قالت منظمة العفو الدولية إن آلاف المدنيين المحاصرين في مدينة الرقة، التي تحولت إلى ساحة معركة شرسة، يتعرضون إلى وابل من النيران من جميع الأطراف مع اقتراب المعارك من مراحلها الأخيرة على ما يبدو.

وطالبت المنظمة الأطراف المتحاربة بفتح ممرات آمنة للمدنيين المحاصرين في أجزاء المدينة التي لا زالت تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية.

ونقلت المنظمة شهادات مروعة عن الهجمات الدموية التي تعرضت لها المدينة خلال المعركة الجارية بين تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" الذي تدعهم الولايات المتحدة ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.

من حهة أخرى، دعت منظمة الأمم المتحدة إلى هدنة إنسانية للسماح لنحو 20 ألف مدني محاصر في المدينة بالخروج منها، وحثت التحالف بقيادة الولايات المتحدة على الحد من ضرباته الجوية التي يُلقى عليها اللوم في مقتل مئات المدنيين حتى الآن.

وسبق أن تعرض العديد ممن حاولوا الفرار من المدينة لنيران قناصة التنظيم والألغام التي زرعها في شتى أرجاء الرقة.

كما تواترت أنباء عن قيام التنظيم باحتجاز المدنيين واستخدامهم دروعا بشرية في المدينة.

وقال يان إيجلاند مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا للصحفيين "فيما يتعلق بالرقة، دعوتنا الملحة اليوم من جانب الأمم المتحدة لأعضاء قوة المهام الإنسانية... المطلوب أن تبذلوا كل ما في وسعكم لتمكين الناس من الخروج من الرقة".

وأضاف "يجب عدم مهاجمة المراكب في نهر الفرات، يجب عدم المغامرة بتعريض الفارين لغارات جوية لدى خروجهم".

تسابق

وتتسابق الولايات المتحدة وحلفاؤها من قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وروسيا وقوات الحكومة السورية ومليشيات متحالفة معها من جهة أخرى للسيطرة على ما تبقى من الأراضي التي ما زالت تحت سيطرة التنظيم في شرقي ووسط سوريا.

وتلجأ هذه القوات إلى الغارات الجوية المكثفة والقصف المدفعي خلال عملياتها ضد التنظيم التي يتفادى خوض المعارك في المناطق المكشوفة للحد من خسائره بسبب هذه الغارات.

وتسببت هذه المعارك ومازالت بموجات نزوح كبيرة داخل سوريا، إذ يضطر المدنيون إلى الفرار إلى مناطق آمنة هربا من هول المعارك وقد يضطرون إلى المبيت في العراء أياما حتى تهدأ المعارك والعودة إلى مناطق سكناهم إن أمكن.

يتوجه أغلب النازحين والفارين من جحيم المعارك والقصف شمالا إلى مناطق سيطرة الأكراد في محافظات الرقة وحلب والحسكة، فيما يكمل البعض الرحيل إلى مناطق سيطرة الحكومة في حلب وحتى إلى محافظة ادلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).

والمناطق الكردية، التي تمتد من الحدود مع العراق حتى ريف محافظة حلب الشرقي، تمتد لعشرات آلاف الكيلومترات المربعة ويعيش فيها ملايين السكان من أبناء المنطقة الأصليين والنازحين من مختلف المناطق، بالإضافة إلى مئات آلاف اللاجئين من محافظتي الرقة ودير الزور.

نازح مصاب
Reuters
احد النازحين في مخيم التوينة غربي الرقة

الهجرة شمالا

حتى الآن فر عشرات الآلاف من المدنيين من محافظة الرقة باتجاه الشمال. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 200 ألف شخص قد فروا من مدنهم وقراهم في محافظة الرقة خلال الأشهر القليلة الماضية، نصفهم من الأطفال.

وأقامت الإدارة الكردية مخيمات لإيواء النازحين، لا تتوفر في أغلبها مقومات الحياة نظرا لقلة الموارد.

يذكر أن الأمم المتحدة كانت تنقل سابقا المعونات إلى محافظة الحسكة عبر مطار القامشلي وكانت هذه الشحنات لا تفي بحاجات حتى جزء ضئيل من أبناء المحافظة.

وحتى وقت قريب، لم تتمكن الأمم المتحدة من نقل المعونات براً إلى المحافظة بسبب عدم وجود طرق برية آمنة بين محافظتي حلب والحسكة وعدم منح الحكومة السورية الإذن لها لشحن مواد الإغاثة إلى الحسكة حتى شهر يونيو/ حزيران الماضي.

وخلال السنوات الماضية، سعت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى ايصال المعونات الإنسانية إلى شرقي سوريا لكن ذلك اصطدم برفض الحكومة التركية مرور أية معونات إلى هذه المناطق بسبب خضوعها لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره أنقرة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا.

كما أن الحكومة السورية رفضت منح الأمم المتحدة الإذن بنقل المعونات عبر تركيا إلى داخل سوريا.

جدير بالذكر أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تعمل في أية منطقة في سوريا دون الحصول على موافقة الحكومة السورية وتوفر الحد الأدنى من الأمن فيها.

وتعتمد الدول الغربية والعربية التي تساهم في جهود الإغاثة للسكان الذين يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة على المنظمات والجمعيات الأهلية في تقديم الخدمات والغذاء، ويتم نقلها عبر المنافذ الحدودية مع تركيا والأردن.

وانشأت الإدارة الكردية في ريف محافظة الحسكة وريف كوباني/عين العرب عددا من المخيمات المؤقتة بإمكانياتها الذاتية وتسعى إلى توفير الأمن والخدمات في هذه المخيمات.

وأطلقت مجموعة من النشطاء السوريين مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة جديدة تحت اسم "مخيمات الموت" لتسليط الضوء على معاناة النازحين من أبناء المنطقة الشرقية والذين اضطروا لترك مساكنهم بعد قرار تنظيم الدولة الإسلامية بفرض التجنيد الإجباري في مناطق سيطرته.

وأبرز هذه المخيمات هي "السد" و"الهول" و"رجم الصليبي" و"المبروكة" في بادية محافظة الحسكة، ومخيمي "الكرامة" و"عين عيسى" في بادية الرقة.

يذكر ان درجات الحرارة تصل في هذا المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية إلى 45 درجة مئوية صيفا، وهو ما يهدد حياة كبار السن والأطفال مع افتقار هذه المخيمات إلى الحد الأدنى من المرافق والخدمات. وقد مات عدد من النازحين في هذه المخيمات بسبب عدم توفر الخدمات الطبية.