الاحتجاجات الإيرانية مرشحة للتفاقم بسبب الزخم المتصاعد من رحم المعاناة الاقتصادية والطغيان الاجتماعي. ثمة سؤالان يطرحهما المشهد الإيراني اليوم: ما سر هذا الصعود النسائي إلى صفوف الثورة الأولى؟ وما التداعيات على حزب الله؟

إيلاف من دبي: إيران ترقص على صفيح ساخن، على إيقاع زغردة النساء الإيرانيات اللواتي يتقدمن صفوف الموجات الاحتجاجية في العديد من المدن والنواحي الإيرانية. ولعلّ أيقونتهن التي ذاع صيتها وسرت صورتها على وسائل التوصل الاجتماعي تلك الإيرانية التي وقفت في ناصية شارع بمدينة إيرانية وقد رفعت عن رأسها وشاحها الأبيض وسط المتظاهرين ورفعته راية بيضاء علامةً على الاحتجاج السلمي على طغيان نظام ملالي إيران.

ووفق تقارير غير مؤكدة، اعتقلت الفتاة التي لم يتم التعرف عليها، وتحول المكان الذي وقفت فيه إلى شبه مزار مؤقت، لكن بسبب تشتت المعلومات الواردة من الميدان الإيراني، لا وسيلة موثوقة لتأكيد ذلك.

ولم تكن هذه الفتاة وحيدة في جرأتها إذ شاع مقطع فيديو لفتاة إيرانية أخرى وقفت أمام عناصر الباسيج الإيراني وصاحت "الموت لخامنئي". وفي مقطع ثالث، صرخت متظاهرة بوجه الإيرانيين: "رفعتم قبضاتكم ودمرتم حياتنا (في إشارة إلى الثورة الإسلامية في عام 1979)، والآن نرفع قبضاتنا لإصلاح ما أفسدتم، كونوا رجالًا وانضموا إلينا، وأنا كمرأة سأقف في الصفوف الأمامية لأحميكم".

بلا سند

تقول "فوكس نيوز" في تقرير نشره موقعها الإلكتروني إن النسوة الإيرانيات لا يتزين بالقبعات الوردية ولا بالملابس الثمينة، بل يتعرضن للاعتقال والتنكيل على مرأى العالم ومسمعه، لكن لم يحظين بأي دعم من الحركة النسائية الناشطة على التواصل الاجتماعي وخصوصًا من أمثال تاميكا مالوري وكارمن بيريز وجاناي إنغرام وليندا صرصور، ولم يتم التغريد إلا مرة واحدة عن الاحتجاجات، وجاءت التغريدة من صرصور لكن لا علاقة لها بنساء إيران المحتجات على الإطلاق، بل بالرئيس ترمب: "هل يبدو لي أن ترمب يشيد بالمتظاهرين الإيرانيين وفي الوقت نفسه يمنع الإيرانيين من دخول الولايات المتحدة الأميركية؟"

ما يبدو أنه فات السيدة صرصور، بحسب تقرير فوكس نيوز، هو أن هؤلاء النساء يخاطرن بحياتهن حاليًا ولا يحتجن إلى الحق في القدوم إلى الولايات المتحدة، ولكن إلى الحق في العيش بحرية في بلدهن إيران.

يقول ستيفن ميلر، كاتب التقرير: "أنا أتعاطف مع صرصور والحركة النسائية اليسارية السياسية ومآزقها المفاجئة بدعم هذه النساء الشجاعات. فالنساء في إيران يتخلصن من حجابهن بينما تحاول الحركات النسائية التقدمية في الولايات المتحدة الاحتفاظ به كرمز للتمكين والنسوية".
يضيف: "تتحدى المرأة في إيران الدعم المالي الذي يقدمه النظام إلى حزب الله وحماس بدلًا من الأجور العادلة وحقوق الإنسان. لكن بالنسبة إلى الجماعات النسائية التقدمية، معارضة حماس في مواجهة هذه الاحتجاجات يعني التخلي عن دعم الفلسطينيين".

المرأة سيدة المشهد

في هذه الاحتجاجات، خلافًا للثورة الخضراء في عام 2009، للمرأة دور قيادي، إذ أشار موقع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إلى إنه على الرغم من المناخ القمعي للتظاهر في الشوارع، خرج قرابة 10 آلاف إيراني إلى الشوارع، لافتًا إلى أن دور المرأة الإيرانية في التظاهرات كان حاضرًا بقوة.

ولفت الموقع إلى أنه على الرغم من اعتقال عدد كبير من السيدات الإيرانيات، فإنهن لم يستسلمن، بل ظللن صامدات، واصفا الوضع بالآتي: "المرأة سيدة المشهد."

وبحسب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن السمة البارزة لتلك التظاهرات كانت قمع السيدات بصورة أكبر من الرجال مؤكدًا أن النساء يقدن التظاهرات تحت قيادة مريم رجوى، زعيمة المعارضة الإيرانية.

وتجلى دور النساء في أكثر من 40 مدينة إيرانية، تحولت تظاهراتها إلى أعمال عنف. ففي قم الدينية، أهم مركز ديني في إيران، لم تكتف النساء بالمشاركة فحسب، بل دعت المارة للانضمام إلى الاحتجاجات. وذكر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أن طالبات جامعة طهران شجعن الطلاب الآخرين على المشاركة في الاحتجاجات وعدم الخوف، وضرورة الحفاظ على وحدتهم.

وفي محافظة كرمان، جنوب شرقي إيران، قادت النساء الاحتجاجات وهتفن "الموت للديكتاتور". وفي محافظة أصفهان، وسط إيران، واجهت شابات قوات الأمن، وأخذن يهتفن في الحشود. ودعت المتظاهرات إلى الإطاحة بالنظام، وهتفن مباشرة ضد مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.

مزقت المتظاهرات صور خامنئي، وهتفن بشعارات تدعو الملالي إلى التنحي أو رد الأموال "المسروقة"، متعهدات بالاتحاد في مواجهة قوى قمع النظام. كما تنشط النساء في نشر صور فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر التظاهرات في المدن الإيرانية. في رشت، شمال البلاد، اعتدت قوات الأمن على المتظاهرات.

أين حزب الله

مع الزخم الذي يتولد يوميًا، الاحتجاجات الإيرانية مرشحة للتوسع والتفاقم، والتحول ربما إلى شبه ثورة شعبية تشكل تهديديًا حقيقيًا للنظام الإيراني واستقراره، ما يحمله على قمعها دمويًا، مؤسسًا بذلك لمعارضة إيرانية قوية، يمكن أن تفتح ثغرة واسعة لتدخلات خارجية ربما تعسكر الاحتجاج وتجر إيران إلى حرب أهلية وفق الأنموذج السوري. رب سائل يسأل هنا: ما موقف حزب الله إذ صار مهددًا في وليه الفقيه وممول تنظيمه؟

لا ينسى أحد خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي قال فيه إن ميزانية حزبه ورواتب عناصره وسلاحه وعتاده كلها من إيران، مكررًا نغمة خطاب سابق قال فيه إن حزبه موالي للولي الفقيه في إيران ورهن إشارة الخامنئي.

يجمع المراقبون على أن النظام الإيراني ليس مهددًا بشكل وجودي حتى الآن. وبالتالي، ليس الخطر على حزب الله سياسيًا. في الآونة الأخيرة، لوحظ تراجع في ميزانية حزب الله الإيرانية، إذ حلّ الحزب جماعات موالية له، وتراجعت مخصصات كانت توزع داخل الطائفة الشيعية وفي طوائف أخرى. إلى ذلك، وبحسب تقارير صحفية متقاطعة، سرّح وسائل إعلام عاملة في لبنان وممولة من إيران موظفين وأقفلت مكاتب في خارج لبنان، ما يشي بأزمة مالية تمر بها سبقت التظاهرات الإيرانية، وهي مرشحة للتفاقم في الحالتين: إن اضطر النظام إلى الدخول في حرب داخلية لقمع ما يمكن أن يتحول إلى ثورة عارمة، أو اضطر إلى تنفيذ خطوات إصلاحية اقتصادية جذرية. ففي الحالتين، سيحرم حزب الله، ومثله حماس والحوثيون، من الكثير من مخصصاتهم المالية.

من ناحية أخرى، يلفت مراقبون إلى أمر آخر. فحزب الله ليس حزب لبنانيًا بعد الحرب السورية، بل هو ذراع إيرانية إقليمية، وقالها نصرالله: "نكون حيث يجب أن نكون". لهذا نجده في البحرين، وفي الكويت، وفي السعودية، وفي اليمن. فليس ما يمنع من أن نرى شحنات من عناصر حزب الله ترسل إلى إيران هذه المرة للمشاركة في قمع المتظاهرين، خصوصًا إذا ما وقع محظور عسكرة ثورة الجياع الإيرانية، ما دام عناصر حزب الله قد تمرسوا في هذا النوع من الحروب في الميادين السورية طوال 7 سنوات.