تقول غالبية قراء "إيلاف" ممّن شاركوا في الاستفتاء الأسبوعي، الذي تناول أحداث العنف في تونس، إنّ البلاد تتجه نحو ثورة ثانية، وذلك تزامنا مع عودة الاحتقان في مدن جديدة رغم جهود الحكومة للتهدئة.


إسماعيل دبارة من تونس: أحيت تونس الذكرى السابعة لثورة 14 يناير 2011، على وقع المزيد من الاحتجاجات العنيفة، بعد اقرار قانون الموازنة للعام 2018، والذي تضمّن اجراءات تقشفية رفضها التونسيون.

ورغم أنّ شهر يناير من كل عام لا يخلو من الاحتجاجات والتظاهرات التي يرافقها عنف متبادل بين الشرطة والمحتجين الغاضبين، فإنّ يناير الحالي، بدا متميزاً بعد أنّ كثر الحديث عن بوادر "ثورة ثانية" أو "ثورة تصحيح" يقودها الشباب التونسي الغاضب من تعثّر المسار الانتقالي وتدهور الوضع الاقتصادي بعد 7 سنوات من هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية، اثر ثورة شعبية أطاحت بأركان حكمه.

واجتاحت احتجاجات عنيفة عدة مدن تونسية مطلع هذا الشهر ضد ميزانية تقشفية أقرتها الحكومة، وتضمنت عدة زيادات في الأسعار وفرض ضرائب جديدة، وكانت حملة "فاش نستناو؟" (ماذا ننتظر؟) في طبيعة الداعين للتظاهر ضدّ قانون ميزانية 2018.

وقُتل مواطن خلال هذه الاحتجاجات. ونجحت الحكومة في إخماد التوتر وهدأت الاحتجاجات الأسبوع الماضي عقب تعهّد الحكومة بزيادة الدعم المالي للأسر الفقيرة ومحدودي الدخل، لكن لهيب التظاهر لم يخمد تماما، إذ عاد المحتجون للشارع يوم الأحد في مدينة قفصة بالجنوب.

ثورة ثانية؟

تفاعلاً مع المستجدّ التونسي، استفتت "إيلاف" قراءها الأسبوع الماضي، وطرحت عليهم السؤال التالي: "هل ستؤول اضطرابات تونس الأخيرة إلى ثورة ثانية؟"

شارك في استفتاء "إيلاف" الأسبوعي، 1356 قارئا، صوّت 814 منهم بـ"نعم" وهي نسبة تعادل الستين بالمائة من مجموع المصوتين، في حين قال 542 مشاركًا "لا"، وهو عدد يمثل أربعين بالمائة من مجموع المصوتين.

وتشير نتائج الاستفتاء إلى أنّ الدعاية الكبيرة لثورة ثانية، التي رافقت احتجاجات يناير هذا العام، قد أثرت على تصويت قراء "إيلاف"، إذ تعيد مشاهد العنف والحرق واتلاف الممتلكات العامة، إلى الأذهان، ذكريات ثورة 2011 التي انتهت برحيل بن علي.

وقد ساهم توزع الاحتجاجات على أكثر من 16 محافظة تونسية في ترجيح الكفة للرأي القائل إن تونس على موعد مع ثورة ثانية. خاصة مع تنامي مشاعر الاحباط في أوساط التونسيين نظرًا لانتكاسة الوضع الاقتصادي، رغم الحريات السياسية الكثيرة التي حظي بها الشعب التونسي منذ 14 يناير 2001.

خلفية اقتصادية للغضب

لا يبدو أنّ الحريات الفردية والعامة هي التي دفعت بالتونسيين هذه المرة للخروج للشارع والدخول في مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، كما هو الحال عندما أطبق الديكتاتور السابق بقبضة من حديد على البلاد ومنع حتى الدخول إلى موقع يوتيوب.

فالاحتجاجات الواسعة جاءت هذه المرة بفعل غلاء الأسعار وتفشي البطالة، وقد اسفرت عن مقتل تونسي واحد وإصابة العشرات من المحتجين والشرطة، فيما اعتقل قرابة الألف شخص منذ بدء الأزمة.

وامتدت المواجهات من المحافظات الداخلية المحرومة للبلاد، إلى ضواحي العاصمة تونس، وحزامها الفقير، في وقت أشارت تقارير رسمية إلى محاولات المحتجين اقتحام بعض المصارف واقتحام بعض من المؤسسات العامة والخاصة في أنحاء متفرقة من تونس.

ويبدو أن قانون موازنة العام 2018 كان بمثابة القادح لهذه التظاهرات، خاصة وأنه ينص على زيادة في أسعار بعض المواد، في مقدمتها الوقود إضافة إلى رفع الضرائب على الاتصالات الهاتفية والتأمين، ورفع أسعار البنزين وبعض المواد الأخرى مثل الشاي والقهوة والأدوية، إضافة الى اعتزام الحكومة اقتطاع واحد بالمئة من رواتب كل الموظفين، كمساهمات للصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزًا.

وكانت الحكومة التونسية قد لجأت إلى زيادة الأسعار ضمن حزمة إصلاحات، وُصفت بـ"المؤلمة" يطالب بها المقرضون الدوليون بخفض العجز في الموازنة، لكنّ المحتجين يرون أن الزيادات في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية تفاقم الضغوط على المقدرة الشرائية وقد اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر نقابة عمالية في تونس، أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أدت إلى "التهاب أسعار عديد المواد المرتبطة بالاستهلاك اليومي للتونسيات والتونسيين".

محاولة للتهدئة

وعشية ذكرى الثورة، أعلنت الحكومة في تونس عقب مجلس وزاري مصغر عن حزمة من الإجراءات والبرامج الاجتماعية المصاحبة لقانون المالية لتهدئة الاحتجاجات العارمة.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي في مؤتمر صحفي إن هذه الإجراءات تهدف إلى تحسين أوضاع الطبقات الضعيفة عبر إستراتيجية وطنية لمقاومة الفقر.

ومن بين هذه الإجراءات توفير دخل أدنى ثابت لكل عائلة فقيرة ليس لها من يعولها، وتوفير أو مساعدة على توفير مسكن لائق لكل عائلة تونسية، ورفع مبالغ منح العائلات الفقيرة بنحو 40 مليون دولار، بالإضافة إلى ضمان التغطية الصحية لكل التونسيين، ومن ضمنهم العاطلون عن العمل البالغ عددهم -وفق الإحصاءات الرسمية- قرابة 620 ألف عاطل.

ويبدو أن تلك الاجراءات خفّفت قليلا من حدة الاحتجاجات، لكنها لم تطفئها تماما، فقد أطلقت الشرطة قنابل الغاز لتفريق محتجين، مساء أمس الأحد، يطالبون بفرص عمل في بلدة المتلوي جنوب البلاد في منطقة الحوض الغنية بالفوسفات.

وأغلق المحتجون في بلدة المتلوي الطرق، وأحرقوا إطارات سيارات، مطالبين بوظائف عقب إعلان نتائج اختبار للالتحاق بوظائف في شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة واشتبكوا مع قوات الشرطة التي لاحقتهم في شوارع البلدة.

وخرج متظاهرون في المظيلة احتجاجًا على النتائج النهائية التي أعلنتها شركة فوسفات قفصة.

الاحتجاج في المتلوي كان على خلفية المطالبة بفرض عمل واحتجاجًا على نتائج اختبار التعيين التي قالوا إنه يشوبها محاباة وغموض.

وقال شهود عيان إن بلدة "المظيلة" القريبة من المتلوي والغنية بالفوسفات تشهد أيضًا اضطرابات عقب إعلان نتيجة الاختبار بفوسفات قفصة. وأغلق المحتجون الطرق وأشعلوا النار في إطارات سيارات.

ويبلغ معدل البطالة في تونس 15.6 في المئة، ويتضمن ذلك 30 في المئة في صفوف الشبان، ويبلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس حوالي 650 ألف شخص، من بينهم نحو 250 ألفًا من خريجي الجامعات.