الموصل: وسط الدمار الممتد في الموصل، يخوض رجال الدفاع المدني العراقي سباقا مع الوقت حاملين أرواحهم على أكفّهم بين المفخخات والقناصة، سعيا إلى إنقاذ عائلات دفنت تحت أنقاض المعارك الدامية بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية.

تحت شمس حارقة وبحزن شديد، يدخن عبد الرحمن محمد وأخوه عمار سيجارتيهما ويراقبان حفارة تشق طريقها عبر جبل من الحطام وسط سحابة غبار.

ويعتقد الشابان أن جثث شقيقهما أحمد وعائلته موجودة في المكان، بعدما فقدوا أثناء فرارهم من المعارك العنيفة بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب الموصل.

بعد إرداء آخر القناصة الذين كانوا متربصين على مقربة من المكان، سمحت القوات الأمنية الثلاثاء لعمال الإنقاذ بسبر أغوار الحطام.

لكن بعد انتظار طويل مماثل، الأمل ضئيل في العثور على ناجين من دون معجزة.

يقول عمار "لقد دفنوا منذ ثلاثة أسابيع، عائلة بأكملها. إنها مأساة".

لكن عبد الرحمن يعتقد أنه من الممكن أن يكون أحمد غادر المنزل مع عائلته قبل القصف.

يقول إن "أملنا الوحيد هو ألا نجدهم هنا".

في السادس من يونيو، تقدم الجيش العراقي داخل منطقة الزنجيلي، حيث كان العديد من المدنيين محتجزين في منازلهم بأمر من تنظيم الدولة الإسلامية.

-"الموصل هي الأسوأ"- 

وسط المعاناة والجوع، سنحت الفرصة للبعض بمحاولة الهروب، ومنهم أحمد وزوجته وأولادهما الستة.

لكن العائلة رأت مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية قادمين و"لجأت مع نحو 30 مدنيا آخرين إلى سرداب منزل مجاور"، بحسب ما يوضح عبد الرحمن.

في داخل القبو، كان هؤلاء عطشى. تطوع رجل لجلب الماء، فأصابه في الطريق قناص في رقبته. أصيب ولم يعد.

وبعد دقائق، تعرض المنزل لغارة جوية حمل سكان الحي مسؤوليتها للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لدعم القوات العراقية في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول عبد الرحمن "ربما أخطأوا بالمنزل، أو قصفوه لتواجد قناصة من داعش على السطح".

أبلغ الناجي الشقيقين بذلك، فحذرا بدورهما فرقة الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية، والتي ساعدت الضحايا في أجزاء أخرى من العراق في السنوات الأخيرة، بعدما استعادت الحكومة السيطرة على أراض من تنظيم الدولة الإسلامية.

مهمة هؤلاء هي إنقاذ من بقي على قيد الحياة، وانتشال الجثث لتدفن بكرامة.

ويقول الرائد سعد نوزاد رشيد "فعلنا ذلك في الفلوجة والرمادي (...) لكن الموصل هي الأسوأ".

ويصل رجال رشيد أحيانا في الوقت المناسب لإنقاذ الأرواح، وفي أحيان أخرى يكون الأوان قد فات، بعد المعوقات التي يشكلها القناصة والمفخخات.

-"الحفر خطير جدا"-

ويقول رشيد "لم أر قط هذا الحجم من الدمار، من النساء والأطفال المتضررين، كل هذا بسبب الكلاب" في إشارة إلى عناصر تنظيم الدولة الإسلامية.

تحاول الحفارة، خلال وقوفها على حافة كومة من الأنقاض، إزالة الكتل الخرسانية والقضبان المعدنية الملتوية.

بعد أكثر من ساعة في العمل، تظهر أشياء في كعب حفرة بعمق أمتار عدة، بينها دميتان.

بعد ضربة واحدة للحفارة، يصرخ أحد رجال الإنقاذ "توقف!".

يقترب عبد الرحمن وعمار. لا أثر لأقربائهما في القاع. ولكن إلى الأعلى قليلا، صاروخ لم ينفجر، مهدد بالسقوط.

ولن تحفر الحفارة أكثر من ذلك، خصوصا أن الجيش اكتشف سيارتين مفخختين في المنطقة المجاورة، إحداهما على بعد أقل من 50 مترا.

ويقول رشيد "من الخطورة جدا أن نحفر في هذه الظروف، وسنترك للجيش أولا أن يطهر المكان من أي متفجرات".

ويعني هذا تأخيرا ليومين، ما يعتبر ضربة قاسية للأخوين.

لكن عيد الرحمن لا يزال متأملا.

ويقول "ربما هربوا إلى المدينة القديمة"، في إشارة المنطقة ذات الأزقة الضيقة حيث يرتفع الدخان الأسود في الأفق، فيما تسعى القوات العراقية إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحتجز عشرات آلاف المدنيين.