بيونغ يانغ: اصطف سياح غربيون الاحد امام تمثالين عملاقين لمؤسس كوريا الشمالية كيم ايل سونغ ونجله كيم جونغ ايل خليفته في حكمها، وبعد اشارة من الدليل السياحي المرافق لهم، انحنوا امامهما.

هذا الطقس السياحي لن يشمل سياحا أميركيين بعد فترة، مع إعلان الولايات المتحدة الجمعة أنها ستفرض هذا الاسبوع حظرا على سفر مواطنيها الى "جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية"، الاسم الرسمي للدولة الشيوعية المعزولة.

ياتي هذا القرار وسط توتر كبير بشأن طموحات بيونغ يانغ النووية والصاروخية، بعدما أطلقت صاروخا في وقت سابق من الشهر الحالي اعتبر خبراء انه قادر على بلوغ الاسكا او هاواي، وإثر وفاة الطالب الأميركي اوتو وارمبير بعد اعتقاله في الشمال لأكثر من عام.

في العام 2016، ادين وارمبير بارتكاب جرائم ضد الدولة وحكم عليه بالسجن مع الاشغال الشاقة 15 عاما بسبب سرقة ملصق دعائي من فندق في بيونغ يانغ. في حزيران/يونيو تم ترحيله إلى بلده بعد اصابته بغيبوبة غامضة الاسباب، وسرعان ما لقي حتفه.

يسعى السياح الذين يزورون كوريا الشمالية إلى اشباع فضولهم وخوض تجارب مختلفة.

وينتصب تمثالا كيم المؤسس ونجله البرونزيان بطول 20 مترا فوق تلة مانسو ويشرفان على بيونغ يانغ، فيما تتوافد مجموعات متعاقبة من الكوريين الشماليين بالبدلات وربطات العنق لأداء تحية إجلال أمامهما. كما تلتزم السيارات العابرة إبطاء سرعتها.

عند وصول السياح الى الساحة بثت مكبرات الصوت شعارات على غرار "يغلبنا الحنين إلى جنرالنا" كيم جونغ ايل الراحل ووالد الزعيم الحالي كيم جونغ اون، مؤكدة ان ان "الرئيس كيم ايل سونغ حرر بلدنا واقام فردوسا للشعب على هذه الأرض".

وقال مدير مركز الاتصالات الايرلندي كايل مايرز (28 عاما) انه أراد "زيارة مكان يختلف كثيرا عما أعهده"، في رحلته الأولى إلى آسيا "لمشاهدة شيء لم يتسن لكثيرين في الديار رؤيته".

وأقر مايرز ان التوتر المتصاعد في العام الذي انقضى منذ حجز جولته اثار قلقه، لكنه أضاف "لا أرى هنا ما هو الخطر على السياح طالما يتصرفون بانضباط ويلتزمون قواعد هذا البلد".

"مهيبة لكن مقلقة"

بدت الحماسة على عدد من السياح الذين دفعوا اعتبارا من 1850 يورو مقابل الزيارة. وكانت المديرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات بالافي فادكي (43 عاما) بين الذين وضعوا باقة ورد امام التمثالين.

وقالت لوكالة فرانس برس انها فعلت ذلك "كبادرة احترام"، مضيفة "الامر اشبه بتغطية الرأس عند دخول مسجد او خلع الأحذية قبل دخول معبد ما".

أضافت "يبدو الناس سعداء، لم اعاين اشارات على تعرضهم للقمع"، مشيرة الى انهم "فخورون جدا بتاريخهم ويحلو لي مشاهدتهم يعبرون عن وطنيتهم".

لكن الكثيرين يخالفونها الرأي، فيما تتهم الامم المتحدة وعدد من الدول الغربية والمجموعات المستقلة بيونغ يانغ بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان.

كما أبدى سياح آخرون بعض التشكك. وشبه الكاتب مارك هيل من كالغاري في كندا التمثالين "بنسخة قاتمة جدا لجبل راشمور" في ولاية داكوتا الجنوبية بالولايات المتحدة الذي نحتت عليه وجوه عملاقة لأربعة رؤساء أميركيين.

وأوضح "انها مهيبة جدا، لكنها مقلقة بعض الشيء".

طوال سنوات حذرت الخارجية الاميركية مواطنيها من السفر إلى كوريا الشمالية مؤكدة انهم "معرضون لخطر كبير بالتوقيف او الاعتقال على المدى الطويل في ظل النظام الامني الكوري الشمالي" الذي "يفرض عقوبات شديدة القسوة بلا مبرر لأعمال لا تعتبر جرائم في الولايات المتحدة"، مثل عدم احترام قادة البلاد والتبشير.

اضافت انه "احتمال كبير ان تستخدم الأموال التي ينفقها السياح في جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية" لتمويل برنامجها للتسلح.

ومن المقرر أن يسري حظر السفر بعد 30 يوما على إعلانه رسميا، كما قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر نورت التي اضافت ان "جوازات السفر الأميركية لن تكون صالحة للسفر إلى كوريا الشمالية أو عبرها او داخلها"، ووحدهم الاميركيون الذين يحملون اذنا خاصا سيمكنهم التوجه اليها.

"قوة شر موحدة"

تتوافد غالبية السياح إلى كوريا الشمالية من الصين، حليفتها الكبرى الوحيدة وشريكتها الرئيسية على مستوى التجارة والمساعدات.

ويشكل الاميركيون حوالى 20% من 4000 إلى 5000 سائح غربي يزورون البلاد سنويا، بحسب سايمون كوكرل من شركة كوريو تورز السياحية التي تتصدر هذه السوق المتخصصة ونظمت رحلة الاحد إلى بيونغ يانغ.

أوضح كوكرل ان وفاة وارمبير سبق ان انهكت السوق التي شهدت انهيارا في الحجوزات الى النصف مذاك.

وقال لوكالة فرانس برس ان "الزبائن المحتملين يعتبرون ان أيا كان قد يرتكب خطأ (...) فالجميع ارتكب اخطاء في حياته، وبالطبع لا احد يريد أن تكون عواقب الخطأ على هذا القدر من البطش".

لكنه اعتبر تحرك واشنطن انهزاميا. فإلى جانب تشعباته بالنسبة إلى الكوريين الشماليين الذين يكسبون رزقهم من السياحة، "سيلغي بالكامل اي تفاعل بشري بين مواطني الولايات المتحدة وكوريا الشمالية"، بحسبه.

واقر بان دعاية الدولة الكورية الشمالية بشأن الولايات المتحدة "سلبية 100%"، لكن التواصل بين السياح والسكان "ينقض فكرة ان الأجانب قوة شر موحدة تسعى إلى ضرب الكوريين الشماليين".

كما أشار إلى ان "الفكرة بأن السياحة تجيز استدامة الحكومة عبثية" موضحا أن "الارقام ضئيلة جدا والعائدات كذلك".

اما شركة "يانغ بيونيرز" السياحية التي نظمت رحلة وارمبير الى كوريا الشمالية فسبق أن اعلنت وقف هذه الرحلات للمواطنين الاميركيين.

ضمن المجموعة التي شاركت في جولة الاحد الكاتب الفكاهي ايفان سايمون من لوس انجليس والذي يرجح ان يكون بين آخر السياح الأميركيين الذين يطأون البلاد بعد الحظر.

وقال "هذا واقع الامر" مضيفا انه يجده "مستساغا بشكل ما".