انخفض صوت المرأة اليوم عنه قبل عقود من السنين بشكل ظاهر. ويقول العلماء الألمان إن ذلك لا يمكن تفسيره على أسس بيولوجية، لكن يقولون إنه دليل على تمكن المرأة وعلى جدارتها ورفعة مكانتها في مجتمعها.

إيلاف من برلين: تغير دور المرأة في المجتمع كثيرًا على مر العقود، وصارت تتبوأ المراكز السياسية والاقتصاية والاجتماعية العليا. ويبدو أن تحرر المرأة على هذا النحو، وخصوصًا في البلدان الصناعية المتقدمة، ما عاد يتطلب منها الحديث بنبرة عالية كانت تتحدث بها في السابق.

تقول دراسة ألمانية جديدة أصدرتها جامعة لايبزيغ الطبية، في شرق ألمانيا، إن المرأة صارت تتحدث بنبرة أقل حدة مقارنة بالعقود السابقة، بل إن البنات الصغيرات في فرق الغناء المدرسية صرن يغنين بصوت ونبرة أرخم.

وخلص الباحثون الألمان إلى نتيجة مفادها أن نبرة المرأة تسجل اليوم 165 هيرتز بعدما كانت تسجل 225 هيرتز قبل 40 إلى 80 سنة. ولأجل التوصل إلى هذه النتائج، درس العلماء نبرة صوت 2500 امرأة، من أعمار ومهن ومشارب اجتماعية مختلفة، وقارنوها بنبرة صوت المرأة قبل عقود.

بعد ذلك، درس متخصصون أسباب هذه الظاهرة الصوتية عند المرأة، وتوصلوا إلى أن لا علاقة لها بالتطورين البيولوجي والمناخي، وإنما بتحرر المرأة التدريجي طوال العقود الماضية، وخروجها عن الهيمنة الذكورية إلى مواقع العمل. يضيفون: "تغيير دور المرأة في المجتمع، بشكل عام، أدى إلى انخفاض نبرتها".

جواب كامل أقل
ذكر الباحث ميشائيل فوكس، رئيس قسم الأصوات والنبرات في جامعة لايبزيغ الطبية، أن صوت الأنثى انخفض بمقدار "جواب كامل" خلال السنوات المائة المنصرمة.

تدور ترددات صوت الرجل حول 110 هيرتز على المستوى العالمي، بينما يبلغ هذا المعدل عند النساء نحو 220 هيرتز. أضاف فوكس أن انخفاض صوت المرأة إلى 165 هيرتز فقط يعني أن صوتها انخفض بمقدر "جواب" كامل، أو لنقل طبقة صوتية.

تشير "ويكيبيديا" إلى أن الجواب يشير اصطلاحًا إلى النغمات أو الطبقات الصوتية التي يكون ترددها أو مجالها الموسيقى في أعلى نهايات سمع الأذن البشرية، وهو يشير في الموسيقى إلى النوتة الموسيقية المرتفعة، أي الحادة.

من أمثلة أصوات الجواب نغمات الغيتار، وصوت الأنثى، وصوت الفتيان الذكور...إلخ. وعادة ما تكون الترددات التي يتم تعديلها بمفاتيح ضوابط طبقات القرار في الأجهزة الموسيقية السمعية بما يزيد على 2 كيلوهيرتز. والجواب، بهذا الوصف، يعني ازديادا نسبيا في عدد اهتزاز النبرات الصوتية، وربما يعني عرفًا السؤال الموسيقي الذي يوحي بعدم اكتمال الحدث. وهناك أيضًا جواب الجواب، ويعني طبقة صوتية أعلى من الجواب، لكن أقل من القرار.

يتخصص هذا القسم الصوتي في جامعة لايبزيغ في دراسة الأصوات البشرية السليمة بين البالغين منذ عام 2005. ويعتمدون على دراسات مماثلة تجري في مختلف بلدان العالم منذ 100 عام، بحسب معطيات الجامعة. كما يدرسون التغيّرات الصوتية بالعلاقة مع الأمراض العالمية السائدة، مثل السكري وجلطات القلب والاكتئاب والبدانة وغيرها، ومع التغيّرات البيولوجية والبيئية الجارية.

لا تغييرات تشريحية وهرمونية
أشار فوكس إلى أن نبرة المرأة صارت تنخفض إلى مستوى نبرة الرجل الصوتية في العقود الأخيرة، وهذا لا يمكن تفسيره على أساس بيولوجي.

درس فريق العمل إذا كانت لهذا التغيير علاقة بعادات التغذية والتغيّرات المناخية والبدانة وطول القامة (لأن البشر صاروا أكثر طولًا كمعدل). يقول فوكس إنه تم إغفال هذه العوامل، لأنها لم تؤثر في صوت الرجل ولم تقلل نبرة صوته، ولا يمكن لهذه العوامل أن تؤثر في صوت الإناث فحسب.

كما لم يثبت وجود أي أدلة تشريحية في حنجرة المرأة والحبال الصوتية يمكن أن تبرر هذا الانخفاض في النبرة. ولم تلعب التغيّرات الهرمونية التي تسبب التغيّرات في الصوت عند الانتقال من الطفولة إلى الشباب مثلًا، عند الجنسين، أي دور في العملية.

وفحص العلماء مستويات الهرمونات في جسم المرأة وقارنوها بمعدلات الهرمونات في جسدها قبل 50 عامًا، وتوصلوا إلى عدم وجود تغيير في هذا المجال أيضًا.

تعبير عن الجدارة
يؤكد العلماء هنا أن انخفاض صوت المرأة يعبّر عن تغيير دورها في المجتمع. وقال فوكس إن النساء اليوم أكثر ثقة بالنفس وأكثر كفاءة وأكثر نجاحًا في العمل، يتلقين مرتبات أفضل كثيرًا من قبل.

يعبّر انخفاض ترددات صوت المرأة عن الجدارة، بحسب تقدير باحثي لايبزيغ. ويوفر الحديث بهذه النغمة اليوم للمرأة الثقة بالنفس والصدقية. ويتعامل البشر في العادة مع الأصوات الأرخم باحترام وود وبشعور بالاطمئنان، في حين تعكس النبرة العالية شعورًا بعدم الأمان وبالضعف والانفعال والدفاع عن النفس.

أخيرًا، صار صوت المرأة الرخيم بطاقة دخولها إلى عالم الأعمال. ويشعر الرجال بالاحترام، بل وبالرهبة، أمام النساء اللواتي من ذوات الصوت هادئ النبرة. بينما يجد الرجال الصوت النسائي الحاد مثيرًا للأعصاب، ودليلًا على السذاجة والعدوانية.