بيروت: يجازف المدنيون الفارون من مدينة الرقة السورية بحياتهم للوصول الى بر الامان بعيداً عن المعارك، متكلين على مهربين يدفعون لهم مبالغ مالية طائلة غير كفيلة بحمايتهم من النيران او من اعين الجهاديين.

في مخيم عين عيسى للنازحين، الواقع على بعد اكثر من خمسين كيلومتراً عن مدينة الرقة، يروي نازحون كثر فروا من الرقة وجوارها لحظات رعب عاشوها مع المهربين تخللها تعرضهم لاطلاق نار او التخلي عنهم في وسط الطريق.

ويقول علي (25 عاما) الذي استعان بمهرب للفرار من قرية القحطانية الواقعة على بعد ستة كيلومترات شمال غرب الرقة، اثناء الرحلة باشراف المهرب "علقنا في هجوم للدواعش اصيبت خلاله امرأة رافقتنا على الطريق".

ويضيف "لا نعرف ماذا حل بها، لكن دم هؤلاء الناس في رقبة المهربين".

فرّ علي مع ثمانية من افراد عائلته اصغرهم طفل في الخامسة قبل شهرين ونصف الشهر من قريته برفقة مهرب "نُصحنا بالتعامل معه بعدما سألنا عدة اشخاص في القرية".

ويوضح "لا يكشف المهربون اسماءهم الحقيقية ويكتفون بألقابهم فقط، ولقب مهربنا كان الحوت".

ويقول الشاب الاسمر ذو اللحية السوداء الخفيفة بينما يجلس مع جيرانه في ظل ملاءة تقيهم لهيب الشمس "اتفقت مع الحوت على التفاصيل ودفعت له 222 الف ليرة سورية (418 دولارا)".

ويتابع "خرجت من القحطانية في سيارتي عند الثانية بعد منتصف الليل، سار المهرب امامنا بمسافة 500 متراً" مضيفا "كان ملثماً، لم نر وجهه".

ويروي "بعد وصولنا الى مكان في منتصف طريق قال لنا إنه آمن وجدنا نفسنا تحت وابل نيران الدواعش. عندها أطلقت العنان لسيارتي حتى وصلت الى اول حاجز لقوات سوريا الديموقراطية".

قد يكون داعشياً

ومنذ بدء قوات سوريا الديموقراطية، ائتلاف فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، هجوماً قبل ثمانية اشهر لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من الرقة ابرز معاقله في سوريا، فر عشرات الالاف من المدنيين مع تقدم المعارك.

وتمكنت هذه القوات في السادس من حزيران/يونيو من الدخول الى مدينة الرقة وسيطرت على احياء عدة فيها. وتقدر الامم المتحدة حالياً بقاء ما بين 20 و50 الفا داخل المدينة يعانون من ظروف معيشية صعبة.

ومقابل فرارهم من مناطق سيطرة الجهاديين الى مواقع سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، يدفع المدنيون للمهربين مبلغاً يتراوح بين "75 الفا و150 الف ليرة سورية للشخص الواحد"، وفق تقرير نشره مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية قبل اسابيع.

ويصل النازحون وفق التقرير ذاته الى المخيمات وبحوزتهم القليل من الحاجيات ويبلغون وجهتهم احيانا سيرا على الاقدام لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف وسائل النقل.

ونجا أحمد الحسين (35 عاما) باعجوبة لدى فراره قبل بضعة اشهر من مدينة الرقة بمساعدة مهرب اتفق معه على دفع مبلغ 70 الف ليرة واعطائه دراجته النارية بقيمة 30 الفاً فور بلوغه وجهته.

ويروي "كنا مجموعة من 250 شخصا، مشينا نحو 15 ساعة حتى وصلنا عند آذان الفجر الى حاجز قوات سوريا الديموقراطية في منطقة المعزيلة (23 كيلومترا شمال شرق الرقة)".

ويتابع "فور وصولنا، شنّ الجهاديون هجوما على المنطقة وعلقنا بين النيران، واختفى المهربون تماماً".

ويضيف أحمد بينما يجلس على فراش على الارض والى جانبه دراجته النارية التي احتفظ بها، "اعترضنا الدواعش وأعادونا الى قرية الصالحية، ضربونا واخذوا اموالنا واوراقنا الثبوتية".

اصر الجهاديون على معرفة هوية المهربين الذين كانوا يرافقون المجموعة بحسب احمد "لكن ذلك كان أمرا مستحيلاً لأننا فعلا لا نعرفهم، قد يكون المهرب نفسه داعشياً".

وبعدها، أجبر الجهاديون أحمد على البقاء في قرية تحت سيطرتهم قرب الرقة ظل فيها حتى سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية. 

ليسامحهم الله

تحت خيمة صغيرة صنعها من ملاءات مثبتة على قوائم خشبية، ينهمك ابو احمد (38 عاما) في اصلاح دواليب وقطع خاصة بالدراجات النارية، ما يوفر له دخلاً ضئيلاً في مخيم يعاني فيه النازحون من صعوبات عدة.

قبل ثلاثة اشهر، فرّ ابو احمد من حي الدرعية في غرب مدينة الرقة من دون ان يلجأ الى المهربين، لكن ذلك لم يقيه شرهم.

ويروي الرجل وهو يرتدي قميصاً ازرق ملطخاً بزيت الدراجات الاسود، "خرجت وعائلتي من الرقة قبل ان تصل قوات سوريا الديموقراطية اليها، وبقينا في مزرعة قريبة نحو شهر قبل ان يأتي الدواعش ويحرقوا خيمنا".

اضطر ابو احمد حينها الى اكمال طريقه، ويشرح "قبل ان نصل الى حاجز قوات سوريا الديموقراطية، اعترض مهربون طريقنا وطلبوا دفع 50 الف ليرة لمساعدتنا باعتبار ان الطريق طويل وغير آمن".

وخلال تبادله اطراف الحديث معهم، اقترب راعي اغنام من ابو احمد محذرا ياه "لا تعطوهم أموالكم فالحاجز لا يبعد اكثر من 500 متر والطريق آمن".

ويقول ابو احمد "عندها رفضت الدفع واكملنا طريقنا".

على بعد امتار، يستريح ابو زاهد الخمسيني مع اثنين من اولاده وجيرانه قرب خيمة يعيش فيها منذ نحو 20 يوما بعدما ترك منزله في الرقة بمساعدة مهربين.

ينفث ابو زاهد دخان سجائره عالياً ويسهب في الحديث عن المعاناة داخل مدينة الرقة وفي المخيم الذي يؤوي اكثر من سبعة الاف نازح.

ويقول "خرجنا من حي الدرعية مع المهربين وعبرنا نهر الفرات وصولا الى قرية كسرة فرج ومنها، الى مدينة الطبقة ثم سد الفرات لنقطع النهر مجدداً ونكمل طريقنا الى عين عيسى".

يرفض الرجل الخوض في تفاصيل رحلة الهروب لأن "ما يهمني الان اني اخرجت عائلتي من المدينة" قبل ان يضيف "ليسامحهم الله، المهم اننا خرجنا".