جزرة: في يوم استراحته من إحدى جبهات مدينة الرقة السورية، ينهمك اسكندر في هرس الثوم وتقطيع الدجاج قبل خلطهم مع أوراق الملوخية، تمهيداً لاعداد وجبة شهية ينتظرها رفاقه المقاتلون بفارغ الصبر بعدما اشتاقوا للطبخ المنزلي.

ويقول اسكندر (28 عاما) وهو يقف امام بابور غاز عليه قدر من الحديد مليء بأوراق الملوخية داخل منزل مهجور في ضاحية جزرة غرب مدينة الرقة، "كنت احب الدخول مع امي الى المطبخ وتعلمت منها، وهذه اول طبخة اعدها على الجبهة". 

ويضيف "كنت على الجبهة واتيت صباح امس. واليوم انا في استراحة".

يقاتل اسكندر مع رفاقه في صفوف قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن. وتخوض هذه القوات منذ السادس من يونيو معارك ضد الجهاديين داخل مدينة الرقة، في اطار هجوم بدأته قبل اشهر بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية لطرد الجهاديين من معقلهم الابرز في سوريا.

ويوضح اسكندر "مللنا من الاكل الذي يأتينا يومياً، لا يتعلق الامر بأننا لا نحبه لكننا مللنا الباذنجان والكباب والمشاوي". خلال اعداده الملوخية، يلف اسكندر عنقه بمنشفة صفراء تجفف العرق الناتج عن ارتفاع درجات حرارة الطقس والحماوة المنبعثة من النيران تحت الطنجرة.

وينتظر رفاقه بحماس انتهاء الوجبة التي تعبق رائحتها في المنزل. يفترش بعضهم الارض في باحة المنزل تحت دالية عنب، بينما يجلس آخرون في غرفة مجاورة فيها مكيف قديم يصدر هديراً مزعجاً، لكنه يساهم في تخفيف وطأة الحر قليلاً.

ووجد اسكندر اوراق الملوخية المجففة في المنزل ذاته حيث يستريح المقاتلون. ويقول "فليسامحونا (اصحاب البيت)، اخذناها لنأكلها"، موضحاً انه أحضر باقي المستلزمات من دجاج وثوم من محال قريبة.

ويضيف "طلب الشباب مني الملوخية، ولو كان هناك طبق آخر يرغبون به، أنا جاهز، المحاشي او دجاج بالفرن او الفاصولياء". ثم يغلق القدر بصينية كبيرة، متوقعاً ان يجهز الاكل خلال نصف ساعة.

خضار و"لحم بعجين"

في أنحاء المنزل، توجد ثلاثة برادات ملأها المقاتلون بزجاجات المياه وألواح الثلج، الى جانب صحن من الخيار المقطع يعتزم اسكندر اضافته الى اللبن لاعداد سلطة شهية.

خلال وجودهم على خطوط القتال، يحصل المقاتلون يومياً على وجبات يتم اعدادها في مطبخين مخصصين للجبهة الغربية، انشأهما المسؤولون عن الامور اللوجستية في قرية حاوي الهوى القريبة. وغالباً ما يتم تحضير وجبات الطعام في اليوم السابق تمهيداً لتوزيعها على المقاتلين في اليوم اللاحق.

ويقول احد المسؤولين اللوجستيين ويدعى هوغر لفرانس برس "نرسل يومياً خمسة آلاف وجبة ظهراً وخمسة آلاف عصراً".

ويضيف الرجل الذي يرتدي زياً عسكرياً ويضع نظارة طبية، "تأتينا طلبات من المقاتلين، ونحاول ان نلبيها قدر المستطاع"، مشيرا الى ان "اكثر ما يطلبونه هو الخضار والفاكهة".

لكن وجبة جديدة اضافها المقاتلون مؤخراً الى قائمة طلباتهم وهي "اللحم بعجين". وقرر المسؤولون اعدادها وفق هوغر، في كوباني "إذ لا يوجد فرن هنا لصنعها"، موضحاً انه سيتم "نقلها في سيارات مبردة الى هنا قبل توزيعها".

وتتطلب الرحلة بين كوباني والرقة نحو ثلاث ساعات ونصف في السيارة.

في مركز التوزيع في حاوي الهوى، ينقل احدهم أكياساً من الخبز الى سيارة، ويضع آخر قطعا من الجبنة البيضاء داخل اكياس بلاستيكية. وفي ساحة قريبة، وضعت قدور ضخمة سوداء تحت الشمس بعد تنظيفها.

"الثلج أهم شيء"

والى جانب وجبات الطعام، يوزع القسم اللوجستي ألواحا من الثلج على الجبهات ونقاط تمركز المقاتلين، تمهيداً لاستخدامها في تبريد مياه الشرب مع تخطي الحرارة عتبة الـ 45 درجة مئوية.

ويتم تجميد ألواح الثلج في مصنع داخل قرية حاوي الهوى، قبل نقلها الى المقاتلين.

واتفقت قوات سوريا الديموقراطية مع صاحب هذا المصنع الصغير على تصنيع الثلج، على ان تتحمل تكاليف المازوت لتشغيل المولدات وخلافه من مواد أساسية. ويرسل المعمل حوالى 500 قالب من الثلج يوميا الى مواقع سيطرة القوات في الجبهة الغربية فقط، بحسب المقاتلين.

قرب المصنع الصغير حيث تبرّد آلة حديدية كبيرة المياه وتحولها الى ألواح من الثلج، يقول المقاتل محي الدين محمد (38 سنة) ان لا كهرباء على الجبهات "وعناصرنا يتعبون في الداخل، وهم بحاجة الى ما هو بارد، فنرسل لهم ثلجا ومثلجات".

من امام المعمل الصغير، ينقل مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية ألواح الثلج وعلب المثلجات الى شاحنة صغيرة لتوزيعها على المقاتلين المرابضين في أحياء الجبهة الغربية.

وشاهد فرق وكالة فرانس برس عددا من المقاتلين في نقطة قريبة من المصنع يأكلون مثلجات بنكهة الحليب موضوعة في علب بلاستيكية.

في مركز عسكري مخصص لاستراحة المقاتلين في جزرة، يؤكد المقاتل ماتاي (22 عاما) ذو اللحية السوداء "أهم شيء أن يأتينا الثلج، وان تبقى المياه باردة"، مضيفا "في هذا الحر، لا يكفي الفيء ولا الاستحمام ولا حتى اذا افرغت زجاجات المياه فوق رأسك".

وفي محاولة للتخفيف من الحر، يرتاد المقاتلون في اوقات فراغهم نهراً قريباً. ويقول ماتاي "نذهب الى النهر، يستطيع المقاتل منّا ان يسبح ويستحم او حتى يغسل ثيابه، ويريح نفسه من الحر".