يقول العلماء الألمان إنهم توصلوا إلى طريقة علاجية جديدة للسكري يستفيد منها نحو 30 ألف طفل يصاب بالسكري -1 كل سنة في ألمانيا.

إيلاف من برلين: كتب الباحثون من مركز هيلمهولتز الألماني في ميونخ في مجلة "ترانسليشنال ميديسن" أنهم توصلوا إلى الكشف عن الآلية الأولى للتفاعل المناعي الذاتي الذي يؤدي إلى ظهور مرض السكري عند الأطفال. والأهم أنهم تمكنوا من كبح جماع الجزيئة البيولوجية التي تتحكم بشدة هذا التفاعل المناعي، ونجحوا بالتالي في خفض رد فعل نظام المناعة الجسدي الذي يؤدي إلى السكري.

تلعب الخلايا المناعية المنظمة من نوع "تي -سيل" (التي تسمى أيضاً تريغزTregs) دوراً مهماً جداً في الإنسان السليم، لأنها تكبح جماح التفاعلات المناعية الذاتية التي تتفاقم فجأة في جسم الإنسان. ويمكن لانخفاض عدد خلايا "تريغز" في الدم أن يؤدي بالطبع إلى تفاقم التفاعلات المناعية الذاتية التي تسبب مختلف الأمراض، ومنها السكري-1.

وكتبت الدكتورة كارولين دانييل، ان فريق العمل كشف عن ميكانزم في جسم الطفل يجري فيه كبح جماح خلايا "تريغز" بشكل يؤدي إلى انفلات نشاط نظام المناعة وجعله يهاجم الأنظمة الحيوية الأخرى.

جزيئتان تقرران نشوء السكري-1

وعند التدقيق في آلية حصول هذا الميكانزم، توصلت دانييل، رئيسة قسم السكري في معهد هيلمهولتز في ميونخ، إلى ان جزيئتين خاصتين تحملان اسمي miRNA181a و NFAT5 هما العاملان المقرران في هذا التفاعل.

وما يحدث في المرحلة الأولى من نشوء السكري-1 عند الأطفال هو ان جزيئة miRNA181a تفعّل جزيئة NFAT5 التي تعمل بمثابة ناقل. والنتيجة هي احباط عمل الخلايا المناعية من نوع "تريغز" وتعزيز انفلات التفاعل المناعي الذاتي في جسد الطفل.

وللتأكد من دور تفاعل الجزيئتين في الطور الأول من نشوء سكري الطفال عمدت الباحثة ايزابيلا سير، من معهد هيلمهولتز أيضاً، إلى اختبار هذا التفاعل مختبرياً. وثبت تحت المجهر ان التدخل سلباً لوقف محور miRNA181a/NFAT5 عن العمل لم يؤدِ إلى حصل نشاط مناعي ذاتي يذكر، بل أدى إلى نشوء خلايا مناعية من نوع "تريغز" أكثر. والعكس صحيح إذ أدى تفعيل المحور إلى تفاعل مناعي ذاتي قوي يهدد بإصابة جسم الطفل بالمرض.

علاج واعد

وفي تقرير صحفي نشره معهد هيلهولتز، ونشرته مجلة الطبيب الألماني، كتبت البروفيسورة انيتا غابريلا- تزيغلر، رئيسة معهد هيلمهولتز، ان الكشف عن الميكانزم الأولي لنشوء التفاعل المناعي الذاتي المسبب السكري-1 يفتح افاق العلاج المبكر للأطفال ضد السكري عن طريق كبح جماح جزيئة miRNA181a أو جزيئة NFAT5 أو كلاهما معاً.

واشارت البروفيسورة أيضاً إلى إمكانية استخدام جزيئات مماثلة تنتج مختبرياً في العلاج مستقبلاً، أو التوصل إلى نتائج أفضل عن طريق مزاوجة كبح محور miRNA181a/NFAT5 بالعقاقير السائدة التي تكبح نشاط نظام المناعة.

 وسبق للباحثة تزيغلر أن كتبت في مجلة "الجينات والمناعة" سنة2014 ان نوع السكري1، الذي يصيب الأطفال، ينشأ نتيجة قيام نظام المناعة الجسدي بمهاجمة خلايا بيتا، التي تفرز الانسولين، ويقتلها. وقالت إنها تبحث في التفاعل المناعي الأولى الذي يسبب ذلك.

وكتب العلماء الألمان من معهد هيلمهولتز في مجلة "ترانسليشنال ميديسن" ان الخطوة التالية ستكون اختبار طريقة العلاج في تجارب "قبل سريرية". وهذا يعني تجربة الطريقة في المختبر على أنسجة حية قبل استخدامها مع البشر.

وسيجري في هذه التجارب كبح محور miRNA181a/NFAT5 كطريقة علاجية، ومزاوجة هذه الطريقة بالعلاج بالانسولين بهدف التوصل إلى أفضل صيغة علاجية لوقف التفاعل المناعي الذاتي المسبب لسكري الأطفال.

وطبيعي سيراقب الباحثون عن كثب كيفية انعكاس هذا العلاج على الخلايا التي تفرز الأنسولين في البنكرياس.

ومعروف ان سكري الأطفال هو من أخطر وأشد أنواع السكري التي تصيب الإنسان. ونجح العلماء في السنوات الأخيرة في تشخيص 12 جيناً يساهم مباشرة في نقل داء السكري، وخصوصا السكري1، من الأهل إلى الأطفال. ويعتبر هذا النوع المبكر من المرض من أخطر أنواعه وأكثرها انتشاراً في الأونة الأخيرة في العالم، وفي البلدان الصناعية أساسا.

وذكر العلماء، من معهد دراسات السكري الألماني، انهم نجحوا في ابتكار فحص جديد يمكن أن يكشف عن الجينات الـ12 في دماء الأطفال الحديثي الولادة. ويكشف هذا الفحص مدى استعداد الطفل الوراثي للإصابة بمرض السكري1، كما يمهد لإنتاج لقاح يمكن له، على الأقل، ابعاد شبح السكري المبكر عن الأطفال، وتقليل مخاطر الأعراض عليهم مستقبلا. ويمكن لمثل هذا اللقاح بالطبع أن يوقف الانتشار المقلق للمرض بين الناس.