برلين: دخل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على خط حملة الانتخابات التشريعية الالمانية التي ستجري في 24 سبتمبر حيث فوجئ الناخبون بصوره على ملصقات موزعة في مدينة كولونيا.

وفيما لا يسعى اردوغان بكل تأكيد إلى الحلول محل المستشارة الألمانية انغيلا ميركل التي دخل في سجال حاد معها، إلا أن نشر صوره يهدف إلى الترويج لحزب "تحالف الديموقراطيين الألمان" الذي يخوض حملته في كولن، معقل الجالية التركية البالغ عدد أفرادها ثلاثة ملايين. 

وتعطي الملصقات فكرة عن البدائل التي كانت في ذهن اردوغان عندما حث الألمان من أصول تركية الشهر الماضي على التصويت ضد المحافظين الذين تقودهم ميركل وغيرهم من "أعداء" تركيا. 

واتهم كلا من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي الذي تتزعمه المستشارة والحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر باتباع نهج يقوم على أنه "كلما هاجمت تركيا أكثر، تحصل على مزيد من الأصوات،" مشيرا إلى أن معارضتهم تعد بمثابة "نضال من أجل الشرف". 

ولكن الأثر المباشر لحملة اردوغان يعد ضئيلا حيث أن مليونا فقط من 61 مليون ناخب يحق لهم التصويت يتحدرون من أصول تركية، ويرجح أن يصوت ثلثا هؤلاء للحزب الاشتراكي الديموقراطي. 

ومع ذلك، تخشى ألمانيا من أن يسعى اردوغان إلى بث الشقاق في أوساط المغتربين الأتراك وإعادة فتح الجروح القديمة من تجربة "العمال الضيوف" التي عاشها الأتراك في ستينات وسبعينات القرن الماضي. 

في هذا السياق، حذر كل من وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال ووزير العدل هيكو ماس مؤخرا من أن اردوغان ينشر "الدعاية" عبر الإعلام الرسمي والمجموعات السياسية والمساجد التي تديرها أنقرة، وهو ما يشكل على حد تعبيرهما "تهديدا لثقافة ألمانيا الديموقراطية". 

وأما رئيس الاستخبارات المحلية، هانز-غورغ ماسن، فحذر من أن جهاز الاستخبارات الوطنية التركي ينشط في ألمانيا، حيث يقوم بمراقبة وترهيب منتقدي اردوغان.

"دم فاسد"

ورغم أن أكبر جالية تركية في الخارج انتجت نجوما في السينما الألمانية والسياسة والرياضة، إلا أنها لا تزال متأخرة بشكل كبير عن باقي أفراد المجتمع من حيث الدخل، وهو ما يخلق حالة من الامتعاض في صفوفها. 

وغذى تصاعد خطاب الكراهية من قبل اليمين المتشدد والتدفق الكثيف للاجئين عام 2015 وسلسلة الاعتداءات الجهادية التي هزت أوروبا مشاعر العزلة لدى الكثير من المسلمين. 

وأثار الكسندر غولاند من حزب "البديل من أجل ألمانيا" المعادي للإسلام، غضبا واسعا مؤخرا عندما دعا إلى "رمي" وزيرة الدولة لشؤون الهجرة واللاجئين والاندماج أيدان أوزوغوز المتحدرة من أصول تركية، في الأناضول. 

وعلى مدى سنوات، حشد اردوغان تأييد الألمان من أصول تركية، والذين يمكن لنحو مليون منهم التصويت في بلدهم الأصلي. وقد دعم حوالي 60 بالمئة من هؤلاء حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يتزعمه. 

وعام 2008، أثار عاصفة في كولونيا عندما وصف "دمج" القادمين الجدد بـ"الجريمة ضد الإنسانية". 

ثم في 2014 عاد لدغدغة مشاعر العزة الوطنية خلال تجمع لنحو 20 ألفا من أنصاره الذين لوحوا بالعلم التركي في المدينة ذاتها، فيما رفع متظاهرون خارج المدينة لافتات كتب عليها "فساد، شريعة، سلطنة -- اردوغان لست ديموقراطيا". 

وتصاعد التوتر بشكل حاد عندما صوت البرلمان الألماني العام الماضي لصالح الاعتراف بالمذابح التي تعرض لها الأرمن في عهد السلطنة العثمانية إبّان الحرب العالمية الاولى على أنها "ابادة جماعية"، ما دفع اردوغان إلى اعتبار أن النواب الألمان من أصل تركي يحملون "دما فاسدا".

وشهدت العلاقات مزيدا من التراجع في أعقاب محاولة الانقلاب العام الماضي ضد اردوغان والحملة الأمنية الواسعة التي تبعتها وخلفت عشرات آلاف المعتقلين، بينهم نحو عشرة ألمان أو مزدوجي الجنسية. 

واتهم اردوغان ألمانيا بتوفير ملاذ آمن لأتباع الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الذي يتهمه بتدبير المحاولة الانقلابية. 

"دروس في الديموقراطية"

ويشير يونس أولوسوي من مركز الدراسات التركية وبحوث الاندماج إلى وجود "تصدع عميق داخل تركيا وحتى في أوساط الجالية التركية الألمانية". وأضاف أن "المشهد السياسي التركي كان منقسما على الدوام بين يسار ويمين، علماني ومتدين، أكراد وقوميين".

ولدى سؤال أحد العاملين في مطعم لكباب الدونر في برلين عن اردوغان، رد بسيل من الشتائم، قبل أن ينظر إلى شخص يجلس على احدى الطاولات القريبة ويضيف سريعا بأنه غير ملم بالسياسة. 

وأما ديلارا يلمز، الذي يعمل في متجر يبيع البقلاوة، فأكد أن اردوغان "رفع مكانة تركيا في العالم (...) الطرقات باتت أفضل، وكل شيء أفضل الآن في تركيا. ألمس ذلك عندما أزورها". 

ويرى أولوسوي أن الرسالة التي مفادها أن "اردوغان يبني تركيا قوية تلقى صدى، خاصة عندما تضاف إليها تجارب الهجرة والاقصاء والتمييز التي واجهها بعض الأتراك الألمان".

 وأضاف "يقول اردوغان بغض النظر عن مكان تواجدكم، والجنسية التي تحملونها، اذا شعرتم أنكم تنتمون إلى الأناضول وتركيا فإذا أنتم اخواني واخواتي". 

ورغم التوترات، ينظر زعيم الجالية التركية في برلين بكر يلمز بارتياح إلى وضع الأتراك الألمان الذين "يملكون ما يكفي من القدرة على اتخاذ قرار بشأن من وما الذي يريدون التصويت لصالحه". 

من جهته، يؤكد زعيم الجالية التركية في ألمانيا غوكاي سوفو أوغلو "لا نحتاج إلى دروس في الديموقراطية" مشيرا إلى أنه على اردوغان التخلي عن "أسلوبه الأبوي في التعاطي مع الأتراك في ألمانيا".