الرباط: تجاوزت نسبة المغاربة الذين شاركوا في استفتاء "إيلاف المغرب" الاخير، ال90 في المائة معارضين ضخ حكومة بلادهم، أموالا عمومية لتغطية عجز صندوق تقاعد البرلمانيين، على إثر الكشف عن نقص حاد في احتياطه النقدي، ما أدى إلى توقيف صرف المستحقات للمستفيدين ممن مثلوا ناخبيهم تحت القبة التشريعية خلال الولايات التشريعية السابقة، وذلك منذ شهر أكتوبر الماضي.

وليس مستغربا أن ترفض غالبية المستجوبين الذين شاركوا في استطلاع "إيلاف المغرب " القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بطلب من رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، بعد أن لقي الإجراء المتخذ، معارضة واسعة من فاعلين سياسيين وحقوقيين وجمعيات المجتمع المدني، بينما انقسمت الأحزاب الممثلة في البرلمان حياله، بين مدافع ومطالب بحل عاجل وعادل للمشكل قبل استشراء حملة النقد الذي تغذيه شبكات التواصل الاجتماعي، ويسيء إلى سمعة المؤسسة التشريعية التي توصف من قبل المحتجين، بأسوء النعوت في كتابات شعبوية وتحريضية، لا يميز أصحابها بين الحق والباطل.

وينظر المعارضون إلى تنفيع نواب الأمة بمعاشات قبل بلوغهم سن التقاعد ، خلافا لباقي المستخدمين في القطاعين الخاص والعام؛ شكلا من أشكال الريع، لا ينبغي أن يقبله من يفترض فيهم الدفاع عن مصالح الشعب ؛ خاصة إذا تركوا الحياة البرلمانية وهم صغار السن، يمكنهم الانخراط في دورة الشغل من جديد ؛ بمعنى أن الاعتراض ليس على مبدأ الحق في المعاش في حد ذاته وإنما متى وكيف تتم الاستفادة منه؟ بأن لا يتم تمويله من المال العام ، وإنما من أقساط تخصم من التعويض الشهر ، الممنوح لممثلي الأمة ، لتدخرإما في صندوق خاص محدث أو يتم التفاوض مع الصندوق المغربي للتقاعد ( النظام العام ) أو مع شركات خاصة للتأمين ، بإيجاد د صيغة متفاوض عليها ،تتوقف الدولة بموجبها عن تغطية العجز الذي سيتكرر دائما في ظل النظام الحالي.

ودون تحميل المسؤولية لطرف دون آخر، فإن نظام المعاشات البرلمانية في المغرب ، يعد استثناء بين سائر الأنظمة المعمول بها في العالم، بل يمكن وصفه بريع سياسي لا غبار عليه؛ سكت عنه السابقون ويستفيد منه الحاليون من وصلوا إلى المؤسسة التشريعية بتصويت ديمقراطي أو بوسيلة الغش والتدليس الذي ساد في فترات سياسية ماضية.

وفي هذا الصدد، لوحظ انقسام البرلمانيين بخصوص "المعاش" فمنهم من وصفه بالمكتسب التاريخي، لا ينبغي التفريط فيه، ومنهم من دافع عن فكرة الإصلاح الشامل أو المتدرج على الأقل للنظام، يخفف عن الدولة في النهاية عبئا ماليا سيرتفع مع مرور السنوات، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مزيد من الاحتجاج في ظل الأزمة الاجتماعية ؛ بل إن المنتقدين الغاضبين يتساءلون عن ضرورة المؤسسة التشريعية برمتها ؛ مادام المنتخبون حريصين على مصالحهم الشخصية ، يتسابقون عليها ، ناسين دورهم الأساس المتمثل في الدفاع عن التخليق والشفافية والحوكمة وصيانة المال العام.

يذكر بهذا الخصوص، أن البرلماني الذي أمضى ولاية تشريعية واحدة (خمس سنوات) يتقاضى معاشا يتجاوز 5 ألاف درهم، بمعدل ألف درهم عن كل سنة قضاها مدافعا عن مصالح الناخبين أو نائما على مقعده، أو غير مواظب على الجلسات ، متفرغا لأعماله الشخصية. هذا دون احتساب الامتيازات الأخرى التي يتمتع بها النائب لقاء مهمته التمثيلية من قبيل التأمين على الحياة ، تعويضات التنقل (أذون البنزين) والحواسيب وجواز سفر خاص وتخفيض في سعر السفر بالطائرة ومجانية القطارات.

لكن الأغرب مما سبق أن سائر البرلمانيين يستفيدون من معاش دون أن يتعارض مع معاش آخر مستحق، يتقاضونه من خدمتهم في المؤسسات العمومية أو الخاصة بل حتى الوزراء السابقون إذا انتخبوا لعضوية مجلس النواب ، يتقاضون معاشين، مع فارق أن الوزير السابق ملزم بالتصريح بمداخيله ؛ فإن تجاوزت مبلغا معينا فإنه لا يستفيد من معاش الوظيفة الحكومية، بينما البرلماني غير ملزم بذلك حتى وإن درت عليه مهنته الجديدة الملايين.

لقد توصل البرلمانيون بمعاشاتهم المتوقفة، وكثيرون منهم غير مطمئنين لاستمرار الصنوبر خاصة أولئك الذين لا دخل لهم ، كونهم لا يتوفرون على كفاءات علمية ومهنية ، تضمن لهم دخلا إن تقد بهم العمر ولا يستطيعون الانخراط في سوق العمل.

متى يصلح نظام معاش البرلمانيين ؟ وهل ستتوافق عليه الأطراف المستفيدة وهم يتوزعون بين زاهد وساكت ومطالب بالعدل والإنصاف ؟

ينبغي التذكير في هذا الصدد بالجرأة والشجاعة والتصدي للعواصف التي قاومتها الحكومة السابقة في شخص رئيسها عبد الإله ابن كيران، الذي هاله أن احتياط صندوق التقاعد ، ذاهب نحو الخطوط الحمراء ما يهدد بتوقيف معاشات ألاف الأسر المغربية في معيشها، فانتفض واضطر إلى فرض إصلاح، بما يشبه استعمال السلطة ، لكنه أنقذ الموقف وإيجاد مهدئ، إلى حين.

صحيح أن قرارات ابن كيران لم ترض المستخدمين والنقابات، بسبب اقتطاعات جديدة من مرتباتهم ورفع سنوات الخدمة إلى ما بعد الستين ، لأن الإصلاح كيفما كان مداه وحجمه، له كلفة مالية وسياسية وإلا استمر النزيف والسير نحو النفق المظلم. والمثال الساطع على ذلك بالنسبة للمغرب ،يكمن في مراجعة نظام المقاصة ورفع الدعم التدريجي عن المحروقات.

قد تكون الكلفة المالية الناتجة عن صرف معاشات، بعضها غير مستحق، لبرلمانيين أو وزراء سابقين، غير مرتفعة وغير مؤثرة على التوازنات المالية للدولة ، غير أن استمرارها بصورتها الحالية، قد تكون له عواقب سلبية في نظر الملاحظين والمغرب في غنى عنها.

ومن المؤكد أن العاهل المغربي، المصغي إلى نبض الشارع والشعب ، سيولي هذا الملف وسواه اهتمامه في أفق العدل والأنصاف والمساواة بين المغاربة؛ سواء كانوا منخرطين في صناديق المعاشات أو غير مستفيدين بالمرة ؛ على اعتبار أن أي إصلاح يمس مصالح فئات معينة يقاوم بالرفض من جانبها ؛لكن عائداته الإيجابية كثيرة على المدى المتوسط والبعيد، بل هو جوهر التحديث وأساس دولة القانون والعدل، التي يسعى أليها المغاربة بإرادة لا تعرف الكلل من لدن عاهلهم ، تجاوبا منه مع وعيهم المتزايد بالحقوق والواجبات.