بيروت: تسحب ملكة حربلية برفق طفلًا رضيعًا من حاضنة داخل مستشفى في شمال سوريا وتحمله بين يديها التي تخفي القفازات المعقّمة ندوب إحداها، قبل أن تبدأ إطعامه من زجاجة مملوءة بالحليب.

هجوم حلب

قبل نحو عامين، إضطرت هذه الممرضة الشابة (31 عامًا) مع زملائها الى إخلاء مستشفى مخصّص للأطفال في مدينة حلب بعدما إستهدفته غارة جوية. وتجد نفسها اليوم مجددًا مع الطاقم الطبي نفسه&تعمل داخل مستشفى جديد في بلدة الغندورة في ريف حلب الشمالي الشرقي، الواقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة.

تقول ملكة لوكالة فرانس برس &مرتدية ثوبها الطبي الأبيض في مستشفى الأمل "أفكر بالأطفال أولاً قبل نفسي، لأنهم أمانة برقبتنا. إنهم أرواح صغيرة لا ذنب لها في الحرب".

في نوفمبر 2016، تداول ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو تظهر ملكة وهي تهرول مع أحد زملائها داخل غرفة وضعت فيها حواضن محاولين إنقاذ أطفال رُضع بعدما إستهدفت غارة جوية المستشفى حيث كانت تعمل. وتبدو منهارة في الفيديو قبل أن تعمد زميلتها إلى تهدئتها.

وكان هذا المستشفى الأخير المخصّص للأطفال في أحياء سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة حلب، التي تعرضت لهجوم عنيف إستمر أشهرًا شنّته قوات النظام بدعم روسي، وإنتهى بسيطرتها على الأحياء الشرقية من المدينة نهاية العام 2016 بعد إجلاء عشرات الآلاف من سكانها من مدنيين ومقاتلين.

وبعد خروجها من مدينة حلب باتجاه منطقة أعزاز شمالاً، ظنّت ملكة أن معاناتها إنتهت، قبل أن تجد نفسها بعد ثمانية أشهر ضحية تفجير سيارة مفخخة، لتنتقل الى غرفة العناية الفائقة في أحد مشافي تركيا المجاورة.

ورغم الآلام التي شعرت بها والعمليات العديدة التي خضعت لها، تحتفظ هذه الشابة بابتسامة لا تفارق وجهها فيما تهتمّ بالأطفال أو تحادث زملاءها.&وتقول بفخر "رفاقي في المستشفى أعطوني الأمل كي أعيش، كانت إصابتي خطيرة... وأموري سيئة".

مستشفى الأمل
خارج المستشفى، تظلّل أشجار الصنوبر المدخل حيث يقف الدكتور حاتم مرحبًا بزملائه القادمين قبل أن يعود إلى الداخل لفحص فتاة تتلوى على أحد الأسرة بسبب وجع في البطن.

وفي رواق المستشفى، عُلقت صورة كبيرة للدكتور محمد وسيم معاز، طبيب الأطفال الذي قُتل جراء غارة جوية على حلب في أبريل 2016.

إزاء الغارات الكثيفة وبعد خروج مشفاهم في حلب عن الخدمة، وضع الدكتور حاتم وزملاؤه خطّة تمكّنهم من البقاء سويًا بدون التخلّي عن عملهم في معالجة الأطفال.

يقول الطبيب (32 عامًا)، الذي بات المدير التنفيذي لمستشفى الأمل، مفضلًا عدم الكشف عن كنيته، "كانت فكرتنا أننا أينما نذهب، نريد أن نُنشئ مستشفى للأطفال".

وبعد نحو شهر، تمكنت "منظمة الأطباء المستقلين" السورية ومقرها تركيا بالتعاون مع منظمة "كان دو" البريطانية، من تأمين التمويل اللازم عبر حملة جمع تبرعات على مستوى العالم لإنشاء مستشفى جديد على أن يتيح له هذا المبلغ العمل لعام واحد على الأقل.ويقول حاتم "لم نكن نتخيل أننا سنجد المبلغ كله في ثلاثة أسابيع فقط".

وجرى افتتاح مستشفى الأمل في أبريل العام 2017 في بلدة الغندورة بعد تزويده بالمعدات اللازمة من بريطانيا عبر تركيا ليتحول إلى منشأة طبية مجهزة بالكامل مع تسعة حواضن للأطفال، وعيادة لسوء التغذية ومختبر وغرفة طوارئ.

&يوضح حاتم "لم يكن هناك في المنطقة أي نقطة طبية حين أسسنا هذا المستشفى الذي منح الأمل لسكان وأطفال هذه المنطقة".

غصة

في البداية، كان يجري تحويل النساء إلى مستشفيات أخرى لكن مع مرور الوقت جرى إنشاء قسم خاص بالتوليد والطب النسائي.

ويقول حاتم "بشكل عام، الفريق هو ذاته الذي كان يعمل في (مستشفى) حلب، لكن بسبب حجم العمل الأكبر هنا والإقبال أكثر علينا، إضطررنا إلى زيادة عدد الطاقم" الذي بات يفوق الـ30.&ويستقبل المستشفى خلال شهر ما بين 8500 و9500 حالة قادمين من المنطقة ومحيطها.

يضيف حاتم "مستشفى الامل عبارة &فعلًا عن نقطة امل، جعل الطاقم الذي كان موجودًا في حلب يشعر أنه لا تزال&هناك إنسانية في العالم" جراء التبرعات الكبيرة التي سمحت بإنشائه.

لكن بعد أكثر من عام على تأسيسه، بدأ التمويل بالتراجع مع فشل حملة تبرعات جديدة في تأمين المبلغ اللازم. لكن حلًا آخر يلوح بالأفق، إذا يأمل الطاقم الطبي بتوقيع عقد مع منظمة الأمم المتحّدة للطفولة (اليونيسف) يتيح إستمرار عمل المستشفى لستة أشهر جديدة على الأقل، وفق حاتم.

ويقول المدير الإداري للمستشفى رياض نجار (31 عامًا) لفرانس برس "هناك غصة تلاحقك لانك غادرت مدينتك، لكننا هنا أيضًا لدينا فرصة لأن نخدم الناس".

لا يقتصر عمل المستشفى على معالجة أطفال المنطقة بل يستفيد منه أيضًا الكثير من النازحين السوريين القادمين من مناطق عدة في البلاد بدءًا من مدينة حلب وصولًا إلى محافظة حمص (وسط) والرقة شمالاً.&

ويضيف نجار، جالسًا خلف مكتبه وإلى جانبه شاشة لكاميرات المراقبة عند مدخل المستشفى، "إنه أمر مميز جدًا أن تعود لتقدّم الخدمات الطبية وتعين هؤلاء في حياة النزوح التي يعيشونها".