«إيلاف» من برلين: يعتبر سرطان الكبد خامس أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً في العالم، وثاني أهم مسببات موت البشر بسبب الأورام السرطانية. وتشير إحصائية وزارة الصحة الألمانية إلى أن عدد الإصابات بسرطان الكبد، بين الإناث والذكور، تضاعف خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، وينتظر ان تزداد معدلات انتشاره. ولا يمكن الفصل بين انتشار المرض وانتشار استهلاك تعاطي الكحول والدخان.

وتكشف كافة الدراسات الطبية، عن علاقة مباشرة بين سرطان الكبد واستهلاك الكحول والتدخين وتشمع الكبد والتهاب الكبد السرطاني والسكري-2. إلا ان الكشف عن آلية حصول سرطان الكبد، بهدف العثور على عقار يوقف هذه العملية، تعثر حتى الآن.

ويقول فريق من العلماء الألمان والسويسريين أنهم توصلوا إلى الكشف عن ميكانزم نشوء هذا السرطان القاتل". وكتب العلماء من مركز الأبحاث السرطانية الألماني، ومن جامعة زيورخ التقنية، في مجلة" كانسر سيل"، تقريراً عن انزيم معين يحفز عملية نشوء السرطان في خلايا الكبد. 

ويعتقد العلماء ان هذا الكشف يفتح آفاق العثور على عقار يوقف عمل الانزيم المذكور، ويعين الطب في معالجة سرطان الكبد، وفي معالجة تشحم الكبد أيضاً، بسبب ترابط المرضين.

موت خلايا الكبد يؤدي إلى السرطان

وسبق للعلماء ان رصدوا أن معظم حالات سرطان الكبد ترتبط بالتهابات الكبد المزمنة الناجمة عن المبالغة في تعاطي الكحول، وعن التهابات الكبد الفيروسية. وأثار الباحثون في السابق الشكوك حول نوع من الدهون الكبدية التي تضطرب عملية استقلابها وتؤدي إلى حصول تحولات وراثية في الخلايا الكبدية، تقود بدورها إلى نشوء أولى الخلايا السرطانية.

تموت خلايا الأنسجة الكبدية بفعل التليف ومضاعفات الالتهابات الفيروسية، وتوصل فريق العلماء الألماني-السويسري الآن إلى أن خطر نشوء سرطان الكبد يزداد كلما زاد عدد خلايا الكبد التي قتلها التليف أو الفيروس.

ويلعب انزيم اسمه"كاسبيس8" دوراً مزدوجاً في هذه العملية، بحسب ما كتب العلماء في مجلة"الخلية السرطانية". وتم الكشف عن دور هذا الانزيم في الفئران، ثم جرى التأكد من انه يلعب نفس الدور لدى البشر.

قبل هذا الانجاز، كان العلماء يعتقدون أن كاسبيس8 يلعب دوراً مهماً في موت الخلايا المبرمجة(Apoptose)، وعلى هذا الاساس كانوا يعتقدون ان الموت المبرمج إجراء وقائي ضد السرطان، لأن الخلايا المصابة "تنتحر" كي توقف تقدم المرض. وتقول الدراسة الجديدة إن هذه الحال تصح في حالة كل خلية كبدية بمفردها، ولا تصح على وضع أنسجة الكبد ككل.

انتحار بعض الخلايا يعزز انقسام خلايا أخرى

توصل فريق العمل الألماني- السويسري إلى أن الموت المبرمج (الانتحاري) للعديد من خلايا الكبد يحفز النمو السرطاني، لأن موت الكثير من الخلايا يحفز الخلايا الحية على التعويض عن الخلايا المفقودة عن طريق المزيد من الانقسام. وهكذا يزداد خطر حصول التشوهات في الحمض النووي للخلايا كلما زاد الانقسام في الخلايا.

وذكر الباحث ماتياس هايكنفيلدر، من مركز الأبحاث السرطانية الألماني، ان خلايا النسيج الكبدي غير معتادة على الانقسام بهذه الشدة خلال وقت قصير، وهذا يعزز احتمالات حصول الخطأ في انقسام الحمض النووي. وظهر ان أكباد الناس المتليفة أو المريضة بالفيروسات تراكم الكثير من الخلايا الجديدة التي خضعت للتشوهات أثناء الانقسام المتكرر.

وظيفتان منفصلتان لانزيم كاسبيس8

وهكذا، كلما زاد موت الخلايا الكبدية كلما زادت فعالية الخلايا السليمة، وكلما زاد معها احتمال حصول التشوهات الجينية التي تدفع الخلايا الكبدية الجديدة للانفلات والنمو بشكل غير طبيعي (سرطاني).

المهم، ان التجارب تقول إن كبح جماح انزيم كاسبيس8 يؤدي إلى وقف انتحار الخلايا المبرمج، ويوقف بالتالي عملية نشوء السرطان في الكبد. والمشكلة هي أن هذا الانزيم يلعب دوراً مهما أيضاً في ترميم الحمض النووي المتضرر اثناء عملية الانقسام، ويفقد الانسان وظيفة مهمة من وظائفه عندما يبطل عمله بالكامل. 

وهنا لابد من البحث عن حل وسط يحفظ الوظيفة الثانية لانزيم كاسبيس8، لكنه يبطل دوره الأول في برمجة موت الخلايا. إذ ان الوظيفتين منفصلتين عن بعضهما، كما ثبت لهايكنفيلدر وزملائه، ولهذا فإن التأثير في واحدة منها ليس معقداً.

وإذ يتطلع هايكنفيلدر للكشف عن دور كاسبيس8 في أنواع الأمراض السرطانية الاخرى، قال زميله البروفيسور اخيم فيبر، استاذ الباثولوجي في جامعة زيورخ، إن الكشف عن دور كاسبيس المزدوج في سرطان الكبد سيعين الطب في علاج التهابات الكبد المزمنة وأمراض الكبد السرطانية على حد سواء.

الجدير بالذكر ان سرطان الكبد في ألمانيا يصيب9500 امرأة ورجل كل سنة، ويصيب الرجال 66% أكثر من النساء. ويصيب هذا السرطان الإناث والذكور من معدل أعمار 74 سنة، ولا يشكل سوى 4% من الإصابات بين الناس من عمر يقل عن 45 سنة. وتكمن خطورة سرطان الكبد في "صمته"، لان 70% من حالاته تكتشف فقط بعد بلوغه المراحل المتقدمة من المرض.