ما زال قصر جياني فيرساتشي ومكان مقتله ثالث البيوت الأكثر تصويرًا في الولايات المتحدة بعد البيت الأبيض وبيت إلفيس بريسلي. وهذا تحفة فنية من الديكور الداخلي الذي بقي بلا تغيير يُذكر منذ مقتل فيرساتشي قبل عقدين من الزمان.

في يوليو 1997، قُتل جياني فيرساتشي رميًا بالرصاص على درجات المدخل الأمامي لقصره في ميامي. وفي وقت لاحق من يناير الحالي، يُعرض المسلسل التلفزيوني لاغتياله "قصة جريمة اميركية: اغتيال جياني فيرساتشي" من إخراج راين ميرفي على شبكة أف أكس الأميركية. لكن عائلة فيرساتشي غير راضية، وهي خرجت عن صمتها لتعلن أن المسلسل ذا التسع حلقات "عمل من نسج الخيال". 

تاريخ مثير

لكن لقصر كاسا كاوسارينا، كما كان المنزل يُعرف في الأصل، تاريخًا مثيرًا بذاته. ففي عام 1926، انفجرت فقاعة البناء والانتعاش العقاري التي شهدتها ميامي في عشرينيات القرن الماضي.

 

قصر كاسا كاوسارينا

 

وأتى الكساد العظيم في عام 1929 على ما تبقى من إقبال على الاستثمار في عقارات المدينة، لذا كان من غير المعتاد أن ينفذ أحد مشروعًا إنشائيًا في ميامي وقتذاك. لكن أولدن فريمان لم يكن شخصًا اعتياديًا؛ إذ تقاعد في سن السابعة والعشرين معتمدًا على ما ورثه من والده الذي كان مدير حسابات شركة ستاندارد أويل النفطية، لمالكها جون روكفلر. 

خلال رحلات فريمان في الخارج، أبدى اهتمامًا بكريستوفر كولومبس. وبعد زيارة قصر كولومبس الذي بني في عام 1510 في جمهورية الدومينيكان، قرر فريمان أن يبني نسخة منه في ميامي، بل أخذ طابوقتين من القصر الأصلي المدرج الآن على قائمة التراث العالمي لليونسكو. وسُمي القصر الجديد كاسا كاسوارينا بوحي من رواية سومرست موم "تحت شجرة الكاسوارينا". 

قرر فريمان تزيين القصر بتماثيل نصفية لقيصر وكليوباترا وسياسيين من ذلك الزمن، مثل لينين وموسوليني وشخصيات مثل جين آدمز قائدة النضال من أجل حق المرأة الأميركية في التصويت. وأراد فريمان أن يستضيف في المنزل أصدقاءه من البوهيميين والصعاليك الذين صادفهم في رحلاته. 

عمارة منيفة

بُني كاسا كاسوارينا عمارة منيفة من 24 شقة لهؤلاء الأصدقاء. لكن فريمان لم يعش طويلًا للتمتع بفردوسه البوهيمي وتوفي في عام 1937 بعد مرض عضال. وسرعان ما بيع المنزل إلى جاك امستردام الذي دفع 100 ألف دولار (1.7 مليون دولار بأسعار اليوم) وغير اسمه لقصر أمستردام. واخذ يؤجر غرفه مقابل 600 دولار في الشهر خلال موسم الشتاء عندما كان السياح يتوافدون على اجواء ميامي الدافئة مقابل 30 دولارًا في موسم الصيف. 

 

 

بقي قصر أمستردام كما هو عمليًا خلال خمسين سنة تالية، لكنه بيع في عام 1989 بسعر 1.1 مليون دولار. وفي عام 1992، كانت دوناتيلا فيرساتشي تعمل مع المصور الفوتوغرافي بروس ويبر على تنظيم حملة إعلانية في ميامي حين توقف شقيقها جياني في المدينة لزيارتها قبل أن يواصل رحلته إلى كوبا. 

وراقت له المدينة حتى قال لاحقًا: "إنه الحب من أول نظرة". قرر البقاء في ميامي بدلًا من التوجه إلى كوبا. وفي أثناء نزهة مع شقيقته في منطقة ساوث بيتش رأى كاسا كاسوارينا. وتتذكر دوناتيلا انه وقف أمامه وقال: "أُريد هذا المنزل". 

 

 

اشترى فيرساتشي المنزل بأكثر من ضعف سعره الأخير دافعًا 2.95 مليون دولار. وفي صيف 1992، بدأت أعمال تجديد في المنزل. وخلال عام، اشترى فيرساتشي فندق ريفير المجاور بسعر 3.7 مليون دولار بهدف تهديم المبنى الذي يعود إلى عام 1950، والمسجل على قائمة الأماكن المحكمية لتحويله إلى حديقة خاصة وبركة سباحة. 

بوابات مزينة

مضى فيرساتشي قدمًا بخطته، وكانت صحيفة نيويورك تايمز من الصحف التي غطت الفضيحة. كانت مشروعات فيرساتشي لمنزله في ميامي متواضعة، قائلًا إنه منزل اشتراه ليقرأ فيه روايات ترومان كابوتي. لكن ما أجراه من تغييرات على كاسا كاسوارينا لم يكن متواضعًا بالمرة. وترك فيرساتشي بصمته على كل غرفة وزاوية من المنزل بما أضافه من جداريات وأثاث صناعة يد بحسب الطلب وتماثيل رومانية ويونانية في كل ركن. لكنه حافظ على الممرات والأبواب السرية التي أقامها فريمان قبله لتسريع الحركة في أرجاء القصر. كان أحد الممرات يربط غرفة نوم فيرساتشي بالقاعة الترفيهية. 

 

 

كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أوائل التسعينيات، فإن "فيرساتشي لم يضع منطقة ساوث بيتش على الخريطة، لكنه اضاف ختم الموافقة وبعده أصبحت مادونا وسيلفستر ستالون من المترددين بالانتظام على المنزل وفتحت شركات التلفزيون والموسيقى مكاتب في المنطقة وانضم اليهم أصحاب فنادق عالمية مشهورة".

حتى قبل مقتل فيرساتشي، كان المارة يتوقفون لإلقاء نظرة على البوابات المزينة لقصر كاسا كاسوارينا وكانت عارضات أزياء يتطلعن إلى الشهرة يتركن صورهن في الباب، عسى أن تثير اهتمام فيرساتشي. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن السياح كانوا يقفون أمام البوابات في كل الساعات لالتقاط صور أي شخص يصادف أن يكون موجودًا، حتى لو كان ساعي البريد. 

في 15 يوليو 1997 انتهت الحفلة. كان فيرساتشي عائدًا من المقهى الذي يتردد عليه في الصباح عادة، ومعه ثلاث مجلات. كان في الخمسين من عمره حين قُتل أمام منزله. 

 

 

سعر باهظ

في صيف 2000، انتقل خبراء من دار سوذبي للمزاد إلى كاسا كاسوارينا بصورة مؤقتة. وقالت تقارير إن المنزل لم تمتد إليه يد عمليًا خلال السنوات الأربع بين مقتل فيرساتشي وقرار شقيقته بيع المنزل. كان برنس الحمام ما زال معلقًا في مكانه ونسخة من مجلة فانيتي فير على السرير، لكن دم فيرساتشي مُسح من درجات المدخل.

استغرقت عملية البيع ثلاثة أيام في أوائل أبريل 2001، واشتراه قطب قطاع الاتصالات بيتر لوفتين الذي دفع 19 مليون دولار. وهم سعر باهظ مقارنة بـ 2.95 مليون دولار التي دفعها فيرساتشي، لكنه بخس إذا عرفنا أن مصمم الأزياء انفق 33 مليونًا على المنزل. وخلال العقدين التاليين، أصبح مصير المنزل انعكاسًا لدورات الانتعاش والركود التي لم تحدد وجوده فحسب، بل هزت العالم ايضًا.

في عام 2012، عرض لوفتين المنزل للبيع بسعر خرافي قدره 125 مليون دولار، خُفض لاحقًا بمقدار النصف تقريبًا إلى 75 مليون دولار. ومع ذلك، لم يتقدم أحد لشرائه. وفي العام التالي اشهر لوفتين إفلاسه وعُرض المنزل للبيع بالمزاد. 

جرى المزاد في المنزل نفسه في سبتمبر 2013، وكان بين المزايدين دونالد ترمب، الرئيس الاميركي لاحقًا، الذي أرسل نجله إريك لينوب عنه في عملية التنافس على شراء المنزل. 

تغيرت ميامي

خسر ترمب، وبيع المنزل إلى عائلتي نقاش وغندي مقابل 41.5 مليون دولار بعد أن انسحب إريك عند عتبة 40 مليون دولار. وصرح ترمب لصحيفة ميامي هيرالد أن سعر المنزل كان 25 مليون دولار في تقديره وانه نظر اليه بصفته ملاذًا صغيرًا، لكن "ليس شيئًا بالغ الأهمية". 

قالت عائلتا نقاش وغندي انهما أرادا حماية أُرث فيرساتشي حين اشتريا المنزل بنية تحويله إلى فندق. وكانتا عند كلمتهما. وعلى الرغم من انهما لم يحصلا على موافقة لاستخدام اسم فيرساتشي، فإن المالكين الجدد حافظوا على ديكوراته الداخلية. ويستطيع من يقيم في فندق كاسا كاسوارينا التمتع بتواليت ذهبي على الرغم من أن المقعد من البلاستيك وحمام يستع لعشرة اشخاص، مع منظر الجداريات وبركة السباحة المرصوفة بالموزائيك مقابل 850 دولارًا على الأقل في الليلة. وكان المغني جاستن بيبر من الذين اقاموا فيه. 

سيفتح مرفي بمسلسله التلفزيوني "قصة جريمة اميركية" قصر فيرساتشي لآلاف العيون الفضولية ولكن ميامي ذلك الوقت لن تعود. وكما قالت دوناتيلا: "بعد موت جياني، تغيرت ميامي ولن تعود أبدًا كما كانت". 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "ديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
http://www.telegraph.co.uk/tv/2018/01/10/meet-real-star-american-crime-story-gianni-versaces-mansion/