تلعفر: يعود المقاتل التركماني عباس زكر يوسف من خط الجبهة مبتسما ليخبر رفاق السلاح بأنه وصل إلى منزله في حي الكفاح الشمالي في غرب تلعفر، الذي كان نزح منه قبل أكثر من ثلاث سنوات مع دخول تنظيم داعش إلى المدينة.

حال يوسف كحال كثيرين من أبناء تلعفر الذين لبّوا نداء فتوى المرجعية الشيعية في العراق، وانضموا إلى فصائل الحشد الشعبي لمواجهة تقدم التنظيم المتطرف بعد سيطرته على مناطق واسعة في البلاد.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية السبت السيطرة على مركز مدينة تلعفر وقلعتها التاريخية الواقعة وسط هذه المدينة التي تُعد آخر أكبر معاقل تنظيم داعش في محافظة نينوى في شمال العراق.

جاء هذا الإعلان بعد ستة أيام من انطلاق معركة استعادة المدينة، التي بدأتها القوات العراقية إثر طرد التنظيم من الموصل عقب تسعة أشهر من المعارك الدامية.

يقول يوسف الأربعيني الذي غزا الشيب شعره ولحيته لوكالة فرانس برس "نزحت مع عائلتي إلى منطقة الديوانية" في جنوب العراق، مضيفاً "تركت منزلي الذي قضيت عمراً في بنائه". يضيف يوسف، الضابط السابق في الجيش العراقي، وهو يمسح التراب والعرق عن جبينه بشال أخضر اللون عليه شعار "يا أبا الفضل العباس"، "فرحتي كانت لا توصف عندما رأيت منزلي وأنا أحرره بسلاحي".

إلى جانبه، يجلس رفيقه وجاره أكرم قمبريس على حجر صغير في مقابل المستوصف الطبي داخل الحي نفسه. يشير قمبريس إلى المستوصف قائلاً "كنت أعمل هنا. كنت مفروزا كعنصر من الشرطة المحلية". ويضيف "بعد دخول الدواعش، نزحت العائلة كلها، وأنا الآن على مشارف منزل أختي"، مشيرا بيده إلى بيت زهري اللون مغطى بقرميد.

يقول قمبريس ان "الكل يقاتل" من أبناء تلعفر، موضحا أن "الشباب يحملون السلاح على الجبهات، والكبار يعملون بالمواكب". تمتد على طول الطريق إلى تلعفر مواكب من كل المحافظات العراقية لتقديم الطعام والشراب مجاناً إلى المقاتلين وكل المتوجهين إلى خط الجبهة.

فليحقنوا الدماء
لم تكن حركة النزوح ملحوظة من تلعفر مع بدء العمليات العسكرية، حتى إن المخيمات التي أنشئت لاستقبال الفارين لا تزال خالية إلا من قلة من الاشخاص. يقول قمبريس إن "عدد المدنيين الذين بقوا داخل تلعفر قليل جدا، لم تبق إلا عائلات الدواعش، وبعضهم فر من جهة الشمال".

يقاطعه يوسف بالقول إن "أكثر القياديين الدواعش في تلعفر كانوا من عائلات معروفة. هناك دواعش أكراد، وقائدهم يدعى أبو علاء التلعفري وكان الرجل الثاني بعد البغدادي". يضيف "أصلاً أمراء الدواعش هم من تلعفر (...) ثم جاء أتراك وأجانب. البارحة سمعنا أتراكا يتحدثون عبر الجهاز، ويقولون إنهم لن يستسلموا. فليذهبوا إلى الجحيم".

ودفعت تلعفر، المدينة العريقة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، ثمنا باهظا للحرب، على غرار كل المدن والبلدات العراقية التي سيطر عليها تنظيم داعش. وفي البلدة قلعة من العهد العثماني تضررت في العام 2014 حين فجر عناصر التنظيم بعضا من أسوارها.

وكان عدد سكان تلعفر يبلغ حتى ذلك العام ذلك نحو 200 ألف نسمة، معظمهم من التركمان الشيعة. أما اليوم، فباتت المدينة مهجورة وقد فر الكثيرون منها هربًا من حكم الجهاديين. على الخطوط الأمامية، يخرج من أحد المنازل مقاتل عرف عن نفسه بأبو زينب قائلاً "فخخوا كل شيء".

يشير أبو زينب الثلاثيني ببزته العسكرية المغطاة بالتراب إلى أن "الدواعش يفخخون البيوت بقصد القتل أولاً ومنع السكان من العودة ثانياً".

ويتابع "هم لا يقاتلون، هذه أساليبهم، البارحة دخلت بيتاً وجدت فيه سلاحاً يكفيهم أسبوعين لو أرادوا القتال، لكنهم أجبن من مواجهتنا نحن أصحاب الأرض". يعقب قمبريس على كلامه بالقول "إذا أرادوا الخروج فليخرجوا، وليحقنوا الدماء ويوقفوا القتال".