حلب: بعد سيطرة الجيش السوري على كامل مدينة حلب، أراد مفتي المحافظة محمود عكام أن يساهم أهلها في إعادة إعمار الجامع الاموي الكبير، لكن عرضاً قدمه الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف كان مغرياً الى درجة يصعب رفضه. 

ويقول عكام لصحافيين شاركوا في جولة نظمها الجيش الروسي الثلاثاء في مدينة حلب وبينهم فريق وكالة فرانس برس "كان مصراً جداً، وعلى اعتبار اننا ننتمي إلى الديانة ذاتها ويفهمنا، فقبلنا".

وتمكن الجيش السوري بدعم من حليفته روسيا من السيطرة على الاحياء الشرقية لمدينة حلب نهاية العام الماضي، بعد أربع سنوات من معارك دمرت خلالها المدينة القديمة حيث الجامع الاموي والمصنفة على لائحة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي. 

وتحول الجامع الاموي من معلم أثري الى ساحة متاريس، إذ دمرت في العام 2013 مئذنته العائدة الى القرن الحادي عشر، وتساقطت أحجاره المنقوشة وتضررت أبوابه الخشبية.

والى جانب كونه حليفاً وفياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقدم الرئيس الشيشاني نفسه على انه طرف مؤثر في العالم الاسلامي.

وارسل قاديروف باسم والده أحمد مبلغاً قدره 14 مليون دولار لاعادة ترميم الجامع الاموي.

ويقول عكام انهم تبلغوا انه في حال كان المبلغ المرسل غير كاف، "سيرسلون اكثر"، منتقداً في الوقت ذاته منظمة "يونيسكو" التي لم تقم بواجبها الكامل ازاء تراث المدينة، بحسب قوله، في وقت مدّ قاديروف يده "للمساعدة في وقت صعب". 

وسبق لقاديروف ان ساهم في اعادة اعمار اكبر مسجد في روسيا، لكنه تعرض لانتقادات من جريدة "نوفويا غازيتا" المعارضة التي اعتبرته التمويل "الاقل شفافية".

وكانت مدينة حلب مقسومة الى جزئين منذ صيف العام 2014. وانتهت المعارك بإجلاء المقاتلين المعارضين من الاحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرتهم.

- "بلا دعم اوروبي" -ومنذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في سبتمبر العام 2015، لعبت موسكو دوراً رئيساً في استعادة الجيش السوري زمام المبادرة ميدانياً ومكنته من تحقيق انتصارات عدة ابرزها في مدينة حلب.

وبعد انتهاء المعارك، تبدي روسيا اليوم اهتماماً باعادة اعمار المدينة حيث تنتشر صور ضخمة للرئيس السوري بشار الاسد. 

واذا كانت الزحمة وأبواق السيارات تسيطر على المشهد في الاحياء الغربية من المدينة، يطغى الهدوء على أحيائها الشرقية الغارقة بالدمار والخالية بمعظمها من سكانها.

ويقول محللون ان المؤسسات المالية السورية غير قادرة حاليا على تمويل إعادة الاعمار في البلاد، ومن المستبعد ان تساهم في هذه العملية دول سبق ان نادت بإسقاط الاسد.

وعما اذا كانت الدول الغربية ستساهم في إعادة إعمار حلب، يجيب نائب محافظ حلب فارس فارس ان اوروبا "أعطتنا فقط مقاتلين لقتل الشعب السوري".

ويضيف "علينا ان نعيد إعمار البلاد بانفسنا بمساعدة الحكومة ومن دون دعم اوروبي".

وتحاول روسيا وايران، ابرز حلفاء دمشق، ملء هذا الفراغ.

ووقعت سوريا وايران اتفاقا الثلاثاء في طهران، ينص على "توريد خمس مجموعات غازية الى مدينة حلب" لتأمين الكهرباء.

وأعلنت موسكو بدورها الاربعاء نيتها ارسال اربعة آلاف طن من مواد ومعدات البناء الى سوريا للمساعدة في "إعادة اعمار البنية التحتية الاساسية في المناطق المحررة من الارهابيين".

وتتضمن تلك المساعدات الفي طن من أنابيب المياه الحديدية ومئات الكيلومترات من كابلات التوتر العالي التي يتم نقلها حاليا عبر القطار الى ميناء في جنوب روسيا تمهيدا لايصالها الى سوريا.

- حليفة "منذ زمن"-ويتوقف مسؤولون محليون في حلب عند الدعم الذي قدمته روسيا لترميم مدرسة الفرقان وتوفيرها لوازم العودة الى المدرسة للتلاميذ.

ويقول نائب محافظ حلب حامد كينو "روسيا موجودة هنا منذ فترة طويلة"، موضحاً ان القوات الروسية تضمن سلامة قوافل المساعدات الى حلب كما تساهم في إعادة نازحين الى بلداتهم في ريف حلب.

ويوضح "يومياً، يعود مواطنون الى تلك البلدات، بعضهم يمتلك سيارات والبعض الآخر نجد لهم حافلات لنقلهم، فيما تؤمن روسيا شاحنات من طراز +كماز+ لنقل حاجياتهم".

وبحسب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا الجنرال ايغور يمليانوف، عاد نحو 3500 شخص خلال الشهر ونصف الشهر الاخير الى بلدات استعادها الجيش السوري.

وفي أنحاء المدينة، نشرت موسكو شرطة عسكرية روسية لمنع نهب المنازل الخالية وللحفاظ على النظام.

وغالبية عناصر هذه الشرطة من الشيشان وبعضهم من منطقة القوقاز ذات الغالبية المسلمة في روسيا، وفق ضابط شيشاني.

ويضيف "لدينا الايمان ذاته"، ما يسهل التفاهم مع المواطنين.

ويرتدي عناصر الشرطة قبعات حمراء ويعلقون شارات كتب عليها "الشرطة العسكرية" باللغة الروسية، ويقودون آليات عسكرية من طراز "تايغر".

ويقول الضابط الشيشاني "عندما كنا هنا في يناير كانت هناك عمليات نهب كثيرة. لكنها توقفت الآن".