«إيلاف» من الرباط: مع قرب حلول عيد الأضحى، تعيش معظم الأسر المغربية على وقع وضع مادي متأزم بسبب كثرة المصاريف التي تفرضها هذه المناسبة الدينية، خاصة أنها تتزامن هذه السنة مع بداية الدخول المدرسي، وهو ما يشكل تحديا كبيرا بالنسبة لذوي الدخل الضعيف والمتوسط، ممن يجدون أنفسهم مضطرين لاقتناء أضحية العيد ، وتوفير مستلزمات المدرسة من رسوم تسجيل، مقررات دراسية وملابس جديدة للأبناء.

لا يقتصر"العيد الكبير" أو عيد الأضحى بالمغرب على كونه مناسبة دينية، بل يمثل احتفالية ذات بعد اجتماعي و إنساني تجمع مختلف أفراد العائلة الواحدة، خاصة الأطفال الذين يحسون بالبهجة والغبطة بحلوله.

العيد فرحة للأطفال

يعتبر مجيد، 45 سنة، يعمل بالنجارة، أن اقتناء أضاحي العيد يعد ضرورة ملحة لدى جل الأسر المغربية حتى وإن كانت تمر بأزمات أو ضائقات مالية، فهو فرصة لإدخال الفرح على قلوب الصغار، لكونهم الفئة الأكثر اهتمامًا بتفاصيله. يشعر هذا العامل البسيط بسعادة غامرة حينما يشاهد أبناءه الثلاثة وهم يلاعبون الخروف ويحرصون على تقديم العلف والماء له بشكل يومي قبيل يوم العيد، فضلاً عن دعوة أبناء جيرانهم وأصدقائهم لرؤيته وتبادل الزيارات في ما بينهم لرؤية بقية الأضاحي.

ويضيف مجيد قائلا" مسألة غلاء الأسعار وتوالي الاحتياجات ليست بالشيء المستجد علينا، فمن الطبيعي لأي زوج وأب ومسؤول عن أسرة أن يكون على دراية بالمسؤوليات التي تناط به، وعليه توفيرها قدر المستطاع، وتوالي المناسبات الدينية و تزامنها مع مواسم أخرى أضحى مألوفاً خلال السنوات الأخيرة، حيث تزامن الدخول المدرسي مع شهر رمضان ثم مع عيد الفطر، ثم لاحقا مع عيد الأضحى، علما أن اقتناء أضحية العيد لم يعد سهلا كما كان عليه الحال في الماضي، حيث كان يكفي مبلغ 1000 درهم (100 دولار)لشراء كبش مناسب، أما حاليا، فالغلاء أضحى منتشرًا في كل مكان، في ظل وجود مضاربين يستغلون مناسبات مماثلة للضغط على المواطن البسيط في غياب آليات رقابية".

الأسواق الخاصة ببيع الأضاحي

مناسبات متوالية

مما زاد من عبء التكاليف الخاصة بالعيد كونه جاء مباشرة بعد انقضاء العطلة الصيفية، والتي بدورها تتطلب مصاريف إضافية، تهم السفر والاستجمام بعد سنة كاملة من العمل بالنسبة للآباء ، والدراسة بالنسبة للابناء مما يفاقم من قلق و سخط الأسر جراء هذا الوضع القائم، والذي لا يجدون منه مفرا سوى بمجاراته ولو على حساب أنفسهم.

ما يحز في نفس فاطمة، بائعة فطائر بالمدينة القديمة لسلا هو ما قد يشعر به المرء من عجز أمام تفاقم الاحتياجات والأسعار الملتهبة التي تجعله في ورطة كبيرة، خاصة في ظل وجود أبناء وانعدام مورد قار للعيش يضمن لهم حياة كريمة. تعتبر هذه السيدة الثلاثينية نفسها محظوظة نسبيًا، لكونها تعيش دون مشاكل رفقة ابنها الوحيد، وهي التي تعمل جاهدة من أجل إسعاده لكي لا يشعر بنقص مقارنة مع بقية الأطفال.

وتضيف فاطمة قائلة"حينما يقترب عيد الأضحى أحرص على السفر للبادية، حيث تقطن والدتي وعدد من أشقائي من أجل قضاء العيد وصلة الرحم معهم، أتكفل بمصاريف تمدرس ابني بعد وفاة زوجي، حيث أقتني له الأدوات والدفاتر ومختلف الحاجيات التي تلزمه من المكتبة، لاسيما المقررات الدراسية المستعملة بالنظر لغلائها".

تستهجن المتحدثة قيام بعض الأمهات ببيع ما لديهن من مجوهرات، و أوانٍ و أفرشة منزلية من أجل توفير ثمن أضحية العيد، ليتحول من مناسبة دينية إلى ضرورة مجتمعية، يفرض البعض من خلالها قيودًا على نفسه ويتحمل فوق طاقته، في مخالفة واضحة لتعاليم الدين الإسلامي الذي ينص على اليسر.

وتقول فاطمة "المشكل يكمن في عقلية أفراد يحولون المناسبة من فرصة للبهجة ولم شمل العائلة إلى نوع من الضغط النفسي، بإقدامهم على بيع مقتنياتهم أو الاتجاه نحو الاقتراض، ليجدوا أنفسهم في دوامة لا تنتهي من المشاكل والأزمات المتواترة".

مظاهر غائبة

يرى عبد القادر، موظف في القطاع العام أن عيد الأضحى فقد طعمه خلال السنوات الأخيرة وغابت العديد من المظاهر التي كانت تؤشر على قرب حلوله، مما جعل الاحتفال به يفتر تدريجيًا خاصة في أوساط محدودي الدخل، والذين يعانون بشكل مستمر من موجات الغلاء التي ترافق مختلف المناسبات الدينية في المغرب.

ويوضح قائلا" التحضيرات والاستعدادات تسبق عيد الأضحى بفترة ليست بالهينة، حيث كان الإقبال واضحًا على سوق المواشي من طرف المواطنين الذين يرغبون باقتناء الأضحية بأسعار مقبولة ومناسبة للجميع، كل حسب قدرته الشرائية. أصحاب الدكاكين يغيرون من مهنهم بشكل موسمي، حيث يقومون بشحذ السكاكين وبيع مختلف الحاجيات والأساسيات التي تصاحب هذه المناسبة، في حين يعمل بعض أبناء الحي بشكل مبكر على توفير العلف قصد بيعه للسكان، حاليًا تغيرت بعض المظاهر في ظل أزمات مالية خانقة يصعب معها اقتناء كبش قد يصل سعره إلى 6000 درهم (600 دولار)، فضلاً عما يصاحبه من مصاريف إضافية تهم الأواني والتوابل والمنتجات الغذائية. فعلى بعد أيام قليلة من حلول العيد الكبير، لا شيء يوحي على الإطلاق بقدومه".

تلاميذ يستعدون لاستئناف الدراسة

دخول مدرسي وأضحية بالتقسيط

كحل للخروج من الأزمة الحاصلة بالنظر لثقل المصاريف وارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، في ظل الثالوث المرعب"العطلة الصيفية،عيد الأضحى والدخول المدرسي"، تلجأ أسر مغربية عديدة للمؤسسات البنكية بغية الحصول على قروض استهلاكية.

و أشار تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (هيئة رسمية مكلّفة الإحصاء ) أن31,3 في المئة من الأسر المغربية لجأت إلى الاستدانة السنة الماضية بهدف الاستجابة للنفقات الأساسية، في حين استطاعت 60,4 في المئة من الأسر من تغطية نفقاتها بدخلها، ولا تتجاوز نسبة الأسر التي تتمكن من ادخار جزء من دخلها 8,3 في المئة.

ويقول حسن مويلح، باحث في علم الاجتماع الأسري في تصريح لـ"إيلاف المغرب" :" إذا كانت الطقوس الدينية كما يعرفها ميرسيا الياد ترمز إلى مجموع( التعاليم الدينية التي تعمل على إدخال تعديل جذري على الوضع الديني والاجتماعي للإنسان المتدين)، فإن عيد الأضحى تصاحبه طقوس تعكس النمط الثقافي والاجتماعي والديني والاقتصادي لأفراد المجتمع المغربي بشكل عام والفئات الهشة وذات الدخل المحدود بشكل خاص، خصوصًا أن هذه المناسبة تزامنت هذه السنة مع الدخول المدرسي وما يتطلبه من مصاريف ليس بإمكان جميع الأسر توفيرها، الأمر الذي تستغله المؤسسات البنكية والقروض بهدف إغراء الأسر المغربية عن طريق تبسيط المساطير( الإجراءات) ، وعرض الملصقات والوصلات الاشهارية بصيغ جذابة ومثيرة ومؤثرة".

وعن تفسيره لدواعي لجوء الأسر الفقيرة والمعوزة إلى القروض البنكية من أجل شراء أضحية العيد، يضيف مويلح قائلا" الأمر يعكس بوضوح المنظومة الثقافية للمغاربة المفعمة بالرموز الدينية والتدينية والطقوس القدسية التي تمارس قوة استثنائية على المغاربة تهزم في كثير من الأحيان قوة المنطق وبديهيات العقل، كما أن لجوءهم الى المؤسسات البنكية من أجل تغطية مصاريف التمدرس لأبنائهم يسائل الدولة الاجتماعية بالمغرب عن مجانية التعليم من جهة، ويكتنز في عمقه التغيّر الاجتماعي والروابط الاسرية التي كانت مبنية بالأساس على قيم التضامن والتعاون والمساعدة والمقايضة والسلف من دون فائدة، إننا حقًا إزاء مجتمع تتراجع فيه قيم الجماعة والنظم الاجتماعية وبروز الفرد والفردانية".