تواجه الحكومة المصرية أزمة بسبب تهجير عشرات الآلاف من المواطنين من جزيرة تقع بوسط النيل، بموجب قرارات تقول إنهم معتدون على أملاك الدولة، وتصدى المواطنون لإحدى حملات الإزالة أول الأسبوع الجاري، ووقعت اشتباكات مع قوات الأمن أسفرت عن مقتل شخص وإصابة العشرات، وتراجع الحملة.

القاهرة: مع إصرار أهالي جزيرة الوراق في القاهرة على عدم إخلائها، والتصدي لحملة أمنية لإزالة منازلهم، وجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق جديد، واضطرت إلى التراجع موقتًا عن إزالة ما تعتبره "اعتداء على أملاك الدولة"، بينما يقول المواطنون المقيمون على الجزيرة النيلية، إنها ملك لهم، ولديهم عقود تثبت ملكيتهم.

تقع جزيرة الوراق وسط النيل في قلب العاصمة المصرية القاهرة، بين منطقتي شبر في القاهرة وإمبابة في الجيزة، وتبلغ مساحتها 1600 فدان، وتضم نحو 55 ألف نسمة، وتعتبر الجزيرة منعزلة عن محيطها، ولا ترتبط بالقاهرة بأية جسور، بل تعتبر المراكب وسيلة المواصلات الوحيدة إليها.

 

صور نشرتها شركة سنغافورية لانشاء منتج فخم على الجزيرة

 

تعاني الجزيرة من الإهمال على مر العصور، ولم تفكر الحكومات المصرية المتعاقبة على تطويرها، فأصبحت منطقة عشوائية، يقيم فيها عشرات الآلاف من المصريين الفقراء، منذ عشرات السنين، بنظام "وضع اليد"، أي من دون عقود ملكية حقيقية.

ينظر رجال الأعمال إلى الجزيرة بوصفها "قطعة ألماس وسط التراب"، وحاولت حكومات سابقة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك نزعها من أيدي الأهالي الفقراء، ولكن باءت المحاولات بالفشل.

 

يعيش في جزيرة الوراق 90 ألف مصري من الفقراء

 

عادت قضية إزالة منازل الأهالي المقيمين في جزيرة الوراق مرة أخرى خلال الأيام الماضية، مع بدء تسيير حملة أمنية ضخمة، تقدمتها الجرافات، من أجل هدم المباني الموجودة عليها، وتسليمها للحكومة، وتصدى الأهالي للسلطات، ووقعت اشتباكات دامية مع قوات الأمن، أسفرت عن مقتل مواطن وإصابة العشرات، بينهم أفراد من الشرطة، وتراجعت الحملة، دون أن تكمل أعمال الإزالة.

"الجزيرة لنا"

وبينما تقول الحكومة إنها لن تتراجع عن تنفيذ إزالة التعديات على أملاك الدولة، يصر الأهالي على أن الجزيرة ملكية خاصة بهم، ولديهم أوراق ثبوتية بذلك.

 

 

وقال محمود جمعة، أحد الأهالي جزيرة الوراق، لـ"إيلاف" إن عمره 52 سنة، مشيرًا إلى أنه ولد على أرض الجزيرة، ويعيش في منزله الذي ورثته عن والده في الجزيرة، ولديه عقد ملكية.

وأضاف: "أرض الجزيرة مملوكة لنا، لكن هناك رجال أعمال خليجيون يريدون بناء منتجعات سكنية فخمة عليها، والحكومة وافقت وتريد إزالة منازلنا، من أجل تسليم الجزيرة لرجال الأعمال".

وحسب تصريحات محمد عبد الحكيم، من أهالي الجزيرة، فإن الحكومة المصرية تريد إخلاء الجزيرة وتسليمها إلى رجال الأعمال، لبناء ناطحات سحاب، وتشريدهم، على حد قوله.

 

صور لتطوير الجزيرة

 

وأضاف لـ"إيلاف" أن الحكومة تشن حملات على مناطق الفقراء المميزة بلقب القاهرة، ومنها منطقة مثلث ماسبيرو التي تريد إزالة منازل الفقراء عليها وبيعها لرجال الأعمال، وجزيرة الوراق، وجزيرة القرصاية.

وقال إنهم لديهم وثائق ملكية، ولن يتنازل أو يتركوا بيوتهم التي تربوا فيها، وقال: "إذا كانت الحكومة مصرة على إزالة منازلنا، فلتهدها فوق رؤوسنا، لن نتركها إلا على جثثنا".

وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلنت شركة سنغافورية إنها أنهت تصاميم لمنتجع سكني وسياحي فاخر في جزيرة الوراق، وقال رانجان رادها كريشنان، المسؤول عن التسويق في شركة "أر إس بي" الهندسية والتي تمتلك فروعا في دبي ولندن وسنغافورة، وعدة مدن كبرى أخرى، في تصريحات لـ"بي بي سي عربي" إن "الشركة لم يعد لها علاقة بالمشروع بعدما أنهت التصميم بناء على طلب أحد عملائها". ورفض إيضاح أي تفاصيل عن هوية العميل أو جنسيته. ولم تذكر الشركة أي شيء عن وجود اتفاق مع الحكومة أو أي جهة أخرى للتنفيذ.

 

 

ونشرت الشركة على موقعها على شبكة الإنترنت بعض الصور لما وصفته "بتصميم مقترح" لتطوير جزيرة الوراق، وقالت إنه انتهت من تصميمه في 31 مارس 2013.

وأظهرت صور التصميم جزيرة الوراق في شكل لمدينة حضارية تحتوي على حدائق عامة والساحات المجتمعية، تتميز بشوارع تتدفق بسلاسة بين الوحدات السكنية، ومنتزهات تتيح للسكان سهولة الوصول إلى نهر النيل، وجامعة توفر الربط بين الدراسة الأكاديمية والمتطلبات السوق، ومرافق ترفيهية ومساحات ثقافية، ومساحات منفصلة للمشي وركوب الدرجات، ووسائل متكاملة للنقل العام.

وتعتبر شركة "RSP" للخدمات الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي والمقاولات، واحدة من كبرى شركات التصاميم المعمارية العالمية، بدأت في عام 1956، وفي عام 2006 بدأت أول مشاريعها في الشرق الأوسط.

وتعتبر وزارة الري الجزيرة "محمية طبيعية في قلب النيل". وقال وزير الري محمد عبد العاطي، في تصريحات صحافية، إن الدولة اتخذت إجراء استباقيا في جزيرة الوراق بهدف حماية الأهالي المقيمين فيها لتجنب الغرق عند ارتفاع منسوب المياه في النيل، مشيرًا إلى أن هناك مسافة قدرها 30 مترا لابد أن تكون خالية حتى لا تتدفق مياه النيل أو يحدث فيضان وتضر هذه المنازل، وأن هدف الدولة حماية أرواح المواطنين والحفاظ عليها.

ويعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن هناك اعتداء على أملاك الدولة، وقال في مقطع فيديو أثناء افتتاح أحد المشروعات، "هناك جزر موجودة في النيل يفترض ألا يكون أحد متواجدا عليها وفقًا للقانون".

وأضاف: "هناك جزيرة مساحتها تصل لـ 1250 فدانا متواجدة بوسط النيل، دخلت فيها العشوائيات، وقام المواطنون بالبناء بها وضع يد، وهذه المباني لا يوجد بها صرف وتصرف على نهر النيل".
وشدد على ضرورة أن يكون هناك "أولوية في التعامل مع هذه الجزر خلال إزالة التعديات على أراضي الدولة".

وبينما تتصاعد الأزمة أمرت النيابة العامة بحبس 9 متهمين من أهالي الجزيرة، 15 يومًا على ذمة التحقيقات في قضية مقاومة السلطات، ومقتل مواطن وإصابة العشرات بينهم عناصر من الشرطة.

وتدخل مجلس النواب على خط الأزمة، وقال رئيس المجلس الدكتور على عبد العال، إن المجلس حريص على المتابعة الدائمة للأحداث المتعلقة بجزيرة الوراق، مع التأكيد على الحفاظ على حقوق الدولة والمواطنين والتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف بشأن هذه الأزمة.