لندن: تبحث غالبية الفنانين عن الضوء مثل الفراشة التي لا تستطيع ان تقاوم ضوء القنديل. ولكن الفنان البريطاني سام ونستون يعمل بالاتجاه المعاكس ويقول إنه أقام آصرة قوية بينه وبين الظلام. وبحسب ونستون، فإن هناك "شيئاً عميقاً جداً، شيئاً بيولوجياً جداً في تفاعلنا مع الظلام". 

نال ونستون (39 عاماً) اعجاب الجمهور والنقاد بأعماله المعروضة في متحف تيت بريطانيا والمكتبة البريطانية ومتحف الفن الحديث في نيويورك. وكثيراً ما يتسم نتاجه بالطباعة الجميلة، ولكن مشروعه الجديد يستعيض عن النص ذي الطباعة الأنيقة بتخطيطات يرسمها في الظلام معتاشاً خلال ذلك على "أغذية مجففة وحبوب". 

في عام 2015 بادر ونستون إلى تعتيم مشغله في منطقة هاكني وسط لندن، حيث أقام سبعة أيام بلياليها ليقضي مثلها في السنة التالية. ويقول الفنان إن الغذاء لم يكن اولوية عنده، وانه كان يريد "استكشاف مشهد اللمسة والصوت"، مؤكداً ان الظلام يحدث تغييراً في الوعي ويؤدي إلى خبرات حسية تتعدى حاسة النظر. 

واكتسب المشروع زخماً إلى ان تكلل بمعرض لعمل ونستون يستوحي الظلام في مركز ساوثبنك وخبرة سينمائية استغراقية في غاليري وايتشابل في لندن. 

 

عمل فني من معرض لعمل ونستون يستوحي الظلام

 

غارق في الظلام

المعرض نتيجة تعاون مع ثلاثة من كبار الشعراء البريطانيين هم الفائز بجائزة تي. أس. اليوت وجائزة مان بوكر العالمية جورج شيرتس ورئيسة تحرير مجلة شعر اميلي بيري والشاعر الشاب كايو تشينغوني الذي جاءت مجموعته الأولى بالمركز 11 على قائمة الديلي تلغراف لأفضل 50 كتاباً في 2017. 

تطوع كل من الشعراء الثلاثة للاقامة في مشغل ونستون الغارق في الظلام، حيث كانوا يرددون عبارات في جهاز تسجيل وهم يحاولون ان يفهموا ما يحدث عندما يتلاشى الضوء وتتصاعد الموسيقى. 

في البداية كان الشعراء الثلاثة متوجسين. ولكنهم سرعان ما استرخوا لأن العملية بيولوجية وبصرف النظر عن شعور الشخص باليقظة فإنه يغمض عينيه لأن الظلام يوحي اليه بالليل فيفرز الجسم مزيداً من هرمون ميلاتونين المسؤول عن تنظيم الايقاع الحيوي. وعندما يحدث افراز الهرمون يبدأ الاحساس بالنعاس. ونام اثنان من الشعراء الثلاثة في غضون ساعة من وجودهم في المشغل المعتم، كما قال ونستون. 

تطهير الحواس

فعالية ونستون الأدائية والسينمائية الاستغراقية في غاليري وايتشابل ليست محاولة لنسخ خبرات الشعراء الثلاثة في ظلام المشغل. وبدلاً من ذلك يريد الفنان ان يؤكد ان ما يهمه هو فكرة الانتباه حين يواجه المرء تغييراً موقتاً بصورة مفاجئة. 

وهو يعترف بأن اختيار البقاء فترة معينة في الظلام خبرة تختلف عن "وجود الشخص في الظلام بالاكراه حين لا يكون امامه خيار آخر". ويقول ونستون ان قضاء "نصف ساعة" فقط تنصت خلالها بانتباه في الظلام "يمكن ان يجعلك تلاحظ اشياء". 

في مكتبة الشعر بمركز ساوثبنك يجرب الزوار ذلك بأنفسهم من خلال الاستماع إلى قصائد الشعراء الثلاثة في غرفة مظلمة تماماً صممها ونستون. وبحسب ونستون، فإن ذلك اشبه بالحمام التركي للعينين. وفي عصر المعلومات الذي نعيشه يكون الظلام "طريقة مفيدة حقاً لتطهير بعض حواسنا من السموم بدلا من تطهير الجسم". 

وسواء في الجلسات الشعرية داخل غرفة مظلمة في مركز ساوثبنك أو الفيلم الذي يُعرض في غاليري وايتشابل، فإن ونستون لا يعتبر عمله غاية بحد ذاتها بل اداة لشحذ انتباه المشاهد قائلا "إن النجم الرئيسي للعرض هو الظلام، والهدف هو ان جمهور الحاضرين حين يدخلون الظلام يصبحون أكثر وعياً بحواسهم وبصوتهم. فأن تكون وحدك مع افكارك يمكن ان يشكل تحدياً، ولكن هذا هو جوهر المشروع: ان تجد نفسك في الظلام". 

اعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي: 

http://www.telegraph.co.uk/art/artists/meet-visual-artist-works-total-darkness/