الطبقة: بعدما تركت كل شيء خلفها، وجدت مئات العائلات الفارة من مدينة الرقة السورية، في المنازل المتصدعة والمدمّرة جزئياً داخل مدينة الطبقة الملاذ الوحيد رغم افتقادها إلى الخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وتهديد خطر الألغام.

ودفعت المعارك التي تدور منذ ثلاثة أشهر بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة الاسلامية داخل مدينة الرقة، معقله في سوريا، عشرات الآلاف من المدنيين الى الفرار. ووصل الآلاف منهم الى مدينة الطبقة الواقعة على على بعد اكثر من خمسين كيلومترا غرب الرقة.

ينهمك أنور الخلف (45 عاماً)، في رفع الركام من داخل غرف وحمام شقة في مدينة الطبقة، التي تشهد أبنيتها وشوارعها على ضراوة معارك انتهت في مايو بعد تمكن قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن من طرد مقاتلي التنظيم المتطرف منها.

ويقول الرجل الذي كان عاملاً حراً وهو أب لخمسة أطفال لوكالة فرانس برس "لولا الحاجة لما كنا هنا ولا قمنا بتنظيف هذا المكان، لكن لا مكان آخر لدينا".

ونزح أنور مع عائلته قبل أربعة اشهر من مدينة الرقة مع اقتراب المعارك منها اثر تقدم قوات سوريا الديمقراطية على حساب الجهاديين. وأمضى هذه الفترة متنقلاً بين المخيمات والنوم في العراء قبل تمكنه من الوصول الى الطبقة هذا الأسبوع.

ورغم وجود عشرات المخيمات المخصصة لايواء الهاربين من مدينة الرقة في مناطق عدة في شمال وشمال شرق سوريا، لكن منظمات دولية تصف ظروف العيش فيها بـ"الفظيعة".

وفي العديد منها، لا يحظى الوافدون الجدد بخيم او فرش للنوم، كما أن الحصول على المياه والمواد الغذائية ليس متاحاً دائماً.

يطل انور من نافذة الشقة على ابنية مدمرة جزئية او تصدّعت طوابقها في المدينة الواقعة على ضفاف الفرات. ويقول والغبار يغطي وجهه "اذا اتى صاحب المنزل، لا اعرف ماذا سأفعل. سنكون مجبورين على أن نخرج أنا وأولادي الى الشارع".

وتؤوي المدينة وفق ما يوضح احد المسؤولين المحليين هادي الظاهر لفرانس برس "١١٦٠ عائلة نازحة" يقول انها "لم تتلق اي نوع من انواع الدعم باستثناء عدد قليل جداً منها مع غياب للمنظمات الاغاثية".

ويتحدث عن افتقاد "مقومات الحياة الأساسية من مياه وطعام وفرش نوم وعناية طبية في وقت لا نجد تجاوباً من المنظمات".

ويخشى المسؤولون المحليون من تفاقم الوضع سوءاً مع ازدياد عدد الوافدين بشكل يومي من مناطق القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية في الرقة وكذلك في مدينة دير الزور (شرق).

- "كل شيء مدمر" - 

في أحد الشوارع، تعمل نساء على نقل أوعية محمّلة بالمياه من اطراف الحي في وقت يبحث أطفال بين الركام عن قطع حديدية يلهون بها. ويتأرجح احدهم على حبل معلق قرب شجرة.

ومن على نوافذ ابنية متصدعة جزئياً، تطل نساء وفتيات يراقبن حركة المارة في الشارع وبالقرب منهن مبنى سويّ بالارض.

ونتيجة الدمار الجزئي اللاحق بالابنية التي يقطنها النازحون، كادت سيدة تبلغ من العمر 75 عاماً أن تفقد حياتها.

ويروي ابنها الاربعيني فرج النازح من الرقة وقربه بقع دماء على الارض "نزلت على الدرج من الطابق الثاني لتذهب الى المرحاض فوقعت هنا".

ويشير بيده الى صفيحة حديدية وضعت مكان حائط الدرج الذي تهدم ويقول "لولا هذه القطعة من التوتياء لكانت سقطت على الارض. هذه دمائها المنتشرة وهي الان في حالة يرثى لها".

يسير فرج بين الانقاض مرتدياً صندلاً بلاستيكياً. واليأس واضح عليه "والله متعبون للغاية، جئنا الى هنا باعتبار ان المياه متوفرة، جئنا وندمنا على ذلك، لأن كل شيء هنا خراب".

ويخشى فرج من أنه "في أي لحظة سينهار علينا السقف ولدي أطفال صغار".

ورغم وضع الشقة التعيس، اضطر فرج الى دفع بدل ايجار لمالك المنزل الذي يقطن في مكان قرب. ويقول بانفعال "لا نملك شيئاً ويريد منا صاحب المنزل ٢٥ الف ليرة (50 دولارا اميركيا) كبدل ايجار لهذه الخرابة".

ويضيف "الناس ينامون في الشوارع وتتصارع على هذه الخرابات".

- "لا مكان آخر" - 

على غرار فرج، تدفع هبة مبلغ مئة دولار شهرياً بدل ايجار شقة لم تسلم من المعارك، تقيم فيها مع زوجها طريح الفراش جراء جلطات دم شديدة اصيب بها جعلته يعاني من صعوبة في التنفس وفقدان للوعي في معظم الاحيان.

ونزحت السيدة الخمسينية من مدينة الرقة قبل شهرين ونصف الشهر بعد نفاذ الطعام والمياه وخلو المستشفى الحكومي حيث كان يعالج زوجها من الاطباء.

وتوضح "هربنا من الرقة عبر النهر وحملنا زوجي على السرير النقال. اخرجناه بصعوبة تحت القصف".

وينام زوجها الضعيف البنية على سرير من دون أن يقوى على الحركة. ويتنفس من خلال قناع وأنابيب موصولة بأجهزة تساعده على التنفس.

وتتابع الزوجة بحزن "الحياة هنا صعبة للغاية ولا مكان آخر نذهب اليه... أوضاعنا تعيسة جداً ولا أحد يساعدنا لمعالجة زوجي" الذي "تحتاج أجهزته الى الكهرباء بشكل دائم لكننا نشغلها عن طريق البطارية".

ورغم ذلك تقول "لست خائفة من سقوط المنزل علينا لان الوضع هنا يبقى افضل مما عشناه في الرقة".

والى جانب النقص في الغذاء والخدمات الطبية والاساسية، يخشى النازحون من مخلفات المعارك من رصاص وقطع من صواريخ مرمية في كل زاوية وحتى داخل المنازل.

ومن نافذة منزل اخترق الرصاص جدرانه، تقول امرأة مسنة "الحياة صعبة في هذا الحي، ووراء كل نافذة قصة مؤلمة".