نيقوسيا: في مركز اقتراع مدرسة كيكوس في نيقوسيا المنقسمة منذ 1974، يدلي قبارصة من الطائفة المارونية بأصواتهم في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ولا يترددون في المجاهرة بأن مرشحهم المفضل هو الرئيس الحالي نيكوس اناستاسياديس الذي يرون فيه أملا في توحيد الجزيرة.

يشكل القبارصة الموارنة الذين يبلغ عددهم 6000 نسمة اقل من واحد في المئة من سكان قبرص ويعيش العدد الأكبر منهم في نيقوسيا بعد لجوئهم الى الجنوب اثر اجتياح تركيا للقسم الشمالي من الجزيرة عام 1974.

تقول بولوما مافروهانا البالغة 80 عاما بكل صراحة "سننتخب الرئيس الحالي لأنه يحبّ الموارنة"، بعد ان استقلت صباح الأحد الحافلة الأولى من كورماكيتي، اكبر القرى المارونية الاربع في شمال قبرص باتجاه نيقوسيا.

تتحدث بولوما بعربية قديمة ورثتها عن أسلافها الذين يُقال إنهم بين المهاجرين الموارنة الأوائل من لبنان وسوريا قبل اكثر من الف سنة. وتضيف "لن نغادر أرضنا سنموت في قريتنا".

وتقع القرى المارونية في "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها إلا أنقرة، وهي كورماكيتي وكاربيسا اللتان تعدّان حاليا نحو 250 نسمة فقط بالاضافة الى اسوماتوس وايا مارينا غير المأهولتين.

تخرق هدوء مركز اقتراع القبارصة الموارنة القادمين من الشمال، ضحكة امراة ترتدي معطفا أحمر. تمشي بسرعة رغم تقدمها في السنّ وبصوت مرتفع تعبّر عن رغبتها في التصويت.

من جهته، قال الأربعيني فالنتينو كوميتو الذي يسكن في نيقوسيا، إنه أحضر الفطور للمسنين القادمين من الشمال. واضاف "ننتظر (من الرئيس الجديد) اعادة التوحيد وهو الحل الأفضل لقرانا (...) لنعيش بحرية، نحن لسنا أحرارا الآن".

ويتنافس في الانتخابات الرئيس الحالي المحافظ نيكوس اناستاسياديس وهو الأوفر حظا والمحامي السابق ستافروس مالاس المدعوم من الحزب الشيوعي ونيكولاس بابادوبولوس وهو وسطي ونجل رئيس سابق يدافع عن مواقف أكثر تشددا في مفاوضات السلام.

وما لم يحصل اناستاسيادس المعروف ببراغماتيته على اكثر من 50% من اصوات المقترعين، فلن يتمكن من الفوز من الجولة الاولى، وسيحتاج الى جولة ثانية تجرى في 4 شباط/فبراير.

"العودة خطوة أولى"

يعلّق الناخبون في المركز آمالا كبيرة على امكانية عودة الحياة الى قراهم ويشددون على ضرورة التوصل الى حلّ لقضية انقسام الجزيرة التي يعانون منها منذ أكثر من 40 عاما.

يزور جورج ميخاليدس البالغ 77 عاما قريته ايا مارينا "عندما يُسمح لنا بذلك" بحسب قوله، بسبب وجود قاعدة عسكرية تركية في المنطقة. وقد عبّر عن ارتياحه للجهود التي يبذلها الرئيس الحالي قائلا "ننتظر منه استكمال جهوده من أجل عودة قبرص موحدة".

وفي المقابل، قال انطوني سارو البالغ 60 عاما "لا أنتظر أي شيء من الرئيس الجديد (...) لا ارى أي فرصة لاعادة التوحيد". وشهد عام 2017 جولتين جديدتين من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في سويسرا الا أنهما باءتا بالفشل.

ويرى جون كاريس، رئيس لجنة الكنائس المارونية القديمة التي تُعنى بترميمها خصوصا في الشطر الشمالي أن اناستاسياديس "تمكن من الجلوس على الطاولة نفسها مع الأتراك مباشرة للمرة الأولى منذ 40 عاما ولذلك نحن نؤيده".

وفي يونيو الماضي، انعقدت المفاوضات الأخيرة بين أناستاسيادس والزعيم القبرصي التركي مصطفى اكينجي في سويسرا بحضور وزراء خارجية اوروبيين ووزراء الشؤون الأوروبية من اليونان وتركيا وبريطانيا او الدول الضامنة.

وأكد ممثل الموارنة في البرلمان القبرصي جون موساس الجمعة لوكالة فرانس برس "أننا ننتظر المزيد من الرئيس الجديد، لدينا الكثير من المشاريع خصوصا على مستوى البنى التحتية في القرى المارونية (...) من أجل تمكين الموارنة من العودة الى قراهم".

واضاف ان ذلك "يعتبر خطوة أولى في اتجاه الحل النهائي. نحن بحاجة لانقاذ قرانا لأن من دونها مستقبلنا ناقص".

ويضمّ البرلمان الحالي نائبا عن دائرة كيرينيا من الطائفة المارونية، إلا أنه ليس ممثلا للطائفة في البرلمان. اذ ينتخب القبارصة الموارنة بموجب دستور عام 1960 ممثلا عنهم في البرلمان هو بمثابة مستشار لمجلسي النواب والوزراء لكل شؤون الموارنة لكن لا يحق له التصويت كسائر النواب في الهيئة العامة.

كما أن الرئيس اناستاسياديس عيّن عند تشكيل الحكومة الحالية وزيرا مارونيا في خطوة غير مسبوقة في قبرص. وكان مطران الموارنة في قبرص يوسف سويف شدد الجمعة في اتصال مع فرانس برس على أن عودة الموارنة إلى قراهم هو "خبزهم اليومي".

وأضاف أنهم ينتظرون "حلا نهائيا عادلا وشاملا" مطالبا بمنحهم "امكانية العودة الى قراهم كخطوة أولى في اطار حل معيّن قبل الحل النهائي".

وقال ان "الأجيال (الجديدة) لا تتواصل مع الأرض والكنيسة والتراث" مشيرا الى "مشكلة الذوبان والبعد والغياب عن القرية والهوية". وختم انه اذا "غاب الطابع الماروني فسيغيب الموارنة معه ويذوبون".