واشنطن: يؤكد مسؤولون أميركيون رغبتهم في التوصل الى حل دبلوماسي مع كوريا الشمالية بهدف تجنب اندلاع نزاع قد ينذر بكارثة بعدما أطلقت بيونغ يانغ صاروخا عابرا للقارات اظهرت من خلاله قدرتها التي فاجأت الجميع على ضرب اراض اميركية.

لكن مع تردد واشنطن في إظهار نفسها وكأنها تكافئ بيونغ يانغ التي استهزأ زعيمها كيم جونغ اون بـ"الأميركيين الأوغاد"، هل لا يزال بإمكان الطرفين الجلوس على طاولة واحدة وجها لوجة والتخلص من خلافاتهما؟.

يشير محللون ودبلوماسيون مخضرمون اختبروا توترات سابقة بين البلدين الى وجود عقبات ضخمة في طريق المحادثات قد يكون أقلها تأثيرا انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما. إلا أنهم يؤكدون كذلك إن المحادثات ليست ممكنة فقط، بل هي الحل الوحيد القابل للتطبيق، سواء جرت بشكل مباشر أو عبر وسطاء، بينهم سياسيون أميركيون سابقون من خارج إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. 

ويؤكد جيمس كلابر، الذي قضى سنوات كرئيس للاستخبارات الأميركية في كوريا الجنوبية، وشغل لاحقا منصب مدير الاستخبارات الوطنية خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أن "الدبلوماسية هي الحل الوحيد". وكان ترمب أوضح في مايو أنه "سيتشرف" بلقاء كيم في ظل ظروف مؤاتية، وهو ما يحمل في طياته دعوة مبطنة لكوريا الشمالية بوقف برامجها النووية والبالستية أولا. 

وفيما توعد الرئيس الأميركي برد "قاس جدا" على تجربة الدولة الشيوعية لصاروخها العابر للقارات، رد وزير دفاعه جيمس ماتيس عبر التذكير بعبارة شهيرة للزعيم البريطاني السابق ونستون تشرشل بأن "الحوار أفضل من الحرب". وبدا كيم وكأنه ترك الباب مشرعا للمحادثات بعد اختبار الثلاثاء ما قبل الماضي، قائلا إن البرامج النووية والبالستية قد تكون "مطروحة" إذا تخلت الولايات المتحدة عن ما وصفه بـ"سياستها المعادية". 

وبينما تسعى بيونغ يانغ منذ عقود إلى الانخراط في محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن أصرت مرارًا على أن تكون الاتصالات غير مباشرة او رسمية. 

وفي مطلع القرن الحالي، بدات مفاوضات شاركت فيها ست دول بينها الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية، وكأنها نجحت في دفع كوريا الشمالية، التي كانت حينها تحت حكم والد الزعيم الحالي كيم جونغ-ايل، إلى القبول بمستوى معين من الرقابة على برنامجها النووي والتخفيف المحتمل من وتيرته.

لكن المفاوضات انهارت عام 2009. وعقب وصوله إلى الحكم بعد عامين من ذلك، تخلى كيم جونغ-اون عن المحادثات وبدا عازما على تطوير سلاح نووي، لتعزيز موقفه السياسي محليا واستعراض قدرات بلاده العسكرية. 

بناء الثقة
مذاك، انحسرت الاتصالات إلى منتديات وندوات شارك فيها مسؤولون سابقون وأكاديميون وعاملون في المجال الإنساني. وفي بعض الأحيان، شارك مسؤولون بصفتهم شبه الرسمية. 

لكن التجربة أثبتت أن هذا النوع من الاجتماعات عادة ما يكون جامدا ومنمقا حيث يكرر الكوريون الشماليون حزمة من المواقف التي يعتقد أن كيم املاها عليهم بشكل مباشر. ويؤكد مشاركون أنه يجب القيام بالكثير من أجل ردم الفجوات اللغوية والثقافية.

مع ذلك، "هناك قدرة على بناء بعض الثقة،" بحسب جوزيف دي تراني، الذي كان مبعوثا سابقا لوزارة الخارجية الأميركية إلى المحادثات السداسية. 

وسابقا، عندما كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إقناع كوريا الشمالية بالإفراج عن أميركيين اعتقلتهم بتهم التجسس أو التبشير بشكل غير شرعي، كان كيم جونغ-ايل مستعدا للقاء والتعامل مع مبعوثين من الولايات المتحدة مثل الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجيمي كارتر وممثل واشنطن السابق في الأمم المتحدة بيل ريتشاردسون. 

أما في عهد كيم جونغ-اون، بات هذا النوع من اللقاءات نادرا رغم استقباله نجم كرة السلة دنيس رودمان الذي زار كوريا الشمالية مرارا على مدى سنوات. ويؤكد دي تراني أنه "كان لدينا فترات تم التوصل خلالها إلى اتفاقات، ولكن ذلك كان خلال عهد كيم جونغ-ايل" واصفا ابنه كيم جونغ-اون بالزعيم "المتهور". 

هناك دعوات للولايات المتحدة إلى التخلي عن الوسطاء وإقامة علاقات شبه رسمية مع الدولة الانعزالية عبر انشاء "دائرة للمصالح في كوريا الشمالية" في بيونغ يانغ وايفاد دبلوماسيين أميركيين للعمل فيها، والسماح لكوريا الشمالية بإقامة قسم مشابه في واشنطن. 

لكن ماذا بعد فتح القناة الدبلوماسية المقترحة؟

هل يصلح المثال الإيراني نموذجا؟
ينوه سكوت سنايدر، الخبير في الشؤون الكورية لدى مجلس العلاقات الخارجية، بأن المشكلة الأساسية تكمن في عدم قدرة الولايات المتحدة على قبول الطلب الكوري الشمالي بتخليها عن موقعها العسكري في المنطقة المتمثل بحماية كوريا الجنوبية واليابان. وأضاف أن "المشكلة هي أن الكوريين الشماليين يريدون أن يذهبوا في هذه المسألة تماما إلى حيث لا نريد". 

من جهته، يقول فرانك آوم الذي كان مسؤولا سابقا في وزارة الدفاع الأميركية ويعمل حاليا في المعهد الأميركي الكوري في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، إن على إدارة ترمب التكيف عبر القبول - على الأقل داخليا - بأنها تتعامل فعليا مع قوة نووية ينبغي احتواؤها. وأضاف "احتاجت العقوبات على ايران ثلاثة أعوام لتبدأ بالتأثير". 

لكن إدارة ترمب ليست من أنصار الاتفاق النووي الايراني الذي اعتبرته أحد اسوأ الاتفاقات في التاريخ. من ناحيته، يرى سنايدر أن النموذج الايراني لن ينجح لأن بيونغ يانغ تملك حاليا قدرات نووية مثبتة وإدارتها أكثر مناعة تجاه الضغط الخارجي. وقال إن "نظامها يستفيد من العزلة السياسية" الدولية.