إزاء السياسة التي ينتهجها دونالد ترمب، لم تعد ألمانيا تستطيع الاعتماد على حماية الولايات المتحدة وليس امام برلين من خيار سوى ان تصبح المانيا قوة نووية، كما يكتب العالم السياسي الالماني كريستيان هاكي في مجلة ناشنال انتريست الاميركية. &

ويرى هاكي ان موقف ترمب شبه المتسلط واستعداده لعقد صداقات مع اعداء عمقت الظنون القائلة إن الغرب مهدد بالتفكك.

فالرئيس ترمب يعامل حلفاء تقليديين مهمين باستهجان، ويندد بهم علناً. وتحت شعار "اميركا اولا" اصبح هؤلاء الحلفاء فجأة عبئاً على كاهل اميركا. وبذلك يدوس ترمب على القيم والمصالح الغربية الأساسية مقامراً بدور الولايات المتحدة في قيادة الغرب. وبدلا من ذلك يقيم صداقات مع حكام دكتاتوريين ويهدر سمعة اميركا.

وبحسب هاكي، فإن الانعزالية والحمائية سمات تتميز بها الولايات المتحدة، وان أُمميتها الليبرالية خلال فترة الحرب الباردة يمكن ان تُعد انحرافاً. وهكذا يكون ترمب متناغماً مع تقاليد اميركية شعبية، وبالتالي فإن ما يفعله ليس جديداً لكنه أحدث ثورة في السياسة الخارجية الاميركية لم يقدم عليها رئيس اميركي منذ الحرب العالمية الثانية.

وألمانيا اول المتضررين بين الحلفاء بهذا التغيّر السريع في السياسة الخارجية الاميركية. فهي كانت حليفة اميركا المفضلة بين الدول الاوروبية لكنها اليوم اصبحت عدوة ترمب رقم واحد. ومثل هذا الانقلاب لا سابق له في تاريخ اميركا الحديث.

وتتعامل المستشارة انغيلا ماركل مع اهانات ترمب بهدوء، ولكن هذا الموقف ليس بديلا عن استراتيجية سياسية عملية.

ولا تقتصر انتقادات ترمب لالمانيا على قلة مساهمتها العسكرية في حلف الأطلسي، بل بسبب المستوى المتدني للقوات المسلحة الالمانية التي تبدو غير قادرة على الدفاع عن المانيا.

ومع ذلك، فإن النخب السياسية الالمانية لا تكتفي بالعمل من أجل عدم الانتشار النووي بل تدعم سحب الأسلحة النووية الاميركية من الأراضي الالمانية والحملة الداعية الى عالم بلا اسلحة نووية.

ويعكس هذا عدم اكتراث الالمان بالسياسة&الدفاعية ونظرتهم الى السلام على انه هو الوضع الطبيعي للسياسة الدولية.

ويُقابل حدوث أزمات دولية بهلع عابر ثم يعود الجمهور الالماني الى موقفه السابق الذي يتسم بعدم الاكتراث. &ويمكن وصف استراتيجية برلين بإغماض العين والأمل بأن تؤول الأوضاع الى الأفضل. ولكن اقامة السياسة الأمنية الالمانية على الأمل وحده قد توقع&اصحابها في مطبات خطيرة.

ويُلاحظ في المانيا وجود مزاج واسع الانتشار من العداء للسياسة الاميركية بين السكان.

ويرى العالم السياسي كريستاين هاكي ان سلوك ترمب النرجسي واسلوبه الفظ يعمقان هذا المزاج بين الالمان. &ولكنهم في غضبهم عليه يفوتهم ان سياسة ترمب تلقى استجابة في الولايات المتحدة أوسع مما يعترف به كثير من الالمان. ذلك ان دبلوماسيته الشعبوية في الصداقة مع زعماء متسلطين اقوياء وابعاد اميركا عن حلفاء "لا فائدة تُرجى منهم" اكثر شعبية بين الاميركيين مما يعتقد كثير من الاوروبيين. فالاميركيون منهكون سياسياً بعد سبعة عشر عاماً من الحرب الفاشلة على الارهاب.

ولكن هذا المنظور يغيب في غمرة الحملة على ترمب في المانيا. ومما يثير القلق بصفة خاصة هو التجاهل التام للتداعيات الخطيرة لمثل هذا الموقف على المانيا في مجال السياسة الامنية.