إيلاف من نيويورك: بعد أكثر من سبعة أشهر على توليه حكم البلاد، يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب يقسم تأثير القوى العاملة في إدارته، بحيث لا يمكن لفريق أن يفرض سطوته على الفريق الآخر.

ولأن الناخب الأميركي لا يعير اهتماما للسياسة الخارجية بقدر الداخلية، فإن ترمب يعمل على تنفيذ الشعارات المتعلقة بالأخيرة وفق رؤية التيار الشعبوي القومي، وبذلك يتمكن من الحفاظ على رضى قاعدته الصلبة التي صبّت أصواتها لمصلحته في الانتخابات الماضية.

السياسة الخارجية 

التساؤلات الكبيرة تدور حول المعسكر الذي يقف خلف السياسات الخارجية لترمب منذ الحملة الانتخابية مرورا بالمرحلة الانتقالية، ووصولا إلى البيت الأبيض وتسلم الحكم رسميا، وبظل محاولة معارضي الإدارة تبسيط الشعارات الانتخابية للرئيس وتغريداته، يبقى السؤال المهم، من أين تأتي الأفكار المتعلقة بالسياسة الخارجية، ومن هو الأكثر تأثيرا في التعبير عن جدول أعمال ترمب؟

جاريد وترمب

وفي حين يعتبر الكثير من المراقبين أن الرئيس ترمب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر يتخذان القرارات النهائية، تشير المعطيات إلى ان الرجلين يستمعان إلى ثلاث مدارس في البيت الأبيض، كما استمعوا من قبل إلى مستشاري الحملة ابان الموسم الانتخابي.

ثلاث مدارس

واستنادًا إلى تصريحات ترمب كمرشح للحزب الجمهوري، ثم تصريحاته وتغريداته كرئيس، يمكن ملاحظة وجود ثلاث مدارس هي: مدرسة التأثير العسكري والاقتصادي، ومدرسة النفوذ الشعبوية والقومية، ومدرسة المحافظين الجدد وتأثيرها.

مدرسة الاقتصاد والعسكر

ومن الواضح أن ثلاثة من كبار المسؤولين يقودون عمليا جدول أعمال السياسة الخارجية لترمب، وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي الجنرال هيربرت ماكماستر، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، وبعد مع استقالة المستشار الامن القومي السابق مايكل فلين، حدث تغيير هائل في الإدارة، ففي غضون أسابيع، أخرج ماكماستر طاقم فلين وأفكاره أيضا، واختفت المفاهيم التي كانت تستخدم كـ"الإسلام الراديكالي" والصراع مع إيران واستبدلت بخطط تكتيكية. النهج البراغماتي الجديد لا يتبنى أي عقيدة ويشبه الوضع الذي كان قائما مع إدارتي أوباما وبوش من قبل. 

ويرى بعض المراقبين أن الرئيس ترمب أكثر راحة في "معاملات السياسة الخارجية" حيث لا توجد سياسات طويلة الأمد ولا التزام بأي عقيدة معينة. والسؤال المطروح من الذي يقدم المشورة للرجال الثلاثة؟

القوميون الشعبويون

المدرسة الثانية تضم القوميين الشعبويين في صفوفها، والتي وصفتها المعارضة بأنها تنتهج اليمين المتطرف، ويشكل ستيف بانون رأس حربتها، إلى جانب ستيفن ميلر وسيباستيان غوركا، هذه المدرسة تعارض بشكل كبير المدرسة العسكرية المالية، وقبل خروج أركانها من البيت الابيض حاولوا الدفع نحو مناهج ثابتة، كبناء الجدار مع المكسيك، واجراء فحوصات مشددة للقادمين الى البلاد، ومحاربة ما يسمونه "الإسلام الراديكالي". ولكن مع استقالة بانون وجوركا، وانخفاض تأثير ميلر الذي يطالب الديمقراطيون والمعارضون بطرده، فإن نفوذهم وصل إلى الحد الأدنى في الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

وجدير بالذكر أن هذه المدرسة وفي عز قوتها في البيت الأبيض لم تنجح بالتأثير على الرئيس في الملفات المتعلقة بالخارج، فيوم اتخذ ترمب قراره بضرب قاعدة الشعيرات في حمص، حاول بانون ثنيه عن القيام بذلك، ووصل به الامر حد المطالبة بتأجيلها، ولكنه فشل، وكذلك تفوق الجنرالات على اقطاب الشعبويين في الملفات المتعلقة بأفغانستان وكوريا الشمالية.

المحافظون الجدد

المدرسة الثالثة، تشمل مؤيدي ترمب من المحافظين الجدد الذين يدعون إلى اتباع سياسة خارجية تقليدية تقوم على أساس القوة والحرية، ويشكل رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، وعمدة نيويورك السابق رودي جويلياني، والسفير السابق جون بولتون، ابرز أركانها. 

هؤلاء يطالبون بمكافحة الايديولوجيات الراديكالية، والحفاظ على التفوق العسكري الاميركي، ووقف التمدد الايراني، وعلى الرغم من ان شعاراتهم موجودة في جدول اعمال الادارة، غير ان الثلاثة لم يتسلموا أي منصب رسمي. هذه المدرسة تتمثل اليوم بالادارة عبر سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هالي التي تبدي معارضة قوية لإيران والسياسات العدائية التي تتبعها، والارتباط مع روسيا. هالي تستخدم الأمم المتحدة كمكبر للصوت لسياسة ترمب الخارجية، وهذا ما جعلها واحدة من الشخصيات الأميركية الرئيسة في العلاقات الدولية.

تركوا أثرًا

كما ان مستشاري الحملة الانتخابية الذين عملوا بشكل مكثف في 2016، تركوا أثرا في أفكار الإدارة الحالية، مثل مستشاره لشؤون الشرق الأوسط، د.وليد فارس (لم ينضم إلى الإدارة حتى الآن)، والذي كان يحث على ضرورة تشكيل تحالف عربي وإقامة مناطق آمنة في سوريا وحماية الأقليات في المنطقة.

إدارة متغيرة

كما ساهم العديد من اللاعبين الآخرين في ابتكار وتطوير أفكار السياسة الخارجية للرئيس ترمب وأفكار الأمن القومي، بما في ذلك شخصيات عسكرية واستخباراتية السابقة، وفي الوقت الحالي فإن صانعي السياسات الرئيسين هم الشخصيات الأكثر براغماتية وليس منتجي الأفكار الذين قسم منهم ترك الإدارة والقسم الاخر لم ينضم اليها، وبظل التطورات الحالية فإنه من غير الممكن التكهن بشكل الإدارة الأميركية في الأشهر القادمة بظل ما حدث طوال الأشهر والاسابيع الماضية.