دعوة ستيف بانون للتحدث في ندوة تقيمها جامعة شيكاغو بين أخذ ورد، وسط معارضة عارمة من طلاب الجامعة وأساتذتها الذين يصرّون على إبقاء بانون اليميني بعيدًا عن حرم جامعتهم.

إيلاف: دعت جامعة شيكاغو ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الاستراتيجية، ليشارك في ندوة تتناول العولمة والهجرة. وعارض هذه الدعوة حشد من الطلاب تظاهروا ضد بانون في الجامعة، كما وجّه لفيف من أساتذة الجامعة رسالة مفتوحة إلى رئيسها روبرت زيمرمان اعتراضًا على هذه الدعوة.

كان البروفيسور لويجي زينغاليس، من كلية بوث لإدارة الأعمال في الجامعة، وجّه هذه الدعوة إلى بانون للمشاركة في الندوة. ولعل هذه أول فاعلية عامة كبيرة يظهر فيها بانون منذ إقالته من منصبه في البيت الأبيض ومن موقع برايتبارت الإخباري اليميني.

صاحب أفكار خطرة
أجّجت هذه المسألة الجدل المتصاعد في كبرى الجامعات الأميركية بشأن حرية التعبير. وازداد هذا الجدل حدة منذ انتخاب ترمب، بعدما تكررت محاولات استثناء متحدثين لا يؤيدونه من التحدث في ندوات جامعية.

تناولت صحيفة "شيكاغو تريبيون" الموضوع ناقلةً عن المعترضين قولهم إن بانون صاحب أفكار خطرة، ويجب إبقاؤه بعيدًا عن الحرم الجامعي.&

مستنكرون لعنصرية تبثها خطابات بانون وأفكاره

ولاحظ مراقبون أن كثيرًا من الجامعات الأميركية تستجيب لمثل هذه الاحتجاجات، وتتعلل بأسباب مختلفة لعدم دعوة بانون بدعوى عدم تعكير الأجواء. أضافت الصحيفة إن هناك اتجاهًا من جامعة بيركلي إلى جامعة دي بول وأبعد منهما نحو إلغاء الفاعليات التي يُدعى إليها متكلمون مثيرون للجدل، خصوصًا من اليمين، واصفة ذلك بأنه "جزء من حركة ثقافية أوسع تعتقد أن من حق الشباب في الجامعات حمايتهم ضد أفكار تسيء اليهم".

لكن جامعة شيكاغو ترى خلاف ذلك، ولديها تقليد عريق في تثمين حرية التعبير والفكر، مدركة أن الجامعة مكان علم وفكر، ولا يتعلم الطالب تحديد ما يؤمن به إلا بالتعاطي مع آراء وأفكار متعددة، بما في ذلك أفكار مقيتة لن يتعلم الطالب شيئًا من منعها.&

سيء الصيت... ولكن!
تتفق "شيكاغو تربيون" مع الرأي القائل إن بانون شخصية سيئة الصيت، استخدم موقع برايتبارت لتأجيج نيران النزعة القومية البيضاء، وإن "تأثير بانون البشع" كان ظاهرًا عندما امتنع ترمب عن إدانة النازيين الجدد بعد أحداث شارلوت فيل في ولاية فرجينيا.&

لكن هذا ليس سببًا لعدم دعوته إلى الجامعة، بحسب ما كتبت، معتبرةً أن الحرم الجامعي هو المكان الأمثل لدحض أفكاره، والندوة السجالية هي المنبر الأنسب لذلك.&

إدارة الجامعة ترفض إلغاء الزيارة احترامًا لحرية التعبير&

دافعت إدارة جامعة شيكاغو عن دعوتها بانون مؤكدة التزامها حرية التعبير وحق الطلاب والأساتذة في دعوة من يختارونه من المتكلمين.&

اقترحت "شيكاغو تربيون" أن يُستقبل بانون باحترام، وأن تُفند أفكاره ومواقفه على قاعدة مقارعة الحجة بالحجة. وإذا لم يكن هذا كافيًا يمكن تنظيم احتجاج سلمي يراه بانون، ليفهم أن هناك من يرفض آراءه، يسهل الوقوف مع حرية التعبير عن أفكار شعبية والدفاع عنها، لكن الاختبار الحقيقي هو إذا كان باستطاعة المتحدث أن يعبّر عن أفكار مثيرة للجدل، بل وحتى أفكار بغيضة.

ماذا لو؟
لا شك أن دعوة بانون إلى منبر جامعة شيكاغو، والحركة الاعتراضية على وجوده، اختبار كبير لمدى استمرار أميركا ترمب في التزامها حرية التعبير، أيًا كانت الفكرة موضوع هذه التعبير، في زمن الشعبوية اليمينية الذي تعيشه.

ولا شك أن هذه المسألة برمتها تعدّ أمثولة حبذا لو تتمثّل بها الجامعات عى طول الوطن العربي وعرضه، حيث المنابر الجامعية اليوم مكرّسة لرأي واحد، هو الرأي الحاكم، من دون أي حيز للرأي الآخر، أو لليبرالية لا ترى في الاستماع إلى الآخر المختلف وتقبل رأيه مساسًا بأمن البلاد، أو بلقمة عيش العباد، أو بالسلم الأهلي في دول تهتز من فيلم سينمائي، كما هو حاصل اليوم في لبنان على سبيل المثال.

لطالما كانت الجامعات في البلدان العربية، كما في بلدان العالم الأخرى، المسرح الأول لأي حراك مطلبي أو ثوري، والمكان الأول لأي صراع عقائدي، إذ كانت رحم الجدل البناء دائمًا، مستقبلةً المتحدثين من كل الاتجاهات. ألم تبدأ شرارات الربيع العربي من جامعات العرب؟، فأين هي الآن جذوة الثورة؟... لقد أطفأها المنع والقمع والرأي الواحد.

إن ما تثيره مسألة مثل دعوة بانون إلى جامعة ما ومعارضتها درس هو غاية في الأهمية، يجب أن تسير على خطاه جامعاتنا العربية.


&