يدرس خبراء نفسيون العنصرية سريريًا، إذ ثمة منهم من وجدها اضطرابًا في الشخصية واسع الانتشار، يتطلب علاجًا نفسيًا جماعيًا، أكثر منها مجموعة مواقف يمينية متطرفة متحاملة على الآخر المختلف.

واشنطن: يعبر كثير من الاميركيين عن سخطهم من تظاهرات عنصريين بيض يحملون المشاعل ويرددون هتافات معادية للمهاجرين والأقليات الدينية والإثنية. لكن بعض المحللين النفسيين يرى أن هؤلاء مرضى نفسيًا. 

ومثل هذا الرأي يثير تساؤلات مقلقة عما إذا كانت الولايات المتحدة تشهد ظهور حركة قومية يمينية متطرفة مدفوعة بمواقف متحاملة ضد السود والمهاجرين والمسلمين واليهود، أم تشهد أعراض اضطراب في الشخصية واسع الانتشار، يتطلب علاجًا نفسيًا جماعيًا.

دعوة غير مستجابة

كان البروفيسور إيلفين بوسانت، استاذ التحليل النفسي في كلية الطب في جامعة هارفرد، ولفيف من زملائه قد دعوا الجمعية الأميركية للتحليل النفسي إلى إدراج العنصرية المتطرفة في الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية، بوصفها "اضطرابًا وهاميًا". والدليل الاحصائي هو المرجع الذي يعتمده أطباء الصحة العقلية لتشخيص المرضى. 

لكن الجمعية لم تستجب لهذه الدعوة. ونقلت مجلة "نيوزيوك" عن بوسانت قوله: "لاقت الفكرة مقاومة واسعة". وأوضح بوسانت أن المشكلة تتمثل في أن المسؤولين في الجمعية رأوا أن العنصرية واسعة الانتشار بحيث لا يمكن تشخيصها. 

وأضاف: "انهم شعروا أن العنصرية راسخة في الثقافة حتى أنها تكاد أن تكون معيارية ويتعين التعامل مع العوامل الثقافية كلها التي تؤدي إلى هذا السلوك". 

كما ذهب أعضاء في الجمعية الأميركية للتحليل النفسي إلى أن الرأي القائل إن العنصرية المتطرفة مرض عقلي لا تسنده أدلة علمية قاطعة. يقول بوسانت إن هذا الاعتراض ضعيف لأن الكثير من الأمراض العقلية المدرجة في الدليل الاحصائي للاضطرابات النفسية لا تستند إلى أدلة علمية ملموسة، بما فيها اضطرابات الشخصية. 

من جهة أخرى، قال أعضاء في الجمعية إن تصنيف العنصرية المتطرفة على أنها مرض عقلي سيعفي معتقدات فظيعة وسلوكيات مرفوضة من المحاسبة. 

قابل للعلاج

لكن بوسانت ما زال يعتقد أن العنصرية المتطرفة شكل من اشكال الذهان، ويجب التعامل معها على هذا الأساس. وقال: "إن محللين نفسيين آخرين شهدوا أن حالة مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن تتحسن بالعلاج حين يفهمون هذه المعتقدات وسبب اسقاطها على آخرين". 

بعد محاولات عديدة لإقناع الجمعية، أصدرت في النهاية بيانًا اعترفت فيه بأن بعض العوامل النفسية تتسبب بأن يصبح شخص ما عنصريًا، لكنها دعت إلى مزيد من الدراسات "لاستطلاع هذه الفرضية". كما لاحظت الجمعية أن المعتقدات والسلوكيات العنصرية كثيرًا ما تسبب كآبة ومرضًا نفسيًا في من يتأثرون بها.

وفي بيان اطلعت عليه مجلة نيوزويك، قال سول ليفن، رئيس الجمعية الأميركية للتحليل النفسي، إن الجمعية تلاحظ منذ زمن طويل "تأثير العنصرية السلبي في الصحة النفسية، وإن سياسة الجمعية تدعم جهود التثقيف الشعبي والبحث في العنصرية وتأثيرها الضار في الصحة النفسية". 

ويعتقد البرفيسور كارل بيل، استاذ التحليل النفسي السريري في كلية الطب في جامعة إلينوي، وخبراء آخرون أن بعض حالات العنصرية دليل اضطرابات أخرى. ويقول بيل إن الأفكار والأفعال العنصرية كثيرًا ما تكون مظهرًا من مظاهر اضطراب عقلي آخر معروف ومشخص. 

اختبار الارتباط الضمني

ثمة أدلة تشير إلى أن الأغلبية العظمى من البشر تخفي في نفسها أحكامًا مسبقة، ليست موجّهة بالضرورة ضد من يختلف عنها، لذلك يعتقد خبراء نفسيون أن البشر مجبرون على التمييز بين الناس بطريقة من الطرق. 

ومن هذا المنطلق، أنشأ متخصصون في علم النفس الاجتماعي في جامعات هارفارد وفرجينيا وواشنطن أداة بحثية سموها "اختبار الارتباط الضمني"، واستخدموها لقياس مستويات التحيز العنصري غير الواعي، ليحددوا إذا كان البشر يكنون مشاعر سلبية تجاه فئة معينة من الناس، أو مشاعر إيجابية.

أنشئ هذا الاختبار منذ أكثر من 20 عامًا، وخضع له أكثر من 17 مليون إنسان. وتظهر نتائجه أن أكثر من 90 في المئة من الأميركيين يتحيزون ضد من يختلف عنهم بنسبة ما. لكن ما زال علماء النفس منقسمين في ما بينهم: منهم من يرى أن التمييز لا يستدعي تشخيصًا إلا عندما تتحول أفكار الناس إلى أفعال مؤثرة، ومنهم من يرى أن تبنّي معتقدات عنصرية يمثل مشكلة بحد ذاتها ينبغي العمل على الحد من تداعياتها الاجتماعية.

حياة شبه طبيعية

يتفق علماء اجتماع مع رأي المحللين النفسيين الداعي إلى تشخيص العنصرية على أنها اضطراب نفسي، قائلين إن مثل هذا التشخيص يمكن أن يساعد المجتمع على الانتباه إلى شذوذ هذا المرض، وربما منع أعمال أخرى أشد خطرًا. 

يلاحظ ساندر غيلمان، أستاذ التحليل النفسي في جامعة إيمروي، أن هناك عنصريين خطيرين يعيشون حياة تبدو طبيعية، وهؤلاء من الصعب تشخيصهم. وقال غيلمان: "إن العنصريين للأسف يحسنون التعاطي مع الحياة اليومية ولديهم تصور عما يجب أن يكون عليه العالم، وهذا التصور يصلح في العالم الذي يعيشون فيه". 

لكن غيلمان لا يؤيد التشخيص الانعزالي للعنصرية المتطرفة، ويعتقد أن المحاولات الرامية إلى تصنيف مثل هؤلاء الأفراد على أنهم مرضى نفسيون، تخفي المشكلة الأكبر المتمثلة بسماح المجتمع لهم بارتكاب أفعال انتقامية. 

يضيف: "إن هؤلاء الأشخاص أشرار، وهم اعتمدوا خيارات شريرة لكنها ليست خيارات يمكن أن تُنسَب إلى أي مرض عقلي. فأنت ما إن تفعل ذلك حتى تعفيهم من المسؤولية عن أفعالهم، فيفلتون من العقاب". 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "نيوزويك". الأصل منشور على الرابط: 

http://www.newsweek.com/alt-right-racism-mental-illness-psychiatry-personality-disorder-652273