عادل الثقيل من واشنطن: ربما رأى الكثيرون بيل كوان وهو يصف السلع على رفوف احدى البقالات في مدينة ما غرب الولايات المتحدة، وشعروا بالشفقة على هذا العجوز صاحب الأسلوب اللطيف، لكن بالتأكيد أن لا أحد من هؤلاء سيشك للحظة، أن من يتعاطفون معه، شارك على مدى خمسة عقود وحتى نهاية عام 2015 &في قيادة أكثر عمليات وزارة الدفاع “السوداء وبالغة السرية وغير المعترف بها” في أكثر من 150 دولة، على رأسها تلك الواقعة في منطقة الشرق الأوسط.

وكوان الضابط المتقاعد من المارينز برتبة مقدم وفي منتصف السبعينات من عمره، مختبئ في مكان مجهول غرب الولايات المتحدة منذ نهاية عام 2015 بعد صدور مذكرتي اعتقال بحقه في ولايتي فيرجينا وكارولينا الجنوبية، كان حالة ربما غير مسبوقة في تاريخ العمل الاستخباراتي والعسكري والسري الأميركي، فهو كان وجها إعلاميا بارزا &على مدى 13 عاماً، وفي الوقت نفسه كان “يقود عمليات بالغة السرية وغير معترف بها” للبنتاغون، ولم يكن يعرف بعمله مع وزارة الدفاع إلا أقل من ستة بالحكومات الأميركية!

ونشر موقع "بولتيكو" الإخباري الأميركي تقريراً مطولاً عن كوان الجمعة، الذي كان وقع عقداً مع قناة "فوكس نيوز" عام 2002، ليكون محللاً عسكريا على شاشتها، وهو العام نفسه، الذي اختارته فيه وزارة الدفاع “للمشاركة بقيادة أكبر جيش أسود أسسته في تاريخها لتنفيذ عمليات بالغة السرية وغير معترف بها”!

استغل كوان المحطة الأميركية لتنفيذ احدى المهمات بالغة السرية في الشرق الأوسط انطلاقاً من الأردن في 2011، إذ حصل منها على ما يسمى “بوثيقة تغطية بوصفه محللا فيها”، تمكنه من الإفلات من أي مسألة قانونية، إذا ما التقى بشخصيات تحت المراقبة أو مطلوب على أرض أجنبية.

وتحدثت مراسلة بولتيكو إلى ثلاثة مسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية منهم نائب وزير الدفاع خلال عهد الرئيس باراك أوباما، كانوا على إطلاع على العمل الذي كان يضطلع به المقدم كالون وقيادته لعمليات البنتاغون السرية خصوصاً تلك “الأشد سوادوية التي بدأت عقب أحداث سبتمبر”.

كما تحدثت المراسلة إليه هو شخصياً، لكن عبر رسائل البريد الإلكتروني، بسبب أنه ملاحق بقضايا مالية، ومنها عدم تسديده لـ 273 ألف دولار ألزمته محكمة بدفعها لطليقته وأم ابنته الصغرى.

ولم يجد كوان حرجاً، من الإشارة إلى زيارته إلى الأردن في أحد برنامج قناة فوكس نيوز في السادس من مايو 2011 التي خصصت للحديث عن قرار الرئيس حينها باراك أوباما بسحب قوات بلاده من العراق، لكنه سردها أنها كانت جزءاً من عمله في المحطة “حيث التقى قيادات في الجيش العراقي” تؤيد رأيه بخطأ قرار الانسحاب.

واستغل الرجل الذي يختبئ في شقة غير مفروشة حالياً ودفعه الإفلاس للعمل العام الماضي لفترة وجيزة في صف السلع في بقالة، للقيام بـ 12 رحلة في العام التالي على الأقل لقيادة عمليات عسكرية واستخباراتية بالغة السرية في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً في العراق.

وقال ناطق باسم فوكس نيوز: "إن المحطة لم تعلم بالعمل السري لكوان، وإلا لما كانت تعاقدت معه بسبب تضارب المصالح".

وأبدى مسؤولون أميركيون سابقون كانوا على إطلاع على العمليات التي يقودها ضابط المارينز السابق استغرابهم “من تعمده بالظهور بكثافة بالإعلام في وقت كان يقود عمليات بالغة السرية، وغارق في عالم استخباراتي معقد، فأمثاله دائما يختارون أن يعيشوا في الظل”.

ويقول كوان إنه يعتقد أنّ "صراحته على شبكة فوكس نيوز دفعت وزارة الدفاع إلى التخلص منه"، الذي حدث قبل فترة قصيرة، من إيداعه السجن في نهاية سبتمبر 2015 لمدة 45 يوماً بعد انتهاكه لأمر محكمة، بذهابه إلى ابنته الصغرى من طليقته في مدرستها المتوسطة في ولاية فرجينيا.

وبدأت قصة كوان مع العمليات السرية عام 1966، بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية إذ انتقل إلى فيتنام - في ذروة الحرب -، وعمل ضابطاً وقائداً لفصيل، حيث قضى أكثر من عامين في “منطقة رونغ سات المسماة بغابة القتلة، بسبب انتشار التماسيح والثعابين فيها”.

وفي “فيتنام انضم إلى العمليات السرية الخاصة بوكالة المخابرات المركزية، ولعل أبرزها مشاركته في برنامج العنقاء المثير للجدل الذي كان مخصصا لتصفية الشيوعيين ومؤيديهم الذين فروا إلى الأرياف، باستخدام مليشيات فيتنامية تم تدريبها من قبل البنتاغون والسي أي آيه، وتورطت بعمليات اغتيال وتعذيب واسعتي النطاق”.

بعد العودة إلى الولايات المتحدة، انضم ضابط المارينز إلى الاستخبارات العسكرية. في عام 1983، تم تجنيده في وحدة عسكرية أميركية فائقة السرية تسمى “نشاط دعم الاستخبارات (ISA)”.

وقد تم تكليف المجموعة بتنفيذ عمليات استخباراتية وعسكرية في لبنان التي كانت تمزقها حرب أهلية متوحشة.

وكانت إحدى مهماته المساعدة في تعقب المسؤولين عن تفجير الشاحنة في ثكنات المارينز هناك، والتي قتلت أكثر من 200 عسكري أميركي. “ووضع خطة لضربات انتقامية، لكنه يقول إن كبار ضباط البنتاغون رفضوها”.

وترك كوان الوحدة والجيش عام 1985. وبعد عدة سنوات، وردت بعض العمليات التي شارك فيها في كتاب أصدره الصحافي ستيفن إيمرسون عن كتابه "المحاربون السريون: داخل العمليات العسكرية السرية لعصر (الرئيس الأميركي دونالد) ريجان".

وبدأ كوان فصلًا جديدًا من حياته السرية، لكن هذه المرة في الإطار التشريعي بالتعاون مع السيناتور الجمهوري وارن رودمان، ففي عام 1987، ساعد في كتابة قانون “تأسيس قيادة العمليات الخاصة الأميركية (SOCOM) في تامبا ، فلوريدا. واليوم، تعتبر العمليات الخاصة مكوِّنًا أساسيًا في المعركة ضد الإرهاب”، وينظر إلى قوات الكوماندز الخاصة بها “بوصفهم الأطفال غير الشرعيين في الجيش”.

وعام 1991 ، قام وليام كولبي، مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق الذي كان يدير برنامج فينيكس في فيتنام، بتجنيد كوان للإشراف على مهمة سرية خاصة أنقذت رجال الأعمال الأميركيين الذين تقطعت بهم السبل في الكويت بعد أن غزا صدام حسين البلاد. أصبحت العملية موضوع حلقة في برنامج وثائقي عن قناة ديسكفري تم فيه مقابلة كوان.

لكن التحول الأبرز للمقدم المتقاعد، كان بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث كانت تسعى الولايات المتحدة إلى الانتقام بعد أن قُتل نحو ثلاثة آلاف من مواطنيها دفعة واحدة، حيث شارك في قيادة أكبر “جيش أسود أسسه البنتاغون”، ساهم لاحقاً في تنفيذ عمليات عسكرية وبالغة السرية في مناطق عدة من العالم خصوصاً في أفغانستان والعراق.

وكان كوان ساهم في قيادة برنامج أطلق بين عامي 2005 لدعم المعارضة الإيرانية، حيث ألتقى قيادات منها في 2008.

ورفضت وزارة الدفاع الأميركية الحديث حول الأدوار التي قام بها كوان، وقالت "إن البنتاغون لا يعلق على عملياته السرية".