الدار البيضاء: كشفت النيابة العامة في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أن نشطاء "احتجاجات الحسيمة" في شمال المغرب، كانوا يستعملون شعار "سلمية سلمية" كإشارة سرية خلال المظاهرات للهجوم على قوات الأمن.

وقال الوكيل العام خلال الجلسة المسائية لمحاكمة معتقلي احتجاجات الحسيمة إن عددا من الشهود أكدوا أن متزعمي الاحتجاجات اتفقوا على أن يكون رفع هذا الشعار بمثابة إشارة للهجوم على قوات الأمن. وأضاف أن عددا من الفيديوهات التي صورت للاحتجاجات تؤكد ذلك، إذ تظهر تزامن رشق قوات الأمن بالحجارة والهجوم عليهم مع ترديد هذا الشعار.

وأثار تقديم النيابة العام إلى القاضي محاضر استماع المحققين لأزيد من عشرين شاهدا، ضمنهم ابن عم ناصر الزفزافي، أكدوا فيها بأن شعار "سلمية سلمية" كان يشكل إشارة سرية لحث المحتجين على الهجوم على قوات الأمن، استياء دفاع المتهمين. 

وطالب محامو الدفاع باستبعاد تلك المحاضر واستدعاء الشهود المذكورين فيها للحديث مباشرة أمام المحكمة ومواجهة المتهمين، وهو ما رفضته النيابة العامة بدورها.

وشرعت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء الجمعة في استنطاق المتهمين في الملف، وذلك بعد أزيد من 20 جلسة خصصت لتقديم ومناقشة الدفوع الشكلية وملتمسات الدفاع. 

وبدأت المحكمة بالاستماع إلى أربعة متهمين يتابعون في حالة سراح، ضمنهم أحد الحراس الشخصيين لناصر الزفزافي، بالإضافة إلى متهمين آخرين قدما في حالة اعتقال.

وفي رده على أسئلة المحكمة، قال زكريا القدوري، أحد الحراس الشخصيين لناصر الزفزافي، والمتابع في حالة سراح إنه تطوع للقيام بهذا الدور بعد تعرض الزفزافي لتهديدات. وأضاف أن الزفزافي جاره وكبر معه في نفس الحي، وأن هذا الأخير قبل حراسته لأنه يثق فيه. وأكد القدوري مشاركته في المظاهرات، مشيرا إلى أنها نظمت من أجل مطالب اجتماعية واقتصادية، من بينها بناء مستشفى ومصانع لتشغيل الشباب. 

وحول مصدر القمصان السوداء التي كان يرتديها الحراس الخاصون للزفزافي، قال القدوري إن شخصا يدعى رشيد هو الذي سلمه القميص. وعرض القاضي خلال استنطاقه للمتهم صورا وأشرطة فيديو تظهره إلى جانب الزفزافي، وأخرى يظهر فيها المتهم وهو يشكل مع آخرين حزاما حول المتظاهرين، ويرتدون فيها سترات صفراء. كما عرض عليه القاضي شريطا يظهر مواجهات بين المتظاهرين الموالين للزفزافي وآخرين يحملون أعلاما مغربية.

ورد القدوري بأن المظاهرة الأخرى التي يحمل المشاركون فيها أعلاما مغربية وقفت بعيدا عن مظاهرتهم، ولم يكن هناك أي احتكاك بين المظاهرتين. وأضاف أنه لا يدري سبب نشوب المواجهة التي ظهرت على شريط الفيديو لأنه كان في موقع بعيد عن مكان نشوبها. وأكد أن المظاهرة التي خرج فيها كانت مظاهرة سلمية ترفع مطالب اجتماعية واقتصادية.

وعن سؤال للقاضي حول رفع المحتجين خلال المظاهرة لعلم "الجمهورية الريفية" والعلم الأمازيغي، بدل العلم الوطني المغربي، قال القدوري "أنا مغربي الجنسية وأفخر بالعلم المغربي، كما أنني أمازيغي الهوية". وبخصوص علم الريف، قال إن عبد الكريم الخطابي هو الذي حمل هذا العلم خلال مقاومة الاستعمار الاسباني، وأضاف أن هذا العلم يرمز إلى "الانتصار وليس الانكسار" ، على حد قوله.

وعرض القاضي على المتهمين صورا تظهرهم مع ناصر الزفزافي، وهم فخورون بأخذ صور معه، وصور أخرى خلال مظاهرات، وأخرى تظهر فيها شعارات من قبيل "هل أنتم حكومة أم عصابة؟".

كما استمع القاضي في الجلسة المسائية إلى المعتقل خالد بركة، من قرية أولاد أمغار، الذي أكد بدوره المشاركة في مظاهرات ، نافيا حدوث أية مواجهة مع القوات الأمنية. وطالب دفاع المتهم من القاضي عرض الشريط الكامل للمظاهرة التي نظمت في قرية أولاد أمغار ومدته 40 دقيقة للتأكد من عدم وقوع أية مواجهات أو أحداث عنف خلالها.

وقال بركة أنه خرج للمطالبة بتجهيز مستشفى القرية الذي ظل مغلقا منذ بنائه قبل 10 سنوات، وأيضا بتزويد القرية بالماء الصالح للشرب، وبناء ميناء للصيد، مشيرا الى أن أهل القرية يشتغلون في الفلاحة والصيد ولديهم 500 قارب صيد تقليدي ولا يتوفرون على ميناء.

وأضاف بركة أنهم قبل الخروج في المظاهرة اجتمعوا مع رئيس الجماعة (البلدية) الذي قال لهم إن تنظيم المظاهرة والاحتجاج سيساعده في مساعيه للحصول على ميزانية من الحكومة لتلبية حاجة السكان. 

وعن سؤال للنيابة العامة حول تعرض شخص اسمه محمد أبركان لاعتداء من طرف أشخاص ضمنهم المتهم خالد بركة بأمر من ناصر الزفزافي لأنه جاء للمظاهرة حاملا علما مغربيا، وأن المعتدين هددوه بسكاكين وسيوف، أجاب بركة بأنه لا يعرف أبركان، ونفا هذه الواقعة. وعند عرض شريط قال ممثل النيابة العام أن أبركان محمد يظهر فيه، أجابه بركة بأن الشخص الذي يظهر في الشريط إسمه التجاني. وتوجه للقاضي طالبا إياه استدعاء كل من أبركان والتجاني للشهادة. كما طالب دفاع بركة باستدعاء قائد منطقة أولاد أمغار الذي أعد تقريرا حول المظاهرة لم يتكلم فيه لا عن عنف ولا عن منع، على حد قول الدفاع.

وكانت المحكمة قد بثت أمس الخميس في الطلبات الأولية والدفوع الشكلية . وقررت المحكمة الاستجابة إلى بعض طلبات استدعاء الشهود، الذين حصرتهم في 31 شاهدا، من بينهم 12 شاهدا طالب باستدعائهم 4 متهمون ضمنهم ناصر الزفزافي، و3 شهود طالب باستدعائهم دفاع الطرف المدني، الذي يمثل وزارة الداخلية والإدارة العامة للأمن الوطني وبعض ضحايا الأحداث، والباقي طالبت باستدعائهم النيابة العامة. 

وقررت المحكمة أرجاء البت في الطلب الرامي إلى إجراء خبرة طبية على المتهم جمال بوحدو الى حين مناقشة القضية، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. كما قررت المحكمة أرجاء البت في الدفوع المثارة إلى حين البت في الموضوع.

وفي بداية جلسة اليوم تقدم دفاع المتهمين بطلب آخر لاستدعاء شهود، مشيرا إلى أن القانون الجنائي المغربي يسمح له بتقديم طلب استدعاء شهود لرئيس غرفة الجنايات بصفته هذه، بعد انطلاق المحكمة. وهو ما رفضته النيابة العامة ، معتبرة أن مرحلة الطلبات والدفوع قد انتهت وحسمت فيها المحكمة.

وقرر القاضي إرجاء البت في هذا الطلب الجديد إلى حين مناقشة الموضوع.

وشرعت المحكمة في الاستماع إلى المتهمين وسط توتر بين القاضي وهيئة الدفاع، بسبب إصرار بعض المحامين على الوقوف بجانب المتهمين في قفص الإتهام، فيما أمرهم القاضي بالبقاء في المكان المخصص للدفاع. وستواصل المحكمة الاستماع إلى باقي المتهمين، وعددهم 54 متهما، خلال يوم الثلاثاء المقبل.