الرباط: بمناسبة دورته العشرين، ينظم "مهرجان كناوة وموسيقى العالم" بالصويرة، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للسنة السادسة على التوالي، منتدى حقوق الإنسان، وذلك صباح يومي الجمعة والسبت المقبلين، في إطار فعاليات الدورة العشرين لــلمهرجان، التي تنطلق فعالياتها غدا الخميس، وتتواصل على مدى أربعة أيام.

وينتظر أن تكون دورة هذه السنة من "مهرجان كناوة وموسيقى العالم" دورة الاحتفال بوصول هذه التظاهرة إلى محطتها العشرين، من خلال "برمجة غير مسبوقة"، تتضمن 30 حفلاً موسيقياً، موزعة على خمس منصات، بمشاركة نحو 300 موسيقياً من قارات أفريقيا وأوروبا وأميركا وآسيا.


نائلة التازي العبدي، منتجة ومديرة "مهرجان كناوة وموسيقى العالم" بالصويرة

وكتبت نائلة التازي العبدي، منتجة ومديرة المهرجان، في تقديمها لدورة هذه السنة، تحت عنوان "قصة إيمان وإصرار وصمود"، أن "لهذا المهرجان قصة تستحق أن تروى. إنها، فضلاً عن الترفيه، قصة إيمان ومقاومة".

وفضلاً عن سهراته الموسيقية وفقرات المنتدى، يتضمن برنامج المهرجان فقرات متعددة، تؤكد "روح التبادل" التي تميز التظاهرة، بينها "شجرة الكلمات"، التي تشكل "لحظة هدوء" خصصت، منذ 2006، "للحوار والتبادل".

ويرى المنظمون أن فكرة المنتدى" مكنت المهرجان، منذ إحداثها سنة 2012، إلى جانب الموسيقى والفنون، من تعزيز هذه التظاهرة بفضاء للنقاش بين مختلف المتدخلين، مغاربة وأجانب، حول الإشكالات الراهنة لمجتمعاتنا".

 

ادريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان

 

وبعد دورتي 2012 و2013، اللتان تطرقتا، على التوالي، لموضوعَيْ الشباب والثقافة، أصبحت أفريقيا، منذ أربع سنوات، الموضوع الرئيسي للمنتدى، حيث خُصص منتدى دورة 2014 للتاريخ، ثم تلاه منتدى حول النساء في 2015، وآخر حول الدياسبورا الإفريقية في 2016؛ فيما تتطرق دورة هذه السنة لإشكاليات على قدر كبير من الراهنية، وذلك من خلال الانكباب على فهم الروابط بين المجال الرقمي والثقافة؛ خصوصاً بعد أن بات العالم الرقمي يزحف على ميدان الثقافة، أيضاً، حيث أصبح الإبداع الثقافي، كباقي قطاعات الحياة العامة الأخرى، يمر عبر المجال الرقمي، مما يفرض على الجميع طرقاً جديدة للقراءة والاستماع والمشاهدة والاستهلاك؛ مع أن ذلك لا يُشكل الثورة الوحيدة الجارية في هذا المضمار.

 

 

وتحدث ادريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن "تحدي المجال الرقمي أمام الإبداع، الحرية والمساواة"، فكتب أن كل بلدان القارة الأفريقية تسعى لتدارك تأخرها في مجال الانترنت، و"إن كان هذا المسعى يتم بإيقاع متفاوت حسب كل بلد".

ولاحظ اليزمي أنه "على الرغم من كون بعض الحكومات حاولت ومازالت تحاول تكميم حرية التعبير في العالم الافتراضي، فإن الحرية تظل هي الغالبة بل والمهيمنة. ثمة مقاربة متحررة، بشكل مبالغ فيه، ترى أن الولوج الشامل للعالم الرقمي يحمل في طياته بالضرورة منافع شتى للمواطن - المستهلك أو صانع محتوى. إذ يوسع هذا الولوج آفاقه بشكل غير متناهي ويمكنه من الوصول، من دون حدود، إلى المعلومات والتعاليق والتحليلات والإبداعات الثقافية. كما يمكنه مبدئيا من التفاعل من دون رقابة مسبقة مع مجموعات من مشارب وانتماءات متعددة ومع مختلف السلطات العمومية. ويسمح لمداركه وآفاقه بالتفتح من دون أي نوع من العوائق والموانع التي تلجمه عادة وتحد من تطوره. وسواء أعلن عن هويته أو فضل إخفاءها، فإن مستعمل الانترنت يمارس حياته بكل حرية وينضم للمجموعات التي يختار أن ينضم إليها لوقت قد يطول أو يقصر والتي يمكنه مغادرتها دون تحمل أي كلفة اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية. وبالنسبة لدعاة هذه الرؤية، فإن لمنطق السوق وحده أهلية تنظيم وضبط هذا العالم الرقمي. غير أنه هناك مقاربة أخرى، وهي التي اخترنا بمعية فريق المهرجان تبنيها. وهي مقاربة تتعاطى مع الموضوع بنسبية ولكنها تظل في اعتقادي مثمرة على المدى البعيد. وتقوم على طرح الفرص التي توفرها هذه الثورة الجديدة مع تقييم التحديات المتعددة التي تفرضها علينا".

وتتفرع موضوعات منتدى دورة هذه السنة إلى أربعة محاور، بمشاركة 20 متدخلاً، من المغرب ومصر وفلسطين وفرنسا والسنغال والنرويج وبلجيكا ولبنان، تشمل "الفنون الحية، النشر، السينما، الموسيقى... ماذا يتغير مع المجال الرقمي؟"، و"المجال الرقمي في خدمة التنوع"، و"نحو بروز تخصصات فنية جديدة"، و"أي سياسات عمومية؟ وأي تدابير تقع على عاتق مجموع الفاعلين؟".

واستعرضت أرضية المنتدى مؤشرات تؤكد غزو المجال الرقمي لحياتنا بجلاء، جاء فيها: "أطلقت شركة "غوغل"، منذ بضع سنوات، مشروعاً ضخما يرمي إلى القيام برقمنة عالية الجودة لـ 57 ألف عمل فني بارز، مستمد من 230 متحفاً من المتاحف المرموقة في العالم. وأنشأت شركة "أمازون" سنة 2013 منصة رقمية مخصصة لبيع الأعمال الفنية، تضم إجمالا 40 ألف عمل فني من 150 رواقاً دولياً، كلها معروضة للبيع بمجرد ضغطة زر. كما أضحت متاحف عالمية كبرى، مثل "مو ما" (متحف الفن الحديث بالولايات المتحدةً) تعتمد استراتيجيات رقمية وتوظف مسؤولين عن تدبير المنصات الرقمية وعن التواصل الرقمي وتقيم رواقات افتراضية، إلخ. وهناك حالياً في فرنسا 100 ِ ألف عمل أدبي رقمي متوفر. بهذا، يكون العالم الرقمي قد بات يزحف على ميدان الثقافة أيضاً، حيث أصبح الإبداع الثقافي، شأنه شأن باقي قطاعات الحياة العامة الأخرى، يمر عبر المجال الرقمي، مما يفرض على شكل الثورة الوحيدة الجميع طرقاً جديدة للقراءة والاستماع والمشاهدة والاستهلاك. لكن ذلك لا يشكل الثورة الوحيدة الجارية في هذا المضمار".

وطرحت أرضية المنتدى، في هذا السياق، جملة أسئلة، يرى المنظمون أن لها طابعاً كونياً يخاطب الجميع، كما تُسائل، أيضاً، الفاعلين في مجال الثقافة والمستهلكين لها في المغرب وفي أفريقيا، الشيء الذي يؤكد أن اختيار موضوع "الإبداع والسياسات الثقافية في العصر الرقمي" يكتسي قدراً كبيراً من الراهنية.

ومن بين هذه الأسئلة: "هل المجال الرقمي يؤدي إلى سبل جديدة لتحريك المشاعر، والتأثير والمساءلة وتمرير رسالة سياسية، اجتماعية أو فنية؟ وبعبارة أخرى، هل يشكل فرصة مواتية للإبداع الفني أم تهديداً له؟"، و"هل سيقضي المجال الرقمي على الأشكال الحالية للثقافة "التقليدية"؟، و"أي معنى بات للبرمجة الفنية في زمن يسوده مبدأ التواصل في أي وقت، وأي مكان وبأي جهاز؟"، و"هل يسمح المجال الرقمي بهوامش أكبر للحرية؟"، و"هل يمنح للأقليات والمجموعات الهشة فضاءات جديدة للتعبير وللبروز؟"، و"هل أصبح المجال الرقمي أداة للمقاومة الثقافية؟"، و"ما هي مسؤولية السلطات العمومية وباقي الجهات الفاعلة في الحقل الثقافي وكيف ينبغي لها أن تكون في ظل هذا السياق الجديد تماماً؟".