مع اقتراب الأجل القانوني لدعوة التونسيين للانتخاب ممثليهم في البلديات من نهايته، تتوالى التصريحات المؤشرة على توافق بين الاحزاب الحاكمة على ضرورة تأجيل هذا الاستحاق الى ربيع 2018.


مجدي الورفلي من تونس: مازال الغموض يكتنف تاريخ إجراء أول إنتخابات بلدية في تونس منذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011، ففي مقابل مواصلة هيئة الإنتخابات التونسية التحضير لإجراءها في 17 ديسمبر 2017 كما هو معلن رسميّا لم يصدر الى الساعة الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين للتوجه لمراكز الإقتراع كما ينصّ القانون الإنتخابي والذي يحدّد يوم غد الإثنين التاريخ الأقصى لإصدار تلك الدعوة في الجريدة الرسمية.

كما ان موعد 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل المقرّر رسميا لإجراء الإنتخابات البلدية في تونس لا يمثل تاريخا توافقيا بين كل الأحزاب السياسية في تونس، ففي حين تشبّث حركة النهضة الإسلامية بالمحافظة عليه تقف بقية الأحزاب تقريبا في الجهة المنادية بترحيلها الى مارس/آذار 2018 لعدم توفّر شروط إنجاحها كما تقول.

الغنوشي يؤكد التأجيل

قال رئيس حزب النهضة الاسلامي الشريك في الحكم، راشد الغنوشي، الاحد، ان اول انتخابات بلدية سيتم تأجيلها "على الارجح" الى مارس 2018.

وقال في تصريح لاذاعة شمس اف ام الخاصة ان حزبه لم يكن يؤيد تأجيل الانتخابات البلدية لكن "هناك اسباب موضوعية" تدفع الى تأجيل هذه الانتخابات.

واضاف ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستعلن الاثنين تأجيل الانتخابات "على الارجح الى آذار/مارس 2018".

وكان الغنوشي اجتمع السبت مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي اجتمع ايضا بشكل منفصل مع رئيس مجلس الشعب محمد الناصر.

ولم يصدر اي تأكيد رسمي حتى الان لتأجيل هذه الانتخابات.

وكان حزب النهضة الذي يقول مراقبون انه الحزب الوحيد الجاهز لخوض الانتخابات، متمسكا حتى الان بالابقاء على موعد 17 كانون الاول/ديسمبر 2017.

وكانت ثمانية احزاب صغيرة، بعضها في الحكم، دعت في ايلول/سبتمبر الى تأجيل الانتخابات البلدية بداعي الحاجة لمزيد من التحضير لها.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شهدت استقالة مدوية في ايار/مايو لرئيسها شفيق صرصار الشخصية المحترمة التي ادارت انتخابات 2014.

والمح صرصار واثنان من اعضاء الهيئة المستقلين الى انه لم يعد بامكانهم العمل بطريقة "شفافة ومحايدة".

وبعد اعتماد دستور الجمهورية التونسية الجديد في كانون الثاني/يناير 2014 ونجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014، كانت هذه الانتخابات البلدية مرتقبة جدا في تونس لترسيخ المسار الديمقراطي على المستوى المحلي بعد سبع سنوات من الاطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.

ومنذ منتصف 2011 باتت البلديات التونسية تدار من "نيابات خصوصية" وتحت اشراف السلطة التنفيذية.

الهيئة تواصل التحضير

رئيس هيئة الانتخابات التونسية بالنيابة أنور بن حسن أكد في تصريح لـ"إيلاف" ان الهيئة إنطلقت في الإستعداد لقبول الترشّحات في كل فروعها بمحافظات البلاد وفي المقابل لا تزال كما حال التونسيين في إنتظار صدور دعوة رسمية من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي للناخبين بالتوجه للإقتراع في 17 ديسمبر 2017، والتي يمثّل غدا الإثنين التاريخ الأقصى لنشرها في الجريدة الرسمية.

ويعتبر رئيس هيئة الإنتخابات بالنيابة ان رئيس الجمهورية لم يُعلن رسميا عن نيته بعدم إصدار الدعوة وهو ما يجعل الهيئة تواصل التحضير للإنتخابات في الموعد المحدّد الى الساعة، ولكن في حال لم يصدر قائد السبسي الأمر يوم الإثنين فإنّ الهيئة ستوقف التقدّم في المسار الانتخابي بإعتبار انه سيتم في تلك الحالة تأجيل الانتخابات البلدية والنظر في تاريخ آخر لإجرائها.

وينصّ الفصل 101 من قانون الانتخابات والاستفتاء التونسي على أنّه "تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة الى الاستفتاء".

ويذكر ان رئيس هيئة الانتخابات شفيق صرصار أعلن بصفة مفاجئة في مايو الماضي إستقالته رفقة عضوين آخرين، وهو ما زاد في تدعيم حجج الأحزاب الداعية الى تأجيل الإنتخابات رغم ان بقية أعضاء الهيئة المتبقين يؤكدون ان تلك الشغورات الثلاث ليس لها تأثير كبير على مسار إنجاح الإنتخابات البلدية.

وإنطلق البرلمان في إتمام إجراءات سدّ تلك الشغورات الثلاث في الهيئة، وخلال الأسبوع الماضي تم عقد جلسة إنتخابية ولكنها لم تتواصل نظرا لتغيب عدد كبير من النواب مما انتج عدم إكتمال النصاب القانوني.

ومن المنتظر ان تنعقد جلسة انتخابية لاستكمال عملية سدّ الشغور بهيئة الإنتخابات في 20 سبتمبر الحالي.

كما ستعقد هيئة الإنتخابات يوم غد الإثنين إجتماعا مهما مع قيادات الأحزاب السياسية وممثلين عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان، سيتم خلاله تداول ملفّ الانتخابات والفرضيات الموجودة.

أحزاب متمسكة بالتأجيل

تلك الشغورات في هيئة الإنتخابات مثّلت أحد حجج 8 احزاب سياسية، بعضها مشارك في الحكومة الحالية، للدعوة لتأجيل الإنتخابات البلدية الى مارس 2018، حيث إعتبرت تلك الأحزاب ان الشغورات الثلاث في الهيئة سيكون له إنعكاس سلبي على قدرتها على حسن تنظيم تلك الإنتخابات كما كان الحال بالنسبة للإنتخابات التشريعية والرئاسية في 2014.

حسونة الناصفي الناطق الرسمي لحركة "مشروع تونس"، الممثلة في البرلمان بـ24 نائبا، رأى من خلال تصريح لـ"إيلاف" ان تأجيل الإنتخابات البلدية بـ3 أشهر لن يكون له تأثير سلبي كالذي سيكون في حال تم إجراؤها في ظل الظروف الحالية للهيئة والشغورات الحاصلة بها.

وإعتبر النائب ان البلاد أجرت إنتخابات مشهود لها دوليا بالشفافية ويجب ان تعمل على المحافظة على تلك الميزة عبر العمل على ضمان كل الظروف لإنجاح الإنتخابات البلدية المقبلة.

وأشار الى انه وخلافا للشغورات في الهيئة لا يمكن إجراء إنتخابات بلدية والقانون المنظم لصلاحياتها غير جاهز كما انه من المستبعد ان يقع تبنيه داخل البرلمان قبل تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2017.

يذكر ان تلك الأحزاب عقدت لقاءا مع الرئيس السبسي بعد دعوتها لتأجيل الانتخابات البلدية، ونقلت وسائل إعلام محلية عن بعض قياداتها ان الرئيس اكد لهم انه لن يمضي على الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للإقتراع ما لم يقع سدّ الشغورات في هيئة الانتخابات.

كما رجحت وسائل إعلام محلية ان الباجي قائد السبسي سيعلن عن تأجيل الإنتخابات خلال حوار في القناة الرسمية يوم غد الاثنين المتزامن مع انتهاء الآجال الدستورية لصدور أمر دعوة الناخبين للإقتراع.

المحافظة على التاريخ المحدد

وأكد الناطق الرسمي بإسم حركة "النهضة" عماد الخميري لـ"إيلاف" ان خيار حركة النهضة هو التعجيل بإجراء الإنتخابات البلدية وإستكال مسار اللامركزية التي نصّ عليه دستور جانفي/يناير 2014.

كما إعتبر الخميري في سياق حديثه لـ"إيلاف" ان تأجيل الإنتخابات سيكون له تأثير على العملية الديمقراطية ومسارها، بالإضافة الى تأثيرها على الحياة اليومية للتونسيين التي تحتاج الى مجالس بلدية تعوض النيابات الخصوصية التي لم تعد قادرة على إدارة الشأن المحلي في أبسط مستوياته وهو ما حاولت النهضة تفاديه عبر العمل على عقد دورة برلمانية إستثنائية لسدّ الشغور في هيئة الإنتخابات والتسريع بتبني مجلة الجماعات المحلية.

تحذير من التأجيل

في ذات سياق التمسّك بالموعد المحدد لإجراء الانتخابات البلدية، حذرت عدد من المنظمات الناشطة في مجال مراقبة الإنتخابات من التداعيات السلبية لتأجيل موعد الانتخابات البلدية ودعت رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الى إصدار الأمر الرئاسي قبل انقضاء الآجل الدستورية.

مرصد "شاهد" ندّد في بيان إطلعت عليه "إيلاف" بـ"عدم بذل البرلمان للجهد الكافي من أجل سد الشغور في هيئة الانتخابات والمصادقة على مشروع مجلة الجماعات المحلية"، وطالبه بتحمل مسؤوليته التاريخية، كما نبه المرصد إلى ضرورة التفطن للآثار السلبية التي قد تترتب عن تأجيل الانتخابات البلدية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وعلى مسار الانتقال الديمقراطي في تونس برمته.

يذكر ان البرلمان التونسي استأنف الأسبوع النقاشات بخصوص مشروع قانون مجلة الجماعات المحلية التي يبلغ عدد فصولها الـ361 فصلا، وهي عبارة عن مجموعة من القوانين التي تنظم صلاحيات الجماعات المحلية من مجالس بلدية وجهوية وأقاليم، ولم تتقدم اللجنة المختصّة في مناقشة تلك المجلة التي تحدّد صلاحيات المجالس البلدية التي سيقع إنتخابها في اول انتخابات بلدية تنظمها تونس من سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011.

تجدر الإشارة الى انه تم التخلي عن موعدين سابقين أعلنتهما هيئة الانتخابات التونسية لإجراء الانتخابات البلدية، 30 أكتوبر 2016 ومن ثم مارس 2017، بسبب تعطّل تبني تعديل القانون الانتخابي والخلاف بخصوص تصويت الأمنيين والعسكريين في الانتخابات المحلية والذي رأت فيه هيئة الانتخابات آنذاك "تعطيلا مردّه عدم إستعداد بعض الأحزاب الانتخابات".

وصادق البرلمان التونسي في 31 يناير 2017 على تعديل قانون الإنتخابات والإستفتاء لتُمنح قوات الجيش والأمن حق التصويت في الانتخابات البلدية والجهوية للمرة الأولى منذ الاستقلال، وحظر القانون على هذه القوات الترشح لهذه الانتخابات أو المشاركة في الحملات الانتخابية والاجتماعات الحزبية وكل نشاط له علاقة بالانتخابات، ونص على "عزل" أي عسكري أو شرطي يخالف هذا الحظر.