عادت منطقة "جرف الصخر" العراقية في جنوب بغداد إلى واجهة الأحداث لتجعلها أكثر سخونة، وتتحول إلى "قنبلة طائفية"، خاصة بعد قرار مجلس محافظة بابل إقامة دعاوى قضائية ضد كل من يطالب بعودة العوائل الإرهابية إليها.

إيلاف من بغداد: أثار هذا الأمر ردود فعل متباينة لدى الكثيرون، ومنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي استغرب القرار الرافض لإعادة نازحي جرف الصخر إلى مناطقهم!، وعلى الرغم من تأكيد رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، أن قرار مجلس المحافظة يعتبر أمرًا مخالفًا للدستور.

مشاكل طائفية
ويرى العديد من العراقيين أن ناحية جرف الصخر (45 كم شمال محافظة بابل) التي تبعد 100 كم جنوب بغداد قد تؤدي إلى مشاكل طائفية جديدة، إن لم يتم التعامل معها بعقلانية وموضوعية وإجراء المصالحة بين سكان الناحية لتأمين عودتهم إلى بيوتهم، حيث لم يتم أي إجراء لإعادة السكان النازحين إلى مساكنهم، على الرغم من مضي ثلاث سنوات على تحرير الناحية من عصابات داعش، بسبب رفض السلطات في محافظة بابل، التي تتبع لها الناحية إداريًا، عودة السكان في الوقت الحالي.

عدّ البعض قرار مجلس المحافظة انتهاكًا للحقوق المدنية، مثلما اعتبر البعض الآخر القرار من أغرب القرارات، في حين تساءل البعض: "هل فعلًا أن الأجهزة الأمنية عاجزة حتى الآن عن معالجة الوضع الأمني في جرف الصخر، وهي التي طردت داعش من الموصل".. مشددين على أن هذا السؤال مثير للشكوك، وكأن المطلوب هو طرد أهالي المنطقة من أجل إجراء التغيير الديموغرافي.&

فيما دعا سكان بابل إلى إجراء المصالحة مع أهالي جرف الصخر، وتأمين عودتهم، لكن الاقتراح الأغرب هو ما اقترحه البعض بأن تكون هذه (الناحية) منطقة منزوعة السكان استنادًا إلى تعذر المجلس فرض الأمن وتأمين السكان. ويرى بعض من سكان الناحية بضرورة ضمها إلى محافظة الأنبار، وقطع كل العلاقات الإدارية وغيرها في محافظة بابل، بسبب ما أسماه بـ (التحشيد الطائفي) في الشارع البابلي، حيث لا يمكن التعايش، ولا يمكن لأي مصالحة أن تحل ما خلفته هذه الظروف. &

وكان مجلس محافظة بابل قد قرر إقامة دعاوى قضائية ضد "كل من يطالب بعودة العوائل الإرهابية إلى ناحية جرف الصخر، بسبب كثرة العمليات الإرهابية"، والدعوى أيضًا ترفع على كل من يتخذ أي إجراء بعودة العوائل النازحة، إلى مناطق سكناها في ناحية جرف النصر، قبل قيام الجهات الأمنية والخدمية بتأهيل تلك المناطق، وجعلها مؤهلة لاستقبال أهلها".

انتهاك صريح للحقوق المدنية
ودان عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب محمد الكربولي قرار مجلس محافظة بابل عن جرف الصخر بمقاضاة المطالبين بعودة المدنيين من أهالي منطقة جرف الصخر المحررة في محافظة بابل.

وقال الكربولي في بيان: إن "قرار مجلس محافظة بابل هو انتهاك صريح للحقوق المدنية للمواطن العراقي، وشرعنة لمشاريع التغيير الديموغرافي المبنية على دوافع طائفية".&

وأعرب عن "استغرابه من توقيت ومسببات إعلان مجلس محافظة بابل لهذا القرار، مع تزايد المطالبات بإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم، علمًا أن غالبية أهالي ناحية جرف الصخر الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين ولم يتعاونوا مع الإرهاب لا تزال تسكن في مناطق مختلفة من مدينة بابل، ومتعايشة مع مجتمعاتها من دون تمييز أو خوف، وهو ما يتقاطع مع إعلان عزم الحكومة التقدم في إنجاز هذا الملف، بالتزامن مع عمليات التحرير المستمرة التي تقودها قواتنا المسلحة، وانشغال القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بها".&

وجدد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مطالبته للقائد العام للقوات المسلحة بـ"تحمّل مسؤولياته لصون حقوق وتأمين عودة كريمة لأهالي جرف الصخر وفقًا للقانون والدستور العراقي النافذ.

5000 شخص مطلوب للقضاء
وكشف رئيس مجلس محافظة بابل، فلاح الخفاجي، عن وجود أوامر قضائية بحق أكثر من 5000 شخصًا من سكان ناحية جرف الصخر ممن تورّطوا في قضايا "إرهابية". وقال إن "هناك أكثر من 5000 شخصًا مطلوبًا للقضاء العراقي وفقًا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب"، مبينًا أن "الكثير من أهالي الناحية تورّطوا في دعم المجاميع الإرهابية قبل تحرير جرف الصخر".

أضاف "نحن مع عودة العوائل، ولكن لابد أن تكون بشروط، وكل من هو مطلوب لدى القضاء العراقي أو تلطخت أيديه بدماء العراقيين إبان احتلال داعش، أعتقد أنه لا يمكن له العودة مطلقًا".

من جانبها أشادت النائبة عن ائتلاف دولة القانون عواطف نعمة بقرار مجلس محافظة بابل برفع دعوى قضائية ضد السياسيين المطالبين بعودة نازحي جرف الصخر، وقالت: "إن منطقة جرف الصخر أكبر قاعدة للإرهاب، وأهلها موالون للرئيس الراحل، صدام حسين، ولذلك لن أسمح بعودتهم إلى ممتلكاتهم".
&
أضافت: إن جرف الصخر عاصمة تنظيم داعش الإرهابي ومقر للإرهابيين ومنبع الإرهاب". وكانت "نعمة" قد وصفت في تصريح سابق منطقة جرف الصخر بأنها تعد أسوأ منطقة في تاريخ العراق.

حقوق الإنسان
أما الأمين العام لمجلس محافظة بابل، عن الحزب الشيوعي العراقي، عقيل الربيعي، فقال: لا توجد إلى الآن أي خطوة عملية لتشخيص العوائل التي تعاونت مع الإرهابيين من دونها، كما لا توجد إلى الآن أي إجراءات من مجلس المحافظة حول متى تتم عودة النازحين، ومتى تبدأ عملية الإعمار؟، وهناك تعتيم لأسباب مجهولة.

وأضاف: هذه القضية تمس حقوق الإنسان، والتي من المفترض أن تتحرك الجهات الخاصة بحقوق الإنسان، إضافة إلى أن الإعلام من المفترض أن يأخذ دوره في الحديث مع الأطراف المعنية من مجلس المحافظة التي صوّتت لمصلحة القرار.

تابع: من المفترض بعد عملية التحرير أن تكون هناك إجراءات سريعة من أجل إعادة تأهيل المنطقة وعودة النازحين الأبرياء إلى مناطق سكناهم وتخصيص مبالغ مالية لجرف النصر من أجل إعادة تأهيلها، وليس صحيحًا أن تكون الظروف المالية حججًا لعرقلة عملية الإعمار، إذ إن مدينة الموصل تجري الآن فيها عملية إعمار، وهناك حديث عن أيام معدودة للانتهاء من تأهيل محطات الكهرباء في أيمن الموصل، وهو ما لم يحصل في جرف النصر. &وختم بالقول: "أعتقد أن القرار الأخير من مجلس المحافظة يصب في تأخير عملية عودة النازحين".

قلق دولي
من جانبها اعربت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق عن قلقها إزاء قرار مجلس محافظة بابل، وقالت البعثة في بيان إن "هذا القرار، إذا لم يلغ، فإنه يمثل محاولة لتخويف السياسيين العراقيين من أداء واجبهم في العمل من أجل تحسين ظروف مواطني البلد، الذين يعيش الآلاف منهم في ظروف قاسية لأشهر عدة، بعيدًا عن ديارهم، وسبل عيشهم، وفي كثير من الحالات أسرهم".&
يذكر أن مجلس محافظة بابل قرر، الاثنين الماضي، رفع دعوى قضائية ضد السياسيين المطالبين بعودة نازحي جرف الصخر في شمال الحلة. فيما أعرب رئيس الوزراء حيدر العبادي عن استغرابه إزاء قرار مجلس محافظة بابل. وأضاف البيان، إن "القدرة على العودة إلى منزل الشخص هو حق أساسي يجب احترامه".

ودعا البيان "مجلس المحافظة إلى إعادة النظر في هذا القرار، ومساعدة هؤلاء السياسيين والأحزاب السياسية وغيرهم من المواطنين، الذين يعملون على تحقيق هدف عودة الأشخاص إلى ديارهم وحكومة العراق في جهودها الرامية إلى إعادة بناء البلد".&

منزوعة السكان &
إلى ذلك استغرب مدير تحرير جريدة المدى علي حسين، ما يطالب به البعض لتكون المنطقة منزوعة السلاح، وقال: منذ يوم أمس قرأت وتابعت تعليقات وكتابات تكشف عن المستوى الذي وصلنا إليه، حيث خرج علينا من يسخر ويشمت من نساء وأطفال جرف الصخر، ويطالب بإعدامهم جميعًا، لماذا ياسيد؟. يجيبك فايسبوكي: "لأن صدام زرعهم وسط مناطق شيعية".&

فيما آخر طالب بأن يذوق أطفال ونساء هذه المنطقة العذاب وبئس المصير، بل ذهب البعض إلى أسوأ من صور الشتيمة والسخرية والتشفي، بأن دعا الجهات الأمنية بدلًا من أن تحفظ الأمن وتحمي الناس، أن تجعل من جرف الصخر منطقة منزوعة السكان.&

وأضاف: رجاءً وأنتم تكتبون عن مناطق منزوعة السكان، أتمنى عليكم أن تعرفوا أنكم لست وحدكم في هذا البلد، لا أنتم ولا مَن يشبهونكم، هذا وطن من يؤمنون به، بتنوعه وتعدده، والمواطنة فيه ليست مِنَحًا توزَّع حسب صولات معارك المصير، هذا وطن سيحتضِر لو أُلغي فيه حق الآخر، أو قُهر فيه البعض لمصلحة القطيع الطائفي، خراب البلدان ليس في الحرب التي تقتل البشر، بل في الحروب التي تقتل المشاعر، وتحجب الأمل، ليتحوّل الوطن إلى مناطق منزوعة السكان.

وكانت بلدة جرف الصخر التي غيّر اسمها إلى (جرف النصر) قد أُخليت من سكانها، البالغ عددهم 120 ألف نسمة، غالبيتهم من العرب السنة، ولم تتبق فيها سوى القوات العراقية، التي ترفض عودة الأهالي إلى البلدة منذ استعادتها من تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش في أواخر أكتوبر 2014.

وهناك أكثر من 100 ألف مواطن من أهالي جرف الصخر ما زالوا نازحين في المخيمات في مدينة الحلة مركز محافظة بابل ومدن آخرى.. فيما تنتمي غالبية أعضاء مجلس محافظة بابل، البالغ عددها 30 عضوًا، إلى أحزاب دينية شيعية.

وتكتسب ناحية جرف الصخر في شمال محافظة بابل العراقية أهمية استراتيجية بالغة، نظرًا إلى طبيعتها الجغرافية الصعبة وموقعها المهم الذي يربط بين المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية.


&