إيلاف - متابعة: طفت أزمة أقلية الروهينغا المسلمة في بورما من جديد على سطح الأحداث الدولية، وصارت عنوانًا رئيسًا في نشرات الأخبار، بعد أن كثفت السلطات العسكرية من قمعها ضدّ هذه الاقلية.

وأعلنت الامم المتحدة الثلاثاء ان 123 الفًا و600 شخص معظمهم من الروهينغا المسلمين هربوا من اعمال العنف في بورما لكي يلجأوا الى بنغلادش.

وبلغ عدد اللاجئين هذه الذروة في الساعات الـ24 الاخيرة مع عبور 37 الف لاجئ الحدود في يوم واحد.

وتحولت ولاية راخين الفقيرة في بورما التي تقع عند الحدود مع بنغلادش الى بؤرة للاضطرابات الدينية بين مسلمين وبوذيين على مدى سنوات.

واضطرت اقلية الروهينغا للعيش في ظل قيود تطال حرية التحرك والجنسية وتشبه نظام الفصل العنصري. 

واعمال العنف الاخيرة التي اندلعت في اكتوبر، بعد ان هاجمت مجموعة صغيرة من الروهينغا عددًا من المراكز الحدودية، هي الأسوأ التي تشهدها الولاية منذ سنوات.

وتشتبه الامم المتحدة في أن الجيش البورمي ارتكب انتهاكات ترقى الى جرائم ضد الانسانية خلال تصديه للهجمات التي استهدفته.

ميانمار، والتي تعرف أيضًا باسم بورما، اسمها الرسمي جمهورية اتحاد ميانمار وخضعت لفترة طويلة للحكم العسكري القمعي الذي امتد بين عامي 1962 و2011.

وقام الجنرالات الذين أداروا البلاد في ذلك الوقت بقمع جميع المعارضين، وعلى رأسهم زعيمة المعارضة حينئذ أونج سان سوكي، ليواجهوا إدانات دولية، واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وعقوبات اقتصادية.

من "العسكري" إلى "المدنيّ"

نقل الحكم العسكري في ميانمار العاصمة عام 2005 من مدينة رانغون إلى موقع غير مأهول وقتها حمل اسم نايبييداو.

وتتميز العاصمة الجديدة بموقع استراتيجي وسط البلاد، ولكن البعض في ميانمار يعتقد أن الجيش فعل ذلك بعد تحذير أحد المنجمين بوقوع هجوم عسكري أجنبي.

منذ 2010 بدأت عملية تحول تدريجي في البلاد عندما وافق الجيش على تسليم السلطة لحكومة، يرأسها الجنرال الإصلاحي ثين سين، وتوج هذا التحرك في عام 2015 بتولي حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" الذي تتزعمه سوكي السلطة.

وأدى تين كياو اليمين الدستورية رئيسًا للبلاد منذ مارس عام 2016 ليقود أول حكومة منتخبة ديموقراطيًا بعد عقود من الحكم العسكري.

وتم حرمان سوكي دستوريًا من خوض انتخابات الرئاسة، فأوضحت بجلاء أن أياً كان الذي سيتولى المنصب سيكون ذراعها، ونفت الاتهامات الموجهة لها بدعم عمليات الجيش في الإبادة العرقية ضد أقلية الروهينغا.

وسيذكر التاريخ أن تين كياو كان أول رئيس مدني منتخب لميانمار، وأول رئيس لحكومتها المنتخبة ديموقراطياً. ورغم ذلك مازال للجيش سلطة يعتد بها على الحكومة والبرلمان.

العالم يدين

وجهت دول اسلامية آسيوية انتقادات حادة لبورما ورئيسة حكومتها اونغ سان سو تشي الاثنين على خلفية المعاناة التي تعيشها اقلية الروهينغا، بالتزامن مع اعلان الامم المتحدة لجوء عشرات الآلاف منهم الى بنغلادش.

ولجأ أكثر من 120 ألفاً من الروهينغا الى بنغلادش في الايام العشرة الاخيرة، في حين ينتظر نحو 20 الفاً آخرين العبور بعد اشتداد المعارك بين متمردين والقوات العسكرية البورمية في ولاية راخين غرب البلاد التي تشهد صراعًا داميًا. 

وتحولت ولاية راخين الفقيرة التي تقع عند الحدود مع بنغلادش الى بؤرة للاضطرابات الطائفية بين مسلمين وبوذيين على مدى سنوات، مع اضطرار اقلية الروهينغا للعيش في ظل قيود تطال حرية التحرك والجنسية أشبه بنظام الفصل العنصري.

وتشكل اعمال العنف الاخيرة التي انطلقت في اكتوبر بعد ان هاجمت مجموعة صغيرة من الروهينغا عددًا من المراكز الحدودية اسوأ الموجات التي شهدتها الولاية منذ سنوات. وتشتبه الامم المتحدة في ان الجيش البورمي قد يكون ارتكب انتهاكات ترقى الى جرائم ضد الانسانية خلال تصديه للهجمات التي استهدفته.

وتتعرض زعيمة بورما ورئيسة الوزراء اونغ سان سو تشي، التي سبق وان عاشت معاناة السجن والاقامة الجبرية في عهد المجلس العسكري الذي كان يحكم بورما سابقًا، الى انتقادات متزايدة بسبب امتناعها عن إدانة طريقة التعامل مع الروهينغا أو انتقاد الجيش.

ولم تدلِ سو تشي التي منحت جائزة نوبل للسلام في 1991، بأي تصريح منذ اندلاع المواجهات الأخيرة قبل عشرة أيام.

وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اتهم بورما الاسبوع الماضي بارتكاب "ابادة" بحق الروهينغا.

وقال الرئيس التركي الاثنين: "للأسف لقد تم ارتكاب مجازر كبيرة في بورما. بقيت الانسانية صامتة..."

واضاف اردوغان ان منظمات الاغاثة التركية تقدم المساعدة، وانه سيطرح هذه القضية في الجمعية العامة للامم المتحدة التي ستنعقد في سبتمبر الجاري. 

جيران مسلمون غاضبون

وتهدد الازمة العلاقات الدبلوماسية لبورما ولا سيما مع الدول ذات الاكثرية المسلمة في جنوب شرق آسيا، حيث يتصاعد الغضب الشعبي ازاء المعاملة التي تلقاها أقلية الروهينغا.

واعلنت جزر المالديف الاثنين قطع علاقاتها التجارية مع بورما "الى ان تتخذ حكومة بورما اجراءات تردع الاعمال الوحشية التي ترتكب ضد الروهينغا المسلمين"، بحسب بيان لوزارة الخارجية.

ولم يوضح البيان حجم التبادل التجاري بين البلدين الا ان هذا التحرك قد يدفع دولاً أخرى لتحذو حذوه.

وسعى وزير خارجية اندونيسيا ريتنو مرصودي الاثنين لدى لقائه قائد الجيش البورمي الجنرال مين اونغ هلينغ في نايبيداو للضغط على الحكومة البورمية من اجل ضبط هذه الأزمة.

وقال الرئيس الاندونيسي جوكو ويدودو الاحد لدى اعلانه عن المهمة التي يقوم بها وزير خارجية البلاد، "مرة جديدة يجب ان يتوقف العنف وهذه الازمة الانسانية فورًا".

واعلنت الشرطة الاندونيسية أن السفارة البورمية استُهدفت بقنبلة حارقة صباح الأحد في جاكرتا، حيث افشلت الشرطة سابقاً محاولتين لتفخيخ المبنى من قبل اسلاميين متشددين.

وصباح الاثنين، تظاهر العشرات امام مقر السفارة، حيث انتشرت الشرطة المسلحة، وتم تثبيت السياج الشائك في محيط المقر.

واعلنت وزارة الخارجية الباكستانية عن "قلقها البالغ حيال تقارير تفيد بارتفاع عدد القتلى والمهجرين قسرًا من الروهينغا المسلمين".

وطالبت الوزارة بورما بفتح تحقيق بشأن تقارير حول ممارسة اعمال وحشية ضد اقلية الروهينغا.

وفي تونس، اعلن رئيس حركة النهضة الاسلامية راشد الغنوشي الاثنين اثر لقائه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي انه استعرض مع الرئيس أوضاع المسلمين في بورما و"أهميّة تحسيس المجتمع الدولي بضرورة وضع حد لمعاناتهم".

وفي تغريدة له على تويتر، انتقد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف "الصمت الدولي حيال العنف المستمر ضد الروهينغا المسلمين" وقال إن "التدخل الدولي ضروري من اجل تفادي المزيد من التطهير الاثني، على الامم المتحدة ان تتحرك".

وفي ماليزيا، تشهد البلاد ذات الغالبية المسلمة تظاهرات منذ انطلاق الجولة الاخيرة من اعمال العنف في بورما.

وقال رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق "ندعو الى الهدوء وضبط النفس". واضاف الرئيس "يجب انهاء الاوضاع المزرية التي يواجهها اخوتنا واخواتنا الروهينغا من اجل مصلحة بورما والمنطقة".

بدوره، تساءل وزير الخارجية الماليزي حنيفة أمان عن سبب صمت سان سو تشي قائلاً لفرانس برس "بصراحة انا مستاء من اونغ سان سو تشي. (في السابق) دافعت عن مبادئ حقوق الانسان. الآن يبدو انها لا تحرك ساكنًا".

كما ألغت قرغيزستان ذات الغالبية المسلمة الاثنين مباراة كانت مقررة الثلاثاء في اطار تصفيات كأس آسيا لكرة القدم مع بورما، تخوفاً من "عمل ارهابي محتمل" وسط قلق متزايد بشأن أقلية الروهينغا.

وفي الشيشان، تجمع آلاف المتظاهرين الاثنين في العاصمة غروزني بدعوة من رئيس الجمهورية الروسية في القوقاز رمضان قديروف، للاحتجاج على اضطهاد اقلية الروهينغا.

وصرحت الناشطة الباكستانية والحائزة على نوبل السلام ملالا يوسفزاي والتي افلتت من الموت بعد ان اطلق طالبان النار عليها ومعاناتها من اصابة بالرصاص في الرأس، "قلبي ينفطر كلما شاهدت الاخبار، قلبي ينفطر ازاء معاناة الروهينغا المسلمين في بورما".

واضافت ملالا يوسفزاي "في السنوات الأخيرة كررت إدانتي لهذه المعاملة المأساوية والمخزية (للروهينغا). ما زالت أنتظر من زميلتي اونغ سان سو تشي فعل المثل".

واعلنت شبكة البي بي سي الاثنين عن وقف خدمتها باللغة البورمية للتلفزيون البورمي منددة بفرض "رقابة" عليها في بلد يشكل فيه التطرق خصوصا الى أقلية الروهينغا المسلمة من المحظورات.

ولطالما حذر محللون من أن طريقة تعامل بورما مع الروهينغا ستؤدي الى تمرد في داخل البلاد، وقد تدفعهم للتطرف والاستعانة بمنظمات خارجية.

ومنذ اندلاع المعارك الاخيرة، دعا تنظيم القاعدة في اليمن الى تنفيذ هجمات انتقامية ضد بورما، فيما دعت حركة طالبان افغانستان المسلمين الى "استخدام امكانياتهم لمساعدة المسلمين المضطهدين في بورما".

ويقول المدافعون عن سان سو تشي إن قدرتها محدودة في السيطرة على الجيش البورمي الذي، بحسب الدستور الذي وضعه المجلس العسكري، لا يخضع عمليًا الى أي رقابة مدنية.

وتعتبر بورما الروهينغا مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش وترفض منحهم الجنسية رغم استقرارهم في هذا البلد منذ أجيال، ما يجعل التضامن معهم عملية لا تلقى أي شعبية في الداخل.

في المقابل، يرى منتقدو سان سو تشي، التي تتمتع بشعبية وسلطة اخلاقية، انها تسبح عكس التيار في هذه القضية.