صنع الألمان من خيوط العنكبوت مادة أكثر صلابة بـ200 مرة من الفولاذ، وانتجوا منها بديلاً لأعصاب البشر المقطوعة، وجاء دورهم الآن لصناعة أنسجة القلب منها أيضاً.


أمجد الشريف من برلين: وضع العلماء الألمان من جامعتي بايرويت وايرلانغن، بحسب تعبيرهم، "حجر الأساس" لصناعة القلوب البشرية من نسيج العنكبوت.

جاء في تقرير لهم على صفحات مجلة "المواد الوظيفية المتقدمة Advanced Functional Materials" انهم استخدموا بروتينات معينة في خيوط العنكبوت لانتاج أنسجة قلبية يمكن أن تدخل في إنتاج قلوب كاملة صناعية، ويمكن ان تستخدم في ترميم القلوب بعد تعرضها للجلطات.

ويمكن للقلوب المصنوعة من خيوط العنكبوت ان تفعم بالأمل قلوب 1,8 مليون ألماني يعانون من ضعف وعجز القلب. وهي حالات ناجمة في أغلب الأحيان عن أضرار غير قابلة للتعويض في عضلات القلب تسببها مختلف الحالات، وأهمها الجلطات.

انجاز طبيّ واعد

اعتبر البروفيسور توماس شايبل، المتخصص في صناعة المواد الجديدة من جامعة بايرويت، القلب المصنوع من نسيج العنكبوت انجازاً طبياً واعداً.

وقال ان فريق العمل استخدم جهاز الطبع الثلاثي الابعاد (المجسم) في إنتاج الأنسجة القلبية من بروتينات خيوط العنكبوت. وهي أنسجة مناسبة جداً لجسم الإنسان ولايرفضها نظام المناعة الجسدي.

شارك في فريق العمل البروفيسور فيلكس انغل من جامعة فريدريش الكسندر في ايرلانغن المتخصص في أبحاث الدورة الدموية والمسالك البولية. وإذ يعود الفضل إلى البروفيسور انغل في اكتشاف البروتين المعني في خيوط العنبوت، نهض البروفيسور شايبل بمهمة إنتاج البروتين مختبرياً بكميات تجارية تضمن للبشرية استخدام المادة على مدى طويل.

وعبر شايبل عن تفاؤله في إنتاج أنسجة قلبية وظيفية من بروتين خيوط العنكبوت، لكنه أشار إلى ان العمل ما زال في بديته، وان الأمر سيتطلب بعض سنوات أخرى وصولاً إلى إنتاج قلوب صناعية بديلة لبشر من شبكات العناكب.

عناكب هندية

لا يبدو ان كل خيوط العناكب ملائمة لإنتاج الأنسجة القلبية البشرية، إلا ان العلماء الألمان من جامعة ايرلانغن وجدوا ضالتهم في نوع من العناكب الهندية التي تنتج أمتن الشبكات العنكبوتية.

وتعود هذه المتانة إلى بروتين "فيبروين" الذي يكثر في خيوط العناكب الهندية. وتمكن العلماء من جامعة بايرويت من تحوير العناكب الاعتيادية وراثياً كي تنتج المزيد من بروتين "فيبروين".

وضع العلماء شريطاً غاية في الرقة من الفيبروين على حامل زجاجي ثم اضافوا إليها خلايا بشرية، هي خلايا من بطانات الشرايين ومن خلايا الدم، بمثابة مادة رابطة. 

وثبت للعلماء ان المادة التي انتجت من بروتين فيبروين، والتي يطلق عليها اسم eADF4 (κ16) ، تحولت إلى محيط تعيش وتعمل فيه الخلايا البشرية الحية.

أنتج الباحثون بعدها أنسجة كاملة من نسيج eADF4 باستخدام جهاز الطباعة المجسم وجربوها بنجاح لتعويض الأنسجة القلبية المتضررة.

وتبين من التجارب أيضاً أن النسيج المصنوع من خيوط العناكب قوي جداً بطبيعته، ثم أنه مشحون بالمواد الحيوية والبروتينات الطبيعية التي تدعم عملية بناء الأنسجة الطبيعية في جسم الإنسان. وكانت هذه الخواص مصدر اهتمام العلماء الألمان في مجال الاستخدام الطبي لهذه الخيوط.

تغليف الأدوية والأغذية بنسيج العنكبوت

ويعود الفضل إلى البروفيسور توماس شايبل أيضاً في استخدام نسيج العنكبوت لتغليف أقراص (كبسولات) الأدوية. واستخرج شايبل وزميله اندرياس باوش مادة من خيوط العنكبوت، و طوراها صناعياً، لتحويلها إلى مادة لتغليف المواد الحيوية الأخرى.

وكتب الباحثان في مجلة "المواد الجديدة" الألمانية أن نسيج العنكبوت المصنّع يمكن أن يحفظ كبسولات الدواء بحيث يمكن للطبيب أن يتحكم بتحللها وانطلاق الدواء منها قرب محل الإصابة أو في وقت معين يختاره. وتكمن العملية في بروتينات خاصة من محتويات نسيج العنكبوت لا يرفضها الجسم البشري.

ويتمتع الغلاف البروتيني المستمد من خيوط العنكبوت بصلابة عالية، بمناعة كبيرة ضد الماء وضد عمليه تبادل السوائل عبره.

وأضاف العالمان أنّ لبروتين العنكبوت انزيما خاص يعمل على تحلل مادة الكبسولة متى ما وصلت إلى مكان الإصابة. 

ويصمد الغلاف داخل جسم الإنسان، حتى لحظة وصول الكبسولة إلى المكان المطلوب، حسب كمية الأنزيم المضافة. وهذا يعني ان العالمين تمكنا من السيطرة على حالة المادة أيضاً بهدف استخدامها في مختلف المجالات.

ويمكن للغلاف العنكبوتي الجديد أن يدخل مجال تغليف الأغذية لحفظها من التفسخ وفي كافة التقنيات التي تتطلب التحكم بفترة حياة المواد.