 يونيو الى ان حركة "الجمهورية إلى الأمام" التي اطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون قبل 14 شهراً فقط ستحصل على 400 من اصل 577 مقعداً، وان الاشتراكيين سيفقدون 90 في المئة من مقاعدهم، بينها مقعد زعيمهم الذي لم يصل الى الجولة الثانية اصلا. وكان الجمهوريون يتوقعون الفوز في الانتخابات حتى اسابيع قليلة عندما أصبح فوز حركة ماكرون حتمياً.

يقدم ماكرون رداً جديداً على الاستياء الشعبي الذي يحتاج الديمقراطيات الغربية. فهو يعد بسياسة جديدة تعلو على انقسامات اليمين واليسار، ويريد إعادة الثقة بالنفس الى فرنسا، وبمساعدة المانيا، الى الاتحاد الاوروبي ايضاً. وفي الخارج يتابعه سياسيون لا يستطيعون إسماع صوتهم فوق اصوات الاحتجاج. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان ماكرون يمتلك الأفكار الجديدة والقدرة على تنفيذها لكي تتكلل ثورته بالنجاح.

لم يكن ماكرون حزبياً ذات يوم وانشأ حركة الجمهورية الى الأمام لتمثل قطعية مع الماضي. فان نصف مرشحيها جديدون على السياسة ونصفهم نساء. وخاضت الحركة حملتها الانتخابية ضد الفساد ويبلغ متوسط اعمار مرشحيها 43 سنة بالمقارنة مع 60 إلى 70 سنة في الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها.

ثورة وسطية 

وفي حين ان غالبية الشعبويين يميلون الى اليمين أو اليسار فان ثورة ماكرون ثورة وسطية وهو يسرق سياسات بلا انحياز ـ من اليمين الرغبة في تحرير السوق والشركات لتوفير فرص عمل وخلق الثروة، ومن اليسار الايمان بدور الدولة في التوجيه والحماية الاجتماعية. وفي معركة الانفتاح والانغلاق يقف ماكرون مع الانفتاح سواء في التجارة أو الهجرة. فهو ليبرالي اقتصادي بالمفردات الفرنسية. ومما له أهمية حاسمة انه متفائل.

تمكّن ماكرون بطريقة ما من اقناع الفرنسيين بأن التقدم ممكن. ورد على اتهامات الشعبويين القائلة ان حرية السوق تنازل للمصرفيين والعولميين بروح وطنية متجددة، سواء بسحق يد دونالد ترمب عندما صافحه أو بإعادة الهيبة الى الرئاسة الفرنسية. وفي مواجهة التحذيرات من الهجرة والمنافسة الأجنبية يؤكد ماكرون ان كلاهما ستجددان طاقة فرنسا ولن تضعفانها. وفي معرض الرد على المشككين بالاتحاد الاوروبي الذين يتهمون بروكسل باستنزاف فرنسا يصر على ان الاتحاد الاوروبي يزيد فرنسا قوة.

لكن الأفكار السليمة ليست كافية ونجاح ماكرون يعتمد على احراز تقدم في ساحتين هما تشغيل الايدي العاملة والعلاقات مع المانيا. فنسبة البطالة في فرنسا ضعف نسبتها في المانيا والنجاح في سوق العمل يعين ماكرون على كسب دعم المانيا التي فقدت ثقتها بقدرة فرنسا على اصلاح اوضاعها. ومن التحديات الأخرى التي تواجه ماكرون ضبط الانفاق العام وتقليص جيش فرنسا من البيروقراطيين. ويُفترض بالمانيا ان تراهن على ماكرون لحل هذه المعضلات وتمحضه دعمها. فهو أفضل، وربما آخر فرصة لاعطاء دفعة الى منطقة اليورو ودعم العملة الموحدة.

استنفار النظام القديم 

فوز حركة الجمهورية الى الأمام الساحق في انتخابات الجمعية الوطنية سيزيد احتمالات النجاح في تنفيذ هذه البرنامج. ولكن المقاومة ضده ستنتقل الى الشارع. وبدأ اقطاب "النظام القديم" من الآن يحذرون من ان الانتخابات ستجعل ماكرون قوياً الى حد خطير فيما يهدد اليسار المتشدد بمحاربة اصلاحاته في سوق العمل. وستكون هناك اضرابات ومسيرات واعتصامات ومع اشتداد حدة الألم الناجم عن الاصلاحات وسيكون من الضروري اسماع الفرنسيين المرة تلو الأخرى بأن هذه الاصلاحات ستعود بمنافع كبيرة على البلد.

هذه المخاطر معروفة والأهم هو الثورة التي احدثها ماكرون في السياسة الفرنسية. فان آمال فرنسا واوروبا والوسطيين في كل مكان معقودة عليه.

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الايكونومست". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.economist.com/news/leaders/21723410-he-will-still-have-face-down-challenge-street-electoral-victory-will-make