غزة: عندما احتاج دان ليوبيتز الى شركة يتعامل معها في مشروع لشركته الاسرائيلية للتكنولوجيا المتطورة، وجدها في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. منذ ذلك الحين، تحالفت الشركتان الاسرائيلية والفلسطينية وتعملان معا.

كان ذلك في 2015، اي بعد عام من حرب اسرائيلية مدمرة على القطاع أسفرت عن مقتل اكثر من 2200 فلسطيني غالبيتهم من المدنيين و73 شخصا في الجانب الاسرائيلي معظمهم من الجنود.

وكانت شركة "إينيتيل" التي يملكها ليوبيتز في عز انطلاقتها وتبحث عن متعاقد بكلفة منخفضة وبمهارات عالية في عالم التكنولوجيا، في الهند او في شرق اوروبا. ولم يفكر ليوبيتز، وهو أميركي-اسرائيلي، بالبحث على بعد حوالى ثمانين كيلومترا من هنا.

وبشكل غير متوقع، بدأت الشركتان الاسرائيلية والفلسطينية تحالفا أثمر عملا بقيمة عشرة الاف دولار شهريا.

ويقول الرجل الذي توفر شركته برامج لمراكز اتصالات عبر الانترنت لوكالة فرانس برس "يسألني الان اصدقاء في شركات اخرى عن رقم هاتف الرجل" الفلسطيني.

وليس من غير المألوف ان تعمل شركات تكنولوجيا فلسطينية موجودة في الضفة الغربية المحتلة، مباشرة مع شركات اسرائيلية.

ولكن في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس الاسلامية، والذي خاض ثلاث حروب مع الدولة العبرية منذ عام 2008، الامر استثنائي جدا.

وتعدم حماس الفلسطينيين الذين يدانون بتهمة "العمالة" لاسرائيل، بينما تفرض اسرائيل منذ عشر سنوات حصارا جويا وبريا وبحريا على القطاع الذي يبلغ عدد سكانه نحو مليوني شخص، وتعتبر حماس حركة "ارهابية".

ولكن طبيعة العمل في مجال التكنولوجيا المتطورة وعبر الانترنت تجعل ممكنا تجنب القيود الاسرائيلية المفروضة التي تحد من التبادل التجاري في القطاعات الاخرى.

وبدأت الشركة الفلسطينية في غزة التي تعمل مع ليوبيتز بالتوسع للعمل مع شركات اسرائيلية اخرى.

وتوظف شركة "ميلانوكس" العملاقة في مجال التكنولوجيا والتي تصنع تكنولوجيا تربط اجهزة الحاسوب وقواعد البيانات والخوادم الالكترونية، حاليا عشرة موظفين في غزة وتسعى الى مضاعفة هذا العدد.

علينا ان نستفيد

وقررت وكالة فرانس برس عدم ذكر اسم الشركة الفلسطينية العاملة في قطاع غزة لاسباب امنية، ولكنها زارت مكتبها في مدينة غزة.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة "القرار لم يكن سهلا. ولكننا على قناعة تامة بأننا نعرض خدماتنا في السوق الاسرائيلي".

وركز الرئيس التنفيذي ان العلاقة مع الشركة الاسرائيلية هي مالية بحتة ولا علاقة لها بالسياسة، مؤكدا ان الغزيين يسعون فقط لبيع خدمات الى اسرائيل.

وتسيطر اسرائيل على كل مداخل القطاع ما عدا معبر رفح مع مصر، وتراقب كل ما يدخل الى غزة، ويتم استيراد وبيع العديد من المنتجات الاسرائيلية في القطاع.

وتابع مسؤول الشركة الفلسطينية "من أين نقوم بشراء اللبن؟ من اسرائيل. والوقود، من اين يأتي؟ اسرائيل. بعض الفاكهة حتى نقوم بشرائها من اسرائيل"، مردفا "هل يقوم أحد بانتقاد هذا العمل؟ لا. كما يستفيدون منا اقتصاديا، علينا ان نستفيد منهم عبر بيع خدماتنا".

وأشار الى ان الشركات الفلسطينية في الضفة الغربية تتعامل مع الاسرائيليين بسهولة نسبية. "في البداية، كانت لديهم مشاكل والآن هناك شركات لديها العشرات من الموظفين".

ونظريا، فان الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني يكسبان الكثير من ذلك. ونسبة البطالة في قطاع غزة هي واحدة من الاعلى في العالم، فكل ثلاثة من اصل خمسة من الشبان في قطاع غزة لا يعملون. ولا توجد الكثير من فرص العمل في القطاع حتى للذين تلقوا تعليما جيدا، بسبب الحصار.

في المقابل، تستفيد الشركات الاسرائيلية من العمالة الرخيصة. ويقول رئيس "ميلانوكس" ايال والدمان لوكالة فرانس برس ان توظيف مهندس في غزة يكلف نحو خمس سعر توظيف مهندس اسرائيلي مع الضرائب والتكاليف الاخرى.

وتستفيد الشركة ايضا من موظفين يتحدثون اللغة الانكليزية في المنطقة الزمنية ذاتها.

ويقول والدمان "توجد مواهب هناك وليست لديهم فرص عمل. ولهذا فكرنا لم لا نستفيد... من المواهب الكبيرة في غزة ولنجعلهم يعملون لحسابنا".

ويأمل والدمان في ان يكون لهذا العمل الصغير تأثير أكبر في المستقبل، موضحا "هناك فلسطينيون تتراوح اعمارهم بين 20 و30 عاما يتحدثون مع اسرائيليين. ولم يتحدثوا ابدا مع اسرائيليين من قبل، ويعتبرونهم العدو. والآن يتحدثون معا عن كرة القدم ويتبادلون النكات".

صاروخ واحد

وحتى الآن، لم تتعرض الشركة الفلسطينية لاي ضغوط من حركة حماس.

وعندما أعلنت شركة "ميلانوكس" عزمها توظيف اشخاص في غزة، تناولت وسائل الاعلام الاسرائيلية والفلسطينية الموضوع.

ويشير الرئيس التنفيذي للشركة في قطاع غزة الى ان في إمكان حركة حماس ان تعرف عن أي شركة يدور الحديث، ولكن اتخاذ اجراءات بحقها قد يجعل العشرات من الاشخاص عاطلين عن العمل ويزيد من فقر عائلاتهم.

ويضيف "غزة صغيرة، والجميع شاهد الاخبار. ولم يقل أحد شيئا".

بعد ان فقد احد أفراد اسرته خلال الحرب الاخيرة مع اسرائيل عام 2014، يبدي الرجل تفهما لرفض غالبية سكان غزة العمل مع اسرائيليين.

ويقول والدمان من جهته ان سياسيين اسرائيليين من اليمين عارضوا الموضوع.

ويضيف "لدينا ايضا بعض الموظفين الذين يملكون آراء سياسية يمينة متطرفة. وقاموا بالتأكيد بالتعبير عن آرائهم".

ورفض العاملون في "ميلانوكس" من قطاع غزة الحديث الى وسائل الاعلام، حتى دون الكشف عن هوياتهم.

ويتم دفع رواتب الموظفين العشرة في الشركة الاسرائيلية عبر شركة فلسطينية من اجل تجنب التوترات.

ويقول والدمان "شعرنا انه من الصعب جدا ان تكون لديهم شركة اسرائيلية هناك. فإن مجرد صاروخ واحد يمكنه تفجير كل شيء".