بيروت: مع ارتفاع حدة المعارك في الرقة، تمكنت عائلات كانت بين المحاصرين في وسط المدينة ومحيطها من الفرار بصعوبة من قبضة تنظيم داعش لتلجأ الى حي تقدمت اليه قوات سوريا الديموقراطية.

في ضاحية جزرة غرب مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس الثلاثاء نحو عشرين شخصا، من نساء واطفال ورجال، يستريحون على الارض بعدما فروا من حي الدرعية في غرب المدينة حيث لا يزال يتمركز مقاتلون من تنظيم داعش.

ويقول احمد شعبو (35 عاما) بينما تجلس طفلته الصغيرة في حضنه "كنا محاصرين، ولم نتمكن من الخروج. لم يسمحوا (الجهاديون) لنا بذلك (...) بمجرد ما كنا نطل من الباب نجد القناصة... ذهبنا مرة لجلب المياه وتم إطلاق النار علينا".

ويضيف الرجل الذي لف عنقه بشال اسود "كنا نعلم ان رفاقنا (في اشارة الى قوات سوريا الديموقراطية) موجودون هنا واليوم (الثلاثاء) فقط تمكنا من الخروج والمجيء الى هنا".

ويخاطر الفارون من منازلهم في الرقة بالمرور في مناطق اشتباك بين الجهاديين ومقاتلي الفصائل الكردية والعربية او في حقول ألغام أو يتعرضون لرصاص قناصة تنظيم داعش.

ويروي شعبو "ذهب الاطفال متفقدين الطريق لكي نخرج، رأوهم رفاقنا (قوات سوريا الديموقراطية) وندهوا عليهم، ثم أتى طفل صغير لينادينا، وحينها خرجنا".

ويضيف "لو رآنا الدواعش لما كانوا سمحوا لنا بالخروج".

وتدور اشتباكات عنيفة في المنطقة المحاذية لحي القادسية الى الغرب من حي الدرعية. وبات نصف القادسية تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية.

الى جانب شعبو، افترشت عائلات ثلاث الارض امام محال فارغة والى جانبها عناصر من قوات سوريا الديموقراطية. يطلب هؤلاء من المقاتلين الحصول على بعض المياه والطعام، يتناولون بعضها ويخبئون ما تبقى خشية نفاذها.

ترتدي النساء الواصلات حديثا اثواباً ملونة بعكس العباءة السوداء التي فرضها تنظيم داعش عليهن، وكشفت احداهن عن شعرها المصبوغ بالحناء، واغرورقت عينا اخرى بالدموع.

"من بيت الى بيت"

ويعاني اهل الرقة المحاصرون في المدينة من اوضاع معيشية صعبة نتيجة انقطاع الكهرباء والنقص في المياه واغلاق المحال التجارية وخصوصاً الافران.

ويقول شعبو "كنا اشترينا بعض المؤن من مياه وغيره ولم تكفنا، فاضطررنا للتنقل من بيت الى بيت للحصول على بعض المياه"، وهذا حال "الكثير من العائلات".

ومنذ دخولها مدينة الرقة في السادس من حزيران/يونيو، سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على نحو 25 في المئة من المدينة، هي عبارة عن أربعة احياء بالكامل واجزاء من احياء اخرى. وتسعى هذه القوات الى عزل وسط المدينة والتضييق على عناصر تنظيم داعش فيها.

وتعد احياء وسط المدينة الاكثر كثافة سكانية، ما يعقد العمليات العسكرية لا سيما أن تنظيم داعش يعمد الى استخدام المدنيين كـ"دروع بشرية"، بحسب شهادات اشخاص فروا من مناطق سيطرته.

وكان يعيش في مدينة الرقة التي استولى عليها الجهاديون في 2014، نحو 300 الف مدني، بينهم 80 الف نازح من مناطق سورية اخرى. الا ان عشرات الآلاف فروا خلال الاشهر الاخيرة.

وفرّ، بحسب ناشطين، غالبية سكان الاحياء الواقعة عند اطراف المدينة، بعضهم غادر الرقة تماما وبعضهم الآخر نزح الى احياء وسط المدينة.

وتتواصل المعارك بين قوات سوريا الديموقراطية وتنظيم داعش الذي يلجأ كما عادته الى الالغام والقناصة والطائرات المسيرة التي تلقي القنابل.

وبرغم سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على اربعة احياء بالكامل، الا ان ذلك لم يحل دون شن عناصر التنظيم المتطرف هجمات عليها بين الحين والآخر.

في أحد المباني عند أطراف حي الدرعية، يتمدد قناص من قوات سوريا الديموقراطية على الارض ويصوب بندقيته عبر فجوة في الحائط، ويطلق آخر من فجوة أخرى نيران سلاحه الرشاش.

ويطل هؤلاء على منطقة تدمرت فيها مبان ومحال تجارية ويتصاعد الدخان من احد شوارعها. وشاهد مراسل فرانس برس جثتين على الارض يرجح انها لجهاديين.

في شارع ترابي، يمشي مقاتل من قوات سوريا الديموقراطية بحذر، يتوقف قليلا ويلقي نظرة بين جدران احد المنازل قبل ان يطلب من فريق الصحافيين ان يواصل السير خلفه.

عند اطراف حي الدرعية، يقول القيادي الميداني في قوات سوريا الديموقراطية زانا كوباني "كلما تقدمنا في المدينة تزداد هجماتهم بالسيارات المفخخة والقناصة والاسلحة الثقيلة".