اسطنبول: لا تقف تركيا التي تبدي معارضة شرسة لإقامة دولة كردية، وحيدة في رفضها تنظيم الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، ولكن من غير الواضح إن كانت مستعدة للمجازفة بالرد بصورة ملموسة.

وتلتقي أنقرة في رفضها للاستفتاء المقرر تنظيمه الإثنين ليس مع حكومة بغداد فحسب بل مع جارتها الصعبة إيران عدا عن حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي.

وحذرت تركيا أكراد العراق بعد سنوات من العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع حكومة كردستان العراق من أنهم سيدفعون "الثمن"، متحدثة عن احتمال فرض عقوبات عليهم بعد الاستفتاء غير الملزم، لكنها لم تفصح عما تعنيه بذلك.

ولا ينفرد غلاة التيار القومي التركي في مقتهم لفكرة إقامة دولة كردية حتى خارج تركيا، وإنما يتفقون في ذلك مع المحافظين وكذلك المعارضين العلمانيين. وهم يخشون أن يعزز حصول أكراد العراق على استقلالهم التام طموحات الأقلية الكردية التركية التي تمثل ربع السكان في تركيا البالغ عددهم 80 مليونا.

في المقابل، يرى الأكراد أنهم أكبر قومية حرمت من الدولة في العالم بعد أن ظلوا مشرذمين بين إيران والعراق وتركيا وسوريا إثر انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ويوجد العدد الأكبر منهم في تركيا حيث يخوض حزب العمال الكردستاني الانفصالي حركة تمرد سعت في الاساس إلى إقامة دولة كردية منذ 1984.

ريبة

ويعيش ملايين الأكراد في إيران التي واجهت كذلك عمليات تمرد متفرقة خاضتها مجموعات مثل "حزب الحياة الحرة الكردستاني". ولطالما تعاونت طهران وأنقرة في قمع انبعاث مظاهر القومية الكردية.

وبعد زيارة استثنائية إلى أنقرة في بداية سبتمبر قام بها رئيس اركان الجيش الإيراني، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن البلدين قد ينفذان عمليات مشتركة ضد المقاتلين الأتراك، رغم أن إيران نفت ذلك.

ويقول الخبير في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز إن مصالح طهران وأنقرة تلتقي حول الحفاظ على سيادة أراضي العراق. ولكن في حين لدى إيران الشيعية وتركيا السنية القدرة على ممارسة ضغوط مشتركة على أكراد العراق، فإن التنافس الإقليمي بينهما والموروث منذ الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، قد يحول دون ذلك.

ويضيف فائز لوكالة فرانس برس "على الرغم من أن الطرفين حاولا البناء على نقاط القلق المشتركة، غير أن الريبة المتأصلة لديهما بشأن مسعى كل طرف للاستفادة من الفوضى، عرقل توصلهما إلى ترتيبات من شأنها إخماد التوتر في المنطقة".

قدرة على الحاق الأذى

وعلى الرغم من غضب تركيا إزاء وجود قواعد لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، عززت أنقرة مبادلاتها التجارية مع حكومة كردستان العراق، وجعلتها في موقع قوة في أربيل حتى بات كردستان العراق أحد أكبر الاسواق المستوردة للبضائع التركية من المواد الاستهلاكية إلى المفروشات.

وتوفر تركيا المنفذ الوحيد لتصدير النفط من كردستان العراق في خط أنابيب يصل إلى مرفأ جيهان.

 ويقول أستاذ السياسات الشرق أوسطية في جامعة ميزوري ديفيد رومانو إن "تركيا في موقع يمكنها من الحاق الأذى بأكراد العراق لو رغبت". ولكن قطع العلاقات الاقتصادية معهم يعني المجازفة بعشرة مليارات دولار سنويا من العائدات التجارية ومن استيراد النفط والغاز ورسوم المرور المهمة بالنسبة لمحافظة الأناضول ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا.

ويضيف أن "تركيا تثير الكثير من الضجيج بإدانتها الاستفتاء، لكن الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو تهدئة خاطر التيار القومي في حزب (العدالة والتنمية) الحاكم".

واختارت تركيا هذا التوقيت لإجراء مناورات عسكرية على الحدود مع كردستان العراق من دون توجيه تهديدات ملموسة بالتدخل العسكري.

أرضية مشتركة

وفي حين التزمت روسيا الحذر، فإن الطرف الوحيد الذي أعلن تأييده للاستفتاء هي إسرائيل التي لطالما أيدت بلا جلبة طموحات الأكراد بصفتهم يشكلون منطقة عازلة غير عربية في مواجهة إيران.

وحثت السعودية الاربعاء قيادة كردستان العراق على التخلي عن الاستفتاءن محذرة من عواقبه.

ويرى محللون ان نمو النزعة القومية الكردية قد يدفع بتركيا حتى إلى البحث عن قواسم مشتركة مع نظام الرئيس بشار الأسد، عدوها اللدود منذ نحو ست سنوات. فدمشق وأنقرة متفقتان على هدف تقويض أي فرصة لقيام منطقة تتمتع بحكم ذاتي في شمال سوريا بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها تركيا "منظمة ارهابية" تابعة لحزب العمال الكردستاني.

ويقول الباحث في مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي آرون شتاين إن أنقرة أعادت ترتيب أولوياتها بشأن الأسد "لصالح جهود الحفاظ على وحدة سوريا".

ويقول مدير مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط غونيل تول إن تركيا وجدت الآن "قاسما مشتركا" مع نظام الأسد في مواجهة وحدات حماية الشعب.