الرباط: لا يحتاج المتفحص لنتائج البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول العنف ضد النساء بالفضاءات العامة بالمدن المغربية، لسنة 2009، والذي أعادت نشر عدد من تفاصيله، إلى كثير وقت وجهد ليصل إلى جواب بصدد سؤال: "هل الفضاءات العامة بالمدن عدائية وغير آمنة للنساء؟"، الذي صدّرت به المندوبية مذكرتها الإخبارية التي عممتها على موقعها الإلكتروني.

ولعل أقل ما يمكن أن توصف به النسب والنتائج التي تضمنتها هذه المذكرة أنها صادمة، في كثير من معطياتها ونسبها، خصوصاً حين تشدد على أن "الإعاقة لا تقي المرأة ذات الاحتياجات الخاصة من التعرض للعنف بالفضاءات العامة"، وأنه "كلما ارتفع مستوى تعليم النساء، زاد معدل انتشار العنف في صفوفهن"؛ علاوة على ارتباط تغير مستوى معدل انتشار العنف "حسب طبيعة الملابس التي غالبا ما ترتديها المرأة خارج المنزل"؛ وكيف أن "المرأة ليس دائما بمقدورها، وفي المدن أكثر من البادية، ولوج الفضاءات العامة"؛ وأن الزواج لا يبدو عاملا محصنا للمرأة ضد العنف في الفضاءات العامة، ولكن يمكن اعتباره على الأكثر "عاملا مخففا"، انتهاء إلى أن "العنف ضد المرأة في الفضاءات العامة بالمدن يهم، بصفة خاصة، الشباب، سواء كضحايا أو كمعتدين"، كما أن "تقديم شكوى للسلطات المختصة من جانب الضحايا اللواتي تعرضن للعنف بهذه الأماكن يبقى ضعيفاً".

عنف علني

أشارت المندوبية السامية للتخطيط، في معرض مذكرتهاالإخبارية، إلى أنه "رغم أن العنف ضد المرأة هي ظاهرة قديمة إلا أن حضور المرأة القوي في الفضاءات العامة يثير بالضرورة مسألة العنف، خصوصا المرتبط بالتحرش الجنسي، واستمتاع النساء بهذا الفضاء بكل حرية"، مشيرة إلى أنه "كثيرا ما يكون العنف في الفضاءات العامة، عكس العنف المنزلي أو الأسري، محط اهتمام لأنه يحدث في العلن على مرأى ومسمع الجمهور"، مشيرة إلى أن "استمتاع النساء بحقهن في ولوج الفضاءات العامة بكل حرية وأمان واطمئنان يحيلنا بالضرورة على مسألة المساواة بين الرجال والنساء سواء بهذه الفضاءات أو غيرها من مجالات العيش".

صعوبة ولوج الفضاءات العامة

وفقاً لنتائج البحث، يبدو أن المرأة ليس دائماً بمقدورها، وفي المدن أكثر من البادية، ولوج الفضاءات العامة (يحصر "الفضاء العام" في "خارج البيت"، وهو بذلك مصطلح يشير إلى أماكن متنوعة مثل الشارع والأسواق والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم والحدائق العامة ووسائل النقل العمومية والمرافق الإدارية التي يمكن أن تلجها المرأة كمرتفقة وليس كعاملة، إلخ)، بكل أمان وطمأنينة والاستمتاع بها على قدم المساواة كالرجال، وذلك بسبب العنف بجميع أشكاله الذي قد يمارس ضدهم بهذه الفضاءات.

وكشف البحث، حسب المذكرة الإخبارية، أن "من أصل 5.7 مليون امرأة بالمدن تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، تعرضت ما يناهز 2.3 مليون امرأة من بينهن، أي ما يعادل 40.6 في المائة، في فضاء عام بمدينتهم لفعل واحد على الأقل يصنف ضمن أفعال العنف، وذلك خلال فترة الإثنى عشر شهرا السابقة للبحث".

عنف أعمى

وحسب شكل العنف، يعد العنف المعنوي (الذي هو كل فعل يهدف إلى السيطرة على المرأة أو عزلها عن محيطها وإذلالها أو جعلها في وضعية غير مريحة) الشكل الأكثر شيوعا حيث أن 1.9 مليون امرأة، أي ما يقرب ثلث (32.1 في المائة) النساء بالمدن، تعرضن مرة واحدة على الأقل لهذا الشكل من العنف. ويحتل العنف البدني، الذي يشمل كل الأفعال التي قد تلحق أضرارا جسدية تؤثر بشكل مباشر على السلامة البدنية للمرأة، الرتبة الثانية حيث بلغ عدد ضحاياه 808 ألف ضحية أو ما يعادل 14.2 في المائة من النساء الحضريات. أما معدل انتشار العنف الخاص بانتهاك الحرية الفردية للمرأة، والذي يتجلى في انتقاد لباس المرأة مثلا مما يجعل المرأة في وضعية غير مريحة تدفعها لاحقا رغما عنها إلى ملاءمة ملابسها مع "متطلبات الشارع" لتفادي مثل هذه الانتقادات، أو العنف الجنسي غير المقرون بانتهاك حرمة جسدها (دون لمس جسد المرأة) بالفضاءات العامة بالمدن فقد بلغا، على التوالي، 4.5 في المائة (427 ألف ضحية) و3.9 في المائة (372 ألف ضحية).

وأشارت المذكرة إلى أن النساء ضحايا العنف بالفضاءات العامة بالمدن تنتمي إلى جميع الفئات العمرية وجميع الفئات المجتمعية. فحسب العمر، يرتفع معدل انتشار العنف ضد النساء بالفضاءات العامة من 25 في المائة تقريبا في صفوف نساء المدن اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 50 و64 و58.3 في المائة بين من هن أصغر سنا (النساء من الفئة العمرية 18 و24). أما حسب شكل العنف، فتبقى دائماً الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و24 سنة الأكثر عرضة له. وهكذا، فإن معدل انتشار العنف النفسي في صفوفهن بلغ 51.1 في المائة، مقابل 18.2 في المائة للعنف البدني و8.8 في المائة للعنف الجنسي. أما بالنسبة للنساء الأكبر سنا (50 و64 سنة)، فإن هذه المعدلات بلغت 15.1 في المائة و11.8 في المائة و1.9 في المائة على التوالي.

وحسب نتائج البحث دائماً، لا يبدو أن الزواج عامل محصن للمرأة ضد العنف في الفضاءات العامة، ولكن يمكن اعتباره على الأكثر "عاملا مخففا". وهكذا، فإن معدل انتشار العنف بلغ لدى هذه الفئة 33.4 في المائة مقابل 46.3 في المائة لدى المطلقات و66.3 في المائة لدى العازبات. في حين يبلغ هذا المعدل 27 في المائة في صفوف الأرامل، على الأرجح بحكم عامل السن.

وتفيد نتائج البحث كذلك أن معدل انتشار العنف بالفضاءات العامة أعلى لدى النساء اللواتي تتوفرن علی مستوى تعلیميعالي مقارنة مع غيرهن. وفي الواقع، كلما ارتفع مستوى تعليم النساء، زاد معدل انتشار العنف في صفوفهن. وتتراوح هذه النسبة بين 29 في المائة لدى النساء الحضريات اللواتي لم يسبق لهن ارتياد المدرسة، و40.6 في المائة في صفوف اللواتي تتوفرن على مستوى التعليم الابتدائي، و57.9 في المائة في صفوف من لديهن مستوى تعليمي عالي.

كما أن معدل انتشار العنف في الفضاءات العامة بالمدن في صفوف العاطلات هو الأعلى مقارنة مع باقي الفئات، إذ يهم امرأتين من أصل كل ثلاثة عاطلات، مقابل امرأة واحدة تقريبا من بين امرأتين (54.5 في المائة) بالنسبة للواتي تتوفرن على عمل و35.6 في المائة في صفوف غير النشيطات (اللواتي لا تعملن ولا تبحثن عن عمل). إلا أن هذا المعدل الأخير يخفي تفاوتات كبيرة بين مختلف فئات غير النشيطات إذ يبلغ حوالي 72 في المائة في صفوف التلميذات والطالبات مقابل ثلث (33 في المائة) ربات البيوت.

العنف والملابس

ورغم أن اللباس يدخل في إطار الحرية الفردية للمرأة، إلا أن نتائج البحث أظهرت أن له ارتباط بمستوى معدل انتشار العنف الذي يتغير حسب طبيعة الملابس التي غالبا ما ترتديها المرأة خارج المنزل. وهكذا يبدو أن النساء اللواتي يرتدين ملابس "عصرية قصيرة" خارج منازلهن هن عرضة للعنف أكثر من غيرهن. ويبلغ معدل انتشار العنف بالفضاءات العمومية بالمدن لدى هذه الفئة 75.5 في المائة مقابل 61 في المائة لدى اللواتي ترتدين غالبا "ملابس طويلة" دون غطاء الرأس وما يقرب من 34 في المائة لدى من ترتدين الجلباب أو ما يعادله من اللباس المحلي.

العنف والإعاقة

ومن الحقائق الأخرى التي كشف عنها البحث أن الإعاقة لا تقي المرأة ذات الاحتياجات الخاصة من التعرض للعنف بالفضاءات العامة. وهكذا، فإن معدل انتشار العنف في الأماكن العامة بالمدن بين النساء السويات (اللواتي لا تعانين من أية إعاقة) لا يزيد إلا بمقدار 6 نقاط مئوية عن مماثله لدى النساء ذوي الاحتياجات الخاصة (40.8 مقابل 34.7 في المائة).

حسب نوعية أفعال العنف التي تتعرض لها النساء بالفضاءات العامة بالمدن يأتي التحرش دون الاعتداء على حرمة جسد المرأة (دون لمس) في المرتبة الأولى بمعدل انتشار 26.7 في المائة. أما في المرتبة الثانية فتأتي أفعال السب والشتم والإهانات ثم سرقة الأغراض الشخصية باستخدام القوة (بمعدل 11.6 في المائة لكل منهما) تليها الاعتداءات الجسدية (الصفع والضرب بمختلف أشكاله وغيرها) بنسبة 1.8 في المائة والاعتداء باستعمال أداة حادة أو مادة خطيرة ثم التهديد بالاعتداء باستعمال أداة حادة أو مادة خطيرة (مادة حمضية مثلا) ب 1.5 في المائة لكل منهما.

من يقترف العنف؟

أظهر البحث ايضا أن غالبية مقترفي العنف في الفضاءات العامة هم شباب لا تتعدى أعمارهم 35 سنة كما أن أغلبية الضحايا هن شابات، وأن أغلب النساء (67.6 في المائة) يتكلمن مع أحد أفراد الأسرة عن حالة العنف التي تعرضن لها في الأماكن العامة. لكن في المقابل أبان البحث أن إبلاغ السلطات المختصة بهذه الحالات يبقى محدودا ولا يتجاوز نسبة 18.8 في المائة من مجموع حالات العنف بالفضاءات العامة بالمدن. وبخصوص الحالات التي تم إبلاغ السلطات بشأنها تأتي الاعتداءات باستعمال أداة حادة أو مادة خطيرة في المرتبة الأولى ب 43.5 في المائة من الحالات، يليها التهديد بالاعتداء باستعمال أداة حادة أو مادة خطيرة (37.7 في المائة) ثم الاعتداءات الجسدية بالصفع والضرب بمختلف أشكاله (23.7 في المائة)، ثم السرقة (22.4 في المائة) وفي الأخير السب والشتم والإهانات (7.4 في المائة).

خلاصات

خلصت المذكرة إلى أن من نتائج البحث الوطني حول انتشار العنف ضد النساء أن "العنف ضد المرأة في الفضاءات العامة بالمدن يهم، بصفة خاصة، الشباب، سواء كضحايا أو كمعتدين، كما أن تقديم شكوى للسلطات المختصة من جانب الضحايا اللواتي تعرضن للعنف بهذه الأماكن يبقى ضعيفا".