الاستمرار الأميركي في رفض تسليم أنقرة فتح الله غولن، واصطفاف تركيا الى جانب الدوحة في الأزمة الأخيرة، عمقا الخلاف الأميركي - التركي. ولا ننسى غضب أنقرة من تسليح واشنطن للأكراد.

إيلاف من واشنطن: لم تعد أميركا حليفًا لتركيا. هذه هي الحقيقة الواضحة التي تغلف طبيعة العلاقة المتوترة بين البلدين. فالخلافات بين واشنطن وأنقرة ليست مرتبطة بأزمة الكونغرس مع حرس السفارة التركية، ومذكرة التوقيف التي أصدرتها الشرطة الأميركية ضد عدد من مرافقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، بل كانت هذه المسألة مجرد فصل آخر يبرز اتجاه الخلاف في طريق لا عودة منها، وربما تبرز الأزمة الخليجية الأخيرة مدى تفاقم الخلاف بين الاتجاه الأميركي من خلال تقارب الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع السعودية والإمارات، وموقفه من قطر، وبين تركيا التي تعتبرها الأخيرة الحليف الاستراتيجي الأقوى وتعول عليها الكثير بشأن إجراءات المقاطعة المفروضة عليها. 

بين الاقتصاد والسياسة 

يقول كايل ويسفورد، أستاذ العلوم السياسية في معهد جيتو الأميركي، لـ "إيلاف": "هذه ليست المرة الأولى التي يتناقض فيها الموقفان الأميركي والتركي في ما يتعلق بقضية دولية مرتبطة بالشرق الأوسط. فبوادر الخلافات كثيرة، وترجع حتى إلى ما قبل محاولة الانقلاب في تركيا، الحدث الأهم في الأزمة، حيث أن أميركا، من خلال الرئيس السابق باراك أوباما، لم تقدم - وفقًا لقناعات الإدارة التركية - الدعم المعنوي والتحالف اللازم من أميركا لحكومة أردوغان في ظل محاولة الانقلاب". 

أكد كايل أن هذه الخلافات تراكمت مع أزمات أخرى مرتبطة بتسليح أميركا قوات التحالف الكردي وبشأن الضربات في سوريا، "بينما عولت تركيا على علاقات جيدة تربط أتراكاً بترمب وبعض مستشاريه على المستوى الاقتصادي والتجاري، كي تعود العلاقات إلى مسارها الإيجابي، إذ ثمة شراكات عدة بين مؤسسة ترمب التجارية وشركات تتمتع بنفوذ قوي داخل تركيا من جهة، وأطراف تجمعها صلة قرابة ومصاهرة بأردوغان. لكن ذلك، وإن كان عجَّل باستبعاد تركيا من مرسوم القرار الخاص بمنع مسلمي بعض الدول من دخول أميركا، فإنه لم يلقِ بظلاله على أمور أخرى ما زالت عالقة بين البلدين، ويجب التوضيح أيضًا أن تركيا تجمعها علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية للغاية بقطر، وهي ليست مستعدة للتنازل عن دعمها لقطر، وفي الوقت نفسه ليست العلاقات التركية - السعودية على ما يرام، وجاءت الحوادث الأخيرة لتكشف ذلك، خصوصًا مع ظل تقارب بين تركيا وإيران".

من بنسلفانيا إلى الدوحة 

أمّا فراس مايورك، محرر ملف الشرق الأوسط في صحيفة شيكاغو تربيون، فيوضح لـ"إيلاف" أن استمرار أميركا في إيواء المعارض التركي فتح الله غولن الذي يقيم حاليًا بولاية بنسلفانيا تحت الحماية الأميركية، يأتي أحد الأسباب الرئيسة لتوتر العلاقات التركية - الأميركية، "خصوصًا أن السلطات التركية عولت على تسليم إدارة ترمب غولن لها، عقب تولي ترمب الحكم، لكن ذلك لم يحدث، لتأتي بعد ذلك مذكرة توقيف الحرس المرافق لأردوغان في أميركا، وما تبعها من استدعاء السفير الأميركي في أنقرة، وهذا ما جعل تركيا تتخلى عن فكرة الحليف الأميركي مرة أخرى، فكان من الطبيعي أن تقف تركيا في جانب الدوحة، الشريك الاستراتيجي لأنقرة خلال الفترة الماضية. 

أضاف مايورك: "العلاقات التركية - القطرية وثيقة، ودعم أنقرة للدوحة غير مرتبط بالموقف التركي من أميركا، بل هي نتاج شراكة طويلة عبر السنوات الماضية، فمن غير المتوقع أن تتخلى تركيا عن قطر في ظل توافق مصالحهما الاستراتيجية والدبلوماسية والعلاقات الإيجابية التي تجمع بينهما. إلا هذا من شأنه أيضًا أن يؤثر في علاقات تركيا بدول الخليج، وهذا ما ما يلقي بظلاله الآن على المنطقة، في ظل حالة التوتر العامة التي تسودها".