تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى ساحة اخرى للجدل حول استفتاء كردستان العراق، وقبل أسبوع واحد من موعد الاستفتاء تصاعدت حدة المواقف الرافضة للاستفتاء من قبل السلطات العراقية في بغداد، في مقابل الأصوات المؤيدة له في إقليم كردستان في ظل انقسامات كردية بشأنه ، فيما تحول هاشتاغ (كوردوعرب) الى عنوان لتقليب أوراق وصور ذكرت العراقيين عربا وكردًا بعلاقتهما المجتمعية والشراكة بينهم.

إيلاف من بغداد: يترجم الصراع على وسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث في الشارع فعلا بل يبدو انعكاسا واضحا لخطاب الطبقة السياسية فجبهة "نعم" للاستقلال لها مبرراتها لإقدامها على تلك الخطوة، فيما تملك جبهة "كلا" بدورها مبررات لرفض الاستقلال، وتستظل كلتا الجبهتين بالقوى السياسية التي تختلف حول العديد من الأمور وباتت مواقع التواصل الاجتماعي منصات لنقل خطابات زعماء سياسيين مؤيدين للاستفتاء وآخرين رافضين له.

ولتخفيف حدّة الاحتقان أطلق الإعلامي والناشط العراقي هيوا عثمان هاشتاغ ( كوردوعرب ) تأكيدا على أواصر الشراكة بين العرب والاكراد ولتعزيز الاواصر المستركة ليلقى اقبالا كبيرا خلال يومين فقط ، فيما رفضت أصوات متشبثة بالاستقلال هذه الحملة ورأت أخرى مناهضة للاستقلال انها تعويم وتخدير تعيق مواجهة الاستفتاء ومنعه.

كورد وعرب يفتح البوم صور العراقيين

وقال هيوا عثمان لـ"إيلاف" عن حملة ( كورد وعرب) " العرب والكرد استيقظوا على علاقة مجتمعية أكبر من الاستفتاء واعمق من أي جدال واي حراك سياسي ، وما رأيناه من تداعيات الاستفتاء تم استغلاله من قبل الأقلية المتطرفة من الجانبين عربيا وكرديا".

وأضاف موضحا فكرة الهاشتاغ وصياغته "تعمدنا في صياغة هاشتاغ (كوردوعرب) على اعتماد كتابة (الكورد) كما ترسم باللغة الكردية وكلمة (عرب) كما ترسم اللغة العربية وحرف الواو يجمع بين الكلمتين وهو مشترك بين اللغتين".

وتابع "كوردوعرب تحول الى وسم يقرأه العربي والكردي في آن واحد بالسهولة نفسها".

وقال هيوا عثمان وهو نجل السياسي العراقي الكردي محمود عثمان ان الفكرة من الهاشتاغ "هو ان نراجع علاقتنا مع بعضنا البعض ، ونذكر بعضنا بعضنا ان بيننا علاقة مجتمعية مؤرخة سواء بالصورة او بالروايات ".

وذكر انه "في السبعينات عندما تم تهجير الكرد من كردستان الى الجنوب والوسط قوبلوا بأفضل معاملة من قبل أهل تلك المناطق ولا تزال تلك العلاقات قائمة حتى الان وبالمقابل حين هجر والملايين من العرب من مناطقهم عمليات الإرهاب والاقتتال الطائفي وما تلاه من عمليات عسكرية فانهم قوبلوا بالحفاوة ذاتها" مبينا ان "رسالة الهاشتاغ الى الساسة هي انه مهما كانت العلاقة المستقبلية السياسية والاقتصادية والإدارية بين كردستان وبين العراق ستبقى علاقة الكرد والعرب كما هي".

واعرب عن امله في ان هذا الهاشتاغ "سيكون دلو الماء الذي سيخمد نيرانا يحاول البعض ان يزيد من سعيرها"، ويشير هيوا عثمان هنا الى هاشتاغ مسابقة دلو الماء التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي عالميا بسرعة قياسية ، ويعود ليذكر بان "هاشتاغ كوردوعرب هو دلو ماء العراق".

تذكير بالعيش المشترك

من جهته قال المخرج جبار المشهداني ان "كوردوعرب فتح البومات القلب ليستخرج منها اجمل اللحظات التي تمت أرشفتها لتعكس خارطة أخرى غير تلك التي يرسمها الساسة ، خارطة تعنى بالقبض على اللحظات الإنسانية الحميمية المترفعة عن المذاهب والقوميات والأديان ".

وأضاف " اكاد اموت حزنا لأني لا أمتلك صورة فوتوغرافية لتلك العجوز الكردية النبيلة التي كانت تأتينا باللبن ظهيرة كل يوم وحين سألت عن قصتها انا الجندي في جبال سيدكان اخبرني صديقي الايزيدي باشا انهم قتلوا ولدها الوحيد .. هذه الصورة كتبتها عوضا من صورة فوتوغرافية في هاشتاغ كوردوعرب .. علي أن اؤرشف لحظة من حياتي لم نكن ننظر فيها للاخر في حياتنا انه من قومية ثانية ونحن من قومية أخرى".

من جهتها، قالت الشاعرة والأكاديمية امل الجبوري ان " المبادرات المجتمعية هي اهم بكثير من المؤتمرات التي تعقد تحت يافطات المصالحة التي تعقدها الطبقة السياسية لمصالح حزبية ضيقة".

وأضافت " السوشل ميديا اليوم ، باتت المسار الجماهيري لاي خطوة باتجاه سلام دائم ورؤية مستقبلية للعيش المشترك".

وذكرت الجبوري بان " هاشتاغ ( كوردوعرب) جاء للتذكير بالعيش المشترك وتاريخه بين أطياف الشعب العراقي ".

وأشارت الى ان تنظيم داعش كاد يهزم الدولة العراقية بهاشتاغ عنف من قبيل قادمون يا بغداد وقادمون يا أربيل، كما ذكرت بأن هاشتاغ (اسمي بابل) اجبر العتبة الحسينية ومحافظة بابل على إلغاء فكرة تغيير اسم محافظة بابل الى محافظة الحسن".

كاريكاتير

واختار رسام الكاريكاتير ناصر إبراهيم ان يشارك في الحملة برسم جمع فيه بين العربي والكردي بيشماغ واحد مذكرة ان ثمة العديد من الثقافات ما تجمع العراقيين عربا وكردا ومن بينها البيشماغ الذي يلفه الكردي على رأسه فيما يلبسه العربي مع العقال.

وقال الناشط هاشم المختار على صفحته في فيسبوك "العراقيون شعب عجيب . لا يفرقهم شيء ولا يثنيهم عن عزيمتهم جللُ، كل من حاول شق صف ووحدة هذا المجتمع عاد خائباً مطأطأ الرأس، وكان آخرها من السياسيين العراقيين الذين يحاولون تعكير صفو المحبة بين العراقيين وما أثير في الإعلام مؤخراً عن انفصال إقليم كردستان عن العراق وغيرها من الأمور، ها هم أبناء هذا البلد يردون بأبهى صورة على هذه المحاولات، بلا عنف بلا خوف بلا عنجهيات وكلام فاضٍ".

الاستفتاء احدث شرخا كبيرًا بين العراقيين

من جهته قال السياسي العراق واحد قادة التيار المدني يوسف الاشيقر وهو ناشط على تويتر ان "الاستفتاء احدث شرخا كبيرا بين العراقيين الذين كانوا يقفون حتى أيام قريبة في صف واحد لمقاتلة تنظيم داعش".

ويرى الاشيقر ان "هذا الشرخ سيتعمق ويصعب علاجه ان اجري فعلا الاستفتاء".

وأضاف ان "الأخطر منه هو ما سيحصل على ارض الواقع فالعالم الافتراضي هو بطبيعة الحال ترجمة لما يحصل فعلا "، معربا عن خشيته من حدوث اعتداءات فردية تطال العرب في كردستان والكرد في بغداد والمحافظات وهو ما سيفاقم الامر ويدفعنا الى مواجهة عسكرية بين الطرفين".

وهنا، يلفت الاشيقر الى ان رصد العشرات من الهاشتاغات التي ترجمت ذلك الصراع يذكر منها ( #استفتاء_البارزاني_باطل)

فيما قال الناشط محسد جمال الدين ان "استفتاء كردستان لوثة في تاريخ العراق والتفاعل الوطني للشباب العراقي على مواقع التواصل الاجتماعي اظهر ان ليس ثمة مشكلة بين نسيج الشعب العراقي من البصرة الى دهوك انما بين الطبقة السياسية المفروضة على البصرة ودهوك".

سوشيل ميديا .. صراع بين عراقي ضد التقسيم واؤيد الاستفتاء

وأضاف "غردت كثيرا خلال هذه الفترة غير ان اكثر هاشتاغ حظي بإعادة التغريد ، كان #العراق_الواحد وكذلك #تقسيم_العراق و#استفتاء_كردستان".

وتعددت الهاشتاغات المتعلقة بالاستفتاء كما انقسمت بشأنه فمنها مع الاستفتاء مثل (#انا_كوردستاني) و (#لاللعراق_الموحد) و(#اؤيد_استفتاء_كردستان) و(#نعم_لدولة_كوردستان) و(#احفاد_صلاح_الدين_يستقلون) .

وهناك بالضد من الاستفتاء وتؤكد على وحدة العراق مثل (#لا_للإستفتاء) و(#نعم_للعراق_الموحد) و (#عراقي_ضد_التقسيم) و(#استفتاء_برزاني_باطل) .

ويقول الباحث المختص بالسوشل ميديا مهند السماوي ان " ‏هاشتاغ (‫#نعم_للعراق_الموحد) يرد بقوة على وسم اؤيد استفتاء كردستان ويتصدر التريند ، كتعبير عن ارادة عراقية ترفض الاستفتاء وانفصال اقليم كردستان عن العراق".

وتسابقت ردود الافعال على موقع التواصل الاجتماعي من خلال وسم ((#أؤيد_أستفتاء_كردستان ) الذي اشعل "تويتر".

وجاء في تغريدة (شموخ القوافي) "من حق الأكراد ان يكون لهم دولة ولايرتبط مصيرهم بدولة غارقة بالفساد ويقتل مواطنوها بالجملة ويحكمها مزدوجو الجنسيه".

انقسامات كردية كردية 

آسو محمود عضو المجلس الوطني لحركة التغيير قال ان ملف الاستفتاء قد تم استخدامه "خطأ" ما دفع عددا من المواطنين الى الوقوف ضده الا انه رفض ان تكون الحركة في الجبهة التي تقف ضد الاستفتاء، ولم ينكر ان حركة التغيير لديها ملاحظات حول الموضوع.

وأشار الى ان "الحملة التي بدأت في مواقع التواصل الاجتماعي ضد الاستقلال تتعلق بتباعد الناس والسلطة من بعضهما ما ادى الى وقوف البعض ضد اية خطوة تخطوها السلطة".

ورأى عبد السلام برواري عضو المجلس القيادي للحزب الديمقراطي ان تشكل جبهة ضد الاستفتاء واخرى داعمة له في مواقع التواصل الاجتماعي هو نتيجة للتعصب داخل المجتمع في اقليم كردستان والمواقف السياسية التي انتقلت إليه"، ولفت الى أن "رد فعل الذين يقفون ضد الاستفتاء في مواقع التواصل الاجتماعي هو موجه ضد الحزب الديمقراطي وليس ضد الاستقلال".

آراء غير محايدة

ويحلل الباحث سليم سوزة هذه الظاهرة مبينا ان "الاغلبية المطلقة من الاراء حول الاستفتاء في مواقع التواصل الاجتماعي هي آراء غير محايدة وتنطلق من زاوية عربية او كردية في تحليلها طبيعة المشكلة الكردية".

ويجد سوزة ان "اغلب التحليلات مغلفة برغبة انتقامية تحت شعارات من قبيل الوحدة او عدم السماح لاسرائيل ثانية وغيرها من الامور التي غالبا ما تترك القضية الاساسية وتبحث عن هوامش تحرك بها مشاعر الناس نحو الحرب ومزيد من الدماء".

وأضاف "قليلة تلك التحليلات الهادئة التي تريد وضع حد وحل للمشكلة لا تأزيمها".

واكد ان "المشكلة الكردية ليست هوياتية اي ليس هناك صراع ثقافي هوياتي بين العرب والكرد حتى تتم شيطنة كل الاطراف والطعن بولاءاتها وانما هي مشكلة جيو اقتصادية سببها كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهي مناطق غنية بالنفط".

وأضاف انه "يتم القفز على هذه الحقيقة ليصور للبسطاء ان المعركة بين ملائكة وشياطين ، واحد يمثل خيرا مطلقا ويريد أن يحافظ على وحدة العراق والاخر شيطان محض يريد النيل من البلد برمته، ومن يقف محايدا ويحكم عقله ويبلغ للتهدئة والحكمة يصبح انبطاحيا متخاذلا يتعاطف مع التقسيميين".

وتساءل الباحث سليم سوزة "كيف ستحل الازمة وسط هذا الصخب ودون اعطاء آليات محددة للبت في موضوع كركوك سلميا وبلا دماء. هذا ما ينقصنا النقاش فيه بهدوء وعقلانية وليس الذين يجيشون الناس للحرب من منابر السويد واميركا وبريطانيا والمانيا وهم ليسوا مستعدين لإرسال ابنائهم للقتال هنا".