لندن: يخشى معلقون بريطانيون وزعماء اسلاميون أن يكون الهجوم على مسجد فينسبري بارك هو نتيجة محزنة ولكن منطقية للصورة التي ترسمها الصحافة الصفراء والغوغائيون اليمينيون للمسلمين على أنهم الأعداء داخل البلاد. 

ويتدفق سيل الإدانات وبينهم سياسيون من المعارضة والكاتبة جاي. كاي. رولينغ ورسامو الكاريكاتور في الصحافة الليبرالية لموجة الكراهية التي دفعت بسائق إلى أن يصدم بشاحنته مصلين أمام المسجد في شمال لندن، وهو يصرخ "أريد أن أقتل جميع المسلمين". 

ويقول جيران لدارين اوزبورن الذي اعتقل بعد الهجوم الاثنين وهو من كارديف، أنه كان يتناول الكحول بشكل كبير وأصبح مضطربا بشكل متزايد بعد أن استخدم متطرفون اسلاميون سيارة وسكاكين في هجوم في لندن هذا الشهر. 

وسلط الزعيم السابق لرابطة الدفاع الانكليزية اليمينية تومي روبنسون الضوء على ذلك حين وصف الهجوم الذي شنه اوزبورن بأنه "انتقام" لسفك الدماء في لندن. 

أما الكاتبة رولينغ التي اشتهرت بسلسلة كتب "هاري بوتر"، فقد أشارت الى الخطاب الحماسي الذي تتبناه الكاتبة في صحيفة "ديلي ميل" كاتي هوبكنز التي قالت في تغريدة "دعونا نتحدث عن كيف أصبح إرهابي فينسبري بارك متطرفا". 

وعقب التفجير الانتحاري الذي شهدته مدينة مانشستر الشهر الماضي، قالت هوبكنز في تغريدة "أيها الرجال الغربيون. هؤلاء هن زوجاتكم وبناتكم وهؤلاء هم أولادكم. قفوا وانتفضوا وطالبوا بالتحرك. لا تستمروا في حياتكم وكأن شيئا لم يحدث". 

وبحسب أرقام حكومية، فإن عدد البريطانيين البيض الذين اعتقلوا لارتكابهم جرائم تتعلق بالارهاب هو 91 من 260 شخصا العام الماضي، في زيادة بنسبة 28% مقارنة مع عام 2015، وهي الفئة الاتنية الوحيدة التي شهدت زيادة. 

وتتزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين سنويا، وارتفعت بشكل خاص عقب حوادث مثل الهجوم الذي وقع في لندن وهجوم باريس في نوفمبر 2015. 

الصحف التحريضية

ولغاية هذا الاسبوع، ظل اغتيال النائبة جو كوكس العام الماضي أكبر مظهر من مظاهر التعصب والكراهية بين اليمينيين المتطرفين في بريطانيا.

إلا أن العديد من المسلمين يقولون إنهم يعانون من تعرضهم للإساءة يومياً. وتفاقم ذلك مع ظهور التوترات بشأن قضايا حساسة مثل أزمة اللاجئين في أوروبا وتصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوروبي. 

وبعض الاساءات جسدية والبعض الاخر لفظي. وتشمل كتابات مسيئة على الجدران ووضع شتى انواع الاوساخ أو قطع من لحم الخنزير على نوافذ السيارات. 

ويقول فايز موغال، مؤسس مجموعة "تيل ماما" التي تجمع أرقاما بشأن الأحداث المعادية للمسلمين، إن الكراهية التي يبدو أنها كانت دافع أوزبورن على ارتكاب فعلته لم تأت من فراغ. والعامل الأكبر الذي يشعل المشاعر المعادية للاسلام هو العنف الذي يقدم عليه مسلمون متطرفون.

ويضيف لوكالة فرانس برس "من المؤسف أنه عند وقوع أي حادث كبير، تخرج الصحف بعناوين ومقالات يسمح فيها لكتابها بأن ينفثوا كلاماً هو الأكثر إثارة واستفزازا لمجرد زيادة مبيعات الصحف"، مضيفا أن ارتكاب اوزبورن الهجوم يكاد يكون حتميا في هذا السياق. 

ويوافق الخبير في مكافحة الارهاب في معهد الخدمات الملكية المشتركة رافائيلو بانتوتشي على أن انتشار "الخطاب السام" على مواقع اليمين المتطرف ووصوله إلى الاعلام العادي والسياسة جعلا الحديث عن هذه المسألة أمراً عاماً. 

ويضيف "انها وللأسف حلقة مفرغة"، مشيرا إلى ردود فعل متطرفة بين بعض المسلمين. ويتابع "سيكون من الصعب وقف هذا الجو المحموم". 

ووضع رسام الكاريكاتور في صحيفة "غارديان" مارتن راوسون تعليقا على الهجوم على مسجد فينسبري بارك رسما للشاحنة التي استخدمها اوزبورن لتنفيذ هجومه، وكتب الى جانبها اعلان جاء فيه "اقرأ صحيفتي صن وديلي ميل". 

"انهم يكرهوننا"

وفي احد عناوينها مثلا، كتبت صحيفة "صن" في نوفمبر 2015 "استطلاع صادم: واحد من كل خمسة مسلمين بريطانيين يتعاطفون مع الجهاديين". 

وقالت منظمة لرقابة الصحافة البريطانية في وقت لاحق إن العنوان "مضلل جدا" بشأن استطلاع الرأي المعني. 

ويتحدث بعض المسلمين عن عدم اكتراث السلطات. 

وبين الانتقادات أن الشرطة استغرقت ثلاث ساعات قبل أن تصف بشكل علني الهجوم على مسجد فينسبري بأنه إرهابي، مقارنة مع رد فعل أكثر سرعة بعد حوادث مشابهة مثل حادثة الدهس بالشاحنة والطعن التي وقعت قرب جسر لندن. 

ويعرب موغال عن تعاطفه مع الشرطة التي تتعرض لضغوط كبيرة في محاولاتها مكافحة انتشار الكراهية في ظل نقص في مواردها. لكنه يوافق على أن الحلقة المفرغة أصبحت هي الامر المعتاد الان وتؤدي الى عزلة الشباب المسلم بسبب النظرة إلى وجودهم في المجتمع البريطاني على أنه ضار، وهو ما يمكن أن يدفعهم إلى التطرف. 

ويقول موغال "عندما اتحدث معهم لا استطيع الدخول الى اعماقهم. هم يقولون +انهم يكرهوننا+. وأنا أقول لهم أن هذا بلدهم، ولكنهم يقولون +لا، ليس كذلك+". 

ويؤكد رئيس مسجد فينسبري بارك محمد كزبر أن المتطرفين لا يشكلون سوى أقلية، مشيرا إلى مشاركة الناس من جميع الاديان في تكريم الضحايا مساء الاثنين. 

ويضيف "الارهاب لا عقيدة ولا دين له. انهم يحاولون تدمير العلاقة بيننا ولكن لن نسمح لهم بذلك".