تفتقد أغلبية محللي الاستخبارات الأميركية إلى التواضع وتقبل وجهات نظر غير التي يؤمنون بها، وهذا ما يقودهم في معظم الأحيان إلى ارتكاب الأخطاء الكبيرة. صحافي استقصائي يقرأ هذه الظاهرة من جوانبها المختلفة.

إيلاف من واشنطن: يسبر لي فران، المحقق الصحافي الحائز على جائزة إيمي ومؤسس موقع (Code and Dagger) الإخباري الذي يتناول الشؤون الخارجية والأمن القومي، أغوار تقويمات الاستخبارات، فيشرح في تحليله أدناه كيف يؤدي الغرور الضارب في محللي الاستخبارات وخبرائها إلى أن يكونوا أكثر عرضة للأخطاء.

لا تواضع

بحسب فران، كتب محلل في وكالة الاستخبارات الدفاعية أخيرًا أن مجتمع الاستخبارات الأميركية يفيض بمحللين يصفون أنفسهم بأنهم "خبراء مختصون"، يمكن غياب "التواضع" عندهم في بعض الأحيان أن يشوّش على حكمهم على القضايا الحرجة. وهذه حجة يتجادل بشأنها محللان سابقان في وكالة الاستخبارات المركزية، على الأقل في ما يتعلق بوكالتهما القديمة.

في كتاب "دعوة لمزيد من التواضع في تحليل الاستخبارات"، الذي ألّفه جون موهر، المحلل الحالي في وكالة الاستخبارات الدفاعية، ونشرته مجلة الدراسات الاستخباراتية غير السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، يحاول موهر إثبات أن طبيعة جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، والضغط لأن تكون الأذكى عندما يتعلق الأمر بموضوع معين، أمور تجعل من الصعب على المجتمع إجراء تقويم صادق لخبرة الخبير في الأمور اليومية.

في هذا الإطار، كتب موهر: "خلال 13 عامًا من خبرتي في مجتمع الاستخبارات، ثمة حفنة من المحللين فحسب أعتبرهم خبراء حقيقيين".

أي خبير مختص؟

بحسب موهر، غالبًا ما يستخدم مصطلح "خبير مختص" داخل الحكومة لزيادة أهمية المحلل الفرد أو الوكالة التي يعمل فيها، "ويجعل المحللون الاستخباراتيّون سمعتهم تعتمد على معرفتهم المختصة، إضافة إلى التقنيات المتينة ومهارات الاتصال المصقولة. لا يريد أي محلل أن يُقدم في أي اجتماع بوصفه مبتدئًا في شؤون كوريا الشمالية، ولا يرغب أي مدير في رفض مهمة لأن مكتبه يفتقر إلى الخبرة، لكنّ مجتمع الاستخبارات يحتاج إلى التنبّه من خطورة تطبيق لقب "خبير مختص" على نطاق واسع، والنظر في ما يمكن أن يمثل خبيرًا فعليًا".

يفسّر موهر أن لهذه الظاهرة تأثيرا جانبيا خطيرا: "يمكن الخبراء أن يتعلقوا بشكل جدي بتحليلهم الشخصي".

يتابع: "ربما تؤدّي الضغوط التي يواجهوها المحللون لتلبية طلبات صناع السياسات إلى غطرسة هؤلاء المحللين. في بعض الأحيان، تصبح آراؤهم راسخة فيهم، فيفقدون الرغبة في الاستماع إلى وجهات نظر بديلة".

الحيطة والخطأ

غير أن اثنين من محللي الاستخبارات السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أخبرا موقع ريل كلير لايف "RealClearLife" أنه في الأقل، عندما يتعلق الأمر بوكالة الاستخبارات المركزية - وهي واحدة من 17 منظمة في مجتمع الاستخبارات الواسع - فهما لا يوافقان موهر في تقويمه مسألة عدم التواضع. وقالا إن الحيطة عامل موجود تقريبًا في كل ما يفعله محللو وكالة التجسس عمدًا.

يقضي معظم المحللين الاستخباراتيين في وكالة الاستخبارات المركزية الكثير من الوقت في التفكير كيف يمكن أن يكونوا على خطأ. في هذا السياق، كتب دينيس غليسون، مدير سابق للاستراتيجيا في مديرية التحليل التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في رسالة بالبريد الالكتروني: "يُحفر تاريخ وباثولوجيا الفشل والمفاجآت الاستخباراتية فيهم بعد تدريبهم التحليلي الرسمي. فلغة التحليل كالفجوات في جمع البيانات والشكوك والمتغيرات والسيناريوات والمعالم تدور كلها حول قيود التحليل".

يقول غليسون، وفقًا لخبرته: "لا وصمة عار مرتبطة بأن الشخص وافد جديد في مسألة معينة، وغالبا ما يكون رأي غير الخبير ذا قيمة، لأنّه يشكل تحديًا صادقًا لافتراضات اعتُمدت طويلًا".

فنٌ.. ليس علمًا

في السياق نفسه، تشير ندى باكوس، وهي محللة سابقة عملت طويلًا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إلى أن عملية إنتاج منتوجات الاستخبارات الجاهزة في الوكالة تتطلب التنسيق مع الأقران والإدارة، ما يؤدي بشكل مؤكد تقريبًا إلى المعارضة أو الخلافات.

تعتقد باكوس أن موهر يخلط "التواضع" مع التنفيذ السليم لتقنيات "التحليل الاستخباراتي"، في الاقل بالطريقة التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية للقيام بذلك.

قال غليسون، الذي كان تركيزه السابق في وكالة الاستخبارات المركزية على التحديث والتحويل التحليلي، إنه لم يعرف محللًا "شعر أنّه يملك تبصرًا كاملًا في القضايا التي تابعها"، وهذا جيد.

ولفت إلى "أنّ التحليل فن، وليس علمًا. نادرًا ما تسمع المحلل يتحدث في المطلقات. إنهم يعيشون في عالم يتكون تمامًا من ظلال الرمادي. إذا لم يتطلب ذلك درجة معينة من التواضع، فأنا لا أعرف أي أمر يتطلّبها".