إيلاف من واشنطن: أصبحت قضية التحرش الجنسي الموضوع الأهم والأكثر تداولًا في الولايات المتحدة وأوروبا. كتبت بيغي نونان عمودًا عنه، وهي مؤلّفة أميركية رائدة كتبت خطابات للرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، وهي من المحافظين الأميركيين البارزين، يظهر لها عمود أسبوعي في "وول ستريت جورنال" يقرأه أكثر من مليوني قارئ.

توضح نونان أن أميركا تحتاج إلى مزيد من الـ"جنتلمان"، أي السادة المحترمين. ربما لا يقتصر هذا على أميركا، فالعالم العربي أيضا بحاجة إلى ذلك. إليكم كيف تعرّف مفهوم الجنتلمان، وهو تعريف ينبغي أن يطّلع عليه الرجال كلهم.

خيط مشترك

تقول نونان: "ثمة خيط مشترك في القصص كلها التي قرأناها في الأشهر القليلة الماضية عن المتربّصين (ليسوا أولئك المتهمين بجرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي، بل بالجشع العام والطمع والتلاعب وألعاب السلطة)، وهو أن الرجال المعنيين ليسوا رجالًا محترمين. تصرفوا كما لو أنهم لم يسمعوا يومًا بمفهوم الجنتلمان"

تضيف: "فقدنا هذا المفهوم. في السنوات الأربعين الماضية، وفي الحركة من أجل المساواة الكاملة، ألقيناه جانبًا. لكن، علينا إنقاذ هذه الطريقة القديمة والمفيدة. فالثقافة بأكملها، وخصوصًا النساء، بحاجة إلى عودة الرجل المحترم مرة أخرى. ربما يعتبر شخص من اليسار الثقافي أن هذا أمر ذكوري إلى حدّ بعيد. لكنّ ما تظهره حركة #MeToo هو أن النساء غالبًا ما يتعرضن لخطر معين في العالم، ويحتجن إلى دعم أصدقائهنّ وحلفائهنّ. والمقصود هنا هو الرجال، علمًا أن الأكثر موثوقية بينهم هم من فئة الجنتلمان".

&تعريفات الـ"جنتلمان"

تتابع نونان: "هناك مليون تعريف لهذا الجنتلمان، يبدأ بعضها بالإشارة إلى ولادته في مكانة معينة. لكن في أميركا، يمكن أي رجل أن يمتلك الشجاعة لاستيفاء الشروط المطلوبة. وبحسب المعجم، الجنتلمان رجل شهم ومهذب وشريف. هذا تعريف جيد وبسيط. وكذلك يفسّر قاموس Urban Dictionary أن "الرجل الحقيقي هو الرجل الذي ينبع سلوكه من حسن النية، والذي يسيطر على نفسه في كل الحالات، والذي لا يُشعر الفقير بفقره ولا غير المشهور بعدم شهرته ولا أي شخص بدونيته أو تشوهه". هذا تعريف جيد أيضًا".

تقول نونان إن موقع &Gentleman’s Journalعلى شبكة الإنترنت يقدم قائمة من 20 صفة تميّز الجنتلمان. أحبت بينها: "الجنتلمان يرافق المرأة دائمًا حتى تصل إلى منزلها"، فلا يرسلها وحدها لتستقلّ سيارة أجرة، ولتبكي في المقعد الخلفي، ولترسل إلى أصدقائها رسائل نصية مرعبة. وأعجبني أيضًا من القائمة أن الجنتلمان يخرّب أحمر شفاه حبيبته وليس الماسكارا التي على عينيها، وإذا أتت المرأة حاملة أمتعتها، يساعدها الجنتلمان على تفريغها".

سلوك وأخلاق

توضح نونان أن الجنتلمان يحسن معاملة المرأة، "لأنّ له كرامته ويرى كرامتها، ويتحيّن الفرص ليظهر لها الاحترام، ولا يكون ملحًّا أو متحكّمًا أو محقّرًا لها، ولا يقف إلى جانبها لأنها ضعيفة بل لأنها تستحق الصداقة. تحدّثت مرّة في تجمع للنساء خلال تغطية إعلامية، عن كاتب عمود وجّه نقدًا بنّاء لعملي قبل سنوات، وشجّعني على التقدّم، فالجنتلمان يشجع النساء".

والأمر أعمق من حفظ بعض السلوكيات وتكرارها، مثل الوقوف عندما تدخل امرأة أو شخص مسن إلى الغرفة. هذا تعبير مادي عن الاحترام الداخلي. فالرجل لا يكون "جنتلمان" بالعادات والسلوكيات فحسب، بل بالأخلاق أيضًا. وفي هذا السياق، قال اللاهوتي جون هنري نيومان من القرن التاسع عشر – وهو كاهن انغليكاني أصبح كاردينالًا كاثوليكيًا – إن الجنتلمان يحاول عدم التسبب بالألم، ويحاول إزالة العقبات "التي تعرقل العمل الحر وغير المحرج لمن حوله"، هو حنون مع الخجول، ولطيف مع غير الودود، ورؤوف مع السخيف، لا يكون منحطًّا وحقيرًا في نزاعاته، ولا استغلاليًا بشكل غير عادل.

تقول نونان: "كتب ديفيد غاندي، وهو عارض أزياء، قبل سنوات في صحيفة تلغراف إن عمله علّمه أن مفهوم الجنتلمان لا يتعلّق بما تفعله أو ترتديه، بل بطريقة تصرفّك ومن أنت. فالجنتلمان يحترم الشهامة والتهذيب، يُمسك الباب للناس، ويتخلى عن مقعده، ويخلع معطفه ويعطيه لسيدة في أمسية باردة. هذه تصرّفات قديمة، لكنّ الجنتلمان يتمسّك بها على الرغم من أن العالم تغير ".

يحيا النبل

نعم، الجنتلمان يفعل. تسرد: "قال لي رجل ذات مرة إن من الصعب أن يتصرّف الرجل كجنتلمان عندما تكون نساء قليلات حوله يتصرّفن كسيدات. لكن ينبغي أن يبدأ الرجل بلعبة الشهامة الجنتلمانية. نحن هنا لنعلّم ونلهم. بالمناسبة، لاحظت أن شبكة الانترنت مليئة بتعريفات الجنتلمان والطرائق الملائمة لتكون واحدًا. إذًا، لا بد من أن أحدهم يبحث عن هذه المعلومات. وهذا جيد".

الجدير ذكره أن عصر وسائل الإعلام الاجتماعية عمل ضد أفكار اللياقة والكرامة وضبط النفس، أي ضد مفهوم الجنتلمان. في الواقع، "يمكنك إظهار فظاظتك عندما تكون مجهول الهوية، فتنتشر الحقارة مثل الفيروس. لكن لا يمكنك الحكم على أمة من خلال مواضيع تعليقاتها، أو دعونا نأمل ذلك. يمكنك الحكم عليها من خلال نضالها للحفاظ على المعايير".

تختم: "للإلهام، سننهي الموضوع بفيلم "قصة فيلادلفيا" الهوليودي، حيث حاولت شخصية، أدّت دورها كاثرين هيبورن، أن تتحرش بجيمي ستيوارت، وكان بإمكانه الاستفادة من هذه اللحظة، لكنها كانت ثملة وهناك قواعد ينبغي احترامها في هذه الحالة. تحيا هذه القواعد، ويحيا الرجال النبلاء الذين يساعدون على إبقائها حيّة".

*ترجمة: ابتسام الحلبي