أثار توجيه العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأربعاء الماضي، بتمكين المرأة من ممارسة مهنة «عدل»، (موثقة عدلية) للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وتكليف وزير العدل باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف، موجة من الردود المتباينة في المغرب، خاصة لدى الإسلاميين، المعروفين بمواقفهم المحافظة في هذا المجال.&

إيلاف من الرباط: رغم أن الناطق الرسمي باسم القصر الملكي أعلن في بيان رسمي، أن القرار جاء بعد إطلاع الملك محمد السادس على رأي المجلس العلمي الأعلى، الذي أجاز ممارسة المرأة لمهنة «عدل»، بناءً على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، خرج عدد من رموز التيار للتعبير عن رفضهم للقرار باعتباره مخالفًا للشريعة.

القرار مخالف للشريعة
ويرى الشيخ حسن الكتاني، وهو أحد رموز التيار السلفي بالمغرب، أن قرار السماح للمرأة بمزاولة مهنة «عدل»، لا يستند إلى الشريعة، مبينًا أنه «لا يوجد عالم قال إن شهادة المرأة في الزواج والطلاق كشهادة الرجل، ولم يقل به أحد من علماء الإسلام بتاتًا».

الشيخ حسن الكتاني الوجه السلفي المعروف بالمغرب

أضاف الكتاني في اتصال مع «إيلاف المغرب»، أن المسالة فيها قولان: الأول يرى أن «المرأة لا كلام لها في شهادة الزواج والطلاق، وإنما شهادتها في الأموال فقط»، فيما الثاني يقول «يجوز أن تشهد المرأة بشرط أن يكون رجل وامرأتان، وهذا لم ينص عليه القانون الجديد».

وأفاد المتحدث عينه أن المغرب «يدّعي بأنه مالكي، والمذهب المالكي لا علاقة له على الإطلاق بهذا الأمر ولا بغالبية أحكام الأحوال الشخصية»، مشددًا على أن هناك العديد من النصوص القطعية التي تؤكد أن المرأة ليست أهلًا للشهادة في أمور الزواج والطلاق.

أردف قائلًا: «هذا وجه استنكارنا لهذا الأمر، وإجماع العلماء يخالفه».

مؤامرة علمانية
وأكد الكتاني، وهو أيضًا عضو «رابطة علماء المغرب العربي» أن هذا القرار يمثل «حلقة من حلقات سعي التيار العلماني إلى علمنة مدونة الأحوال الشخصية والحياة الاجتماعية للمسلمين في المغرب».&

وزاد مبينًا أن هذا القرار «ليس هو أول قارورة تكسر من الأحكام الشرعية في قوانين الأحوال، وإنما هناك قوارير عدة كسرت»، متهمًا ما سمّاها «الأيادي العلمانية» بالسعي وراء «زيادة علمنة الزواج والطلاق والأسرة في المغرب».

كما اعتبر الكتاني أن القرار «محض رأي، ونحن نعلم أن هناك خطة لعلمنة الأحوال الشخصية، ومن حقنا أن نتساءل عن هذا، كما من حقنا أن نستنكر هذا الأمر، والشعب المغربي من حقه أن يحكم بدينه لا بأهواء أوروبية أو إفرنجية»، على حد تعبيره.

لا مانع شرعيًا ولا دينيًا
عكس ما ذهب إليه الكتاني، يعتقد محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، وعضو رابطة علماء المغرب العربي سابقًا، أنه «ليس هناك شرعًا أو دينًا ما يمنع المرأة من تولي هذه المهنة الوظيفية، بحكم أن لها كل القدرة العقلية الكافية المساوية للرجل التي تمكنها من مزاولة هذه المهنة بكل كفاءة واقتدار».&

محمد عبد الوهاب رفيقي أحد شيوخ السلفية بالمغرب الذين أقدموا على مراجعات كبيرة في فكرهم&

سجل رفيقي في اتصال مع «إيلاف المغرب» بأن الصدمة التي شكلها قرار إفساح المجال أمام المرأة لمزاولة مهنة «عدل» لدى بعض الناس، تعود إلى «المنظومة الفقهية القديمة التي تأثرت بها الحالة الاجتماعية»، مبرزًا أن الوظيفة التي يقوم بها العدل في رأي جمهور العلماء هي بمثابة «الشهادة، ومعلوم أنهم لا يجيزون شهادة المرأة في النكاح ولا الطلاق ولا في الحدود، باعتبار أن هذه الأمور عظيمة، ولا تطلع عليها النساء، وبالتالي شهادتهن غير مقبولة فيها».

أضاف الوجه السلفي البارز، الذي أقدم على مراجعات عدة، أن قول جميع العلماء حتى أئمة المالكية بحكم المنطق الفقهي الذي كان سائدًا كانوا مع «منع المرأة من مزاولة هذه المهنة»، وزاد موضحًا أن هذا الرأي كان متأثرًا بـ«واقع المرأة في زمنه وظروفها، لأنها لا تخرج لمثل هذه الأعمال ولا تكلف بها، ولا ننكر أيضًا عقلية ذكورية مسيطرة تقصي المرأة من كل هذه المهن الكبيرة التي تتعلق بالقضاء والشهادة».

وأوضح رفيقي أنه مع القرار الذي فاجأ البعض، وقال «لا أعتبر أن المغرب خطا خطوة كبيرة في هذا الباب، بحكم أنها سبقتها خطوات أكبر من هذه الوظيفة بكثير»، في إشارة إلى السماح للمرأة المغربية بولوج سلك القضاء، وقال: «أستغرب تأخر مثل هذا الأمر وقد سبقته خطوة أكبر».&

دعوة إلى مراجعة «الفقه الذكوري»&
شدد رفيقي على أن تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المغرب يحتاج «تصحيح الكثير من القوانين التي تطغى عليها الصبغة الذكورية»، مؤكدًا على ضرورة مصاحبة هذه القوانين بـ«حملات التوعية التي من شأنها إزاحة اللبس الواقع في عقول الكثير من الناس الذين يتوهمون أن هذه المهن خاصة بالرجال».&

وفي رسالة وجّهها رفيقي إلى معارضي هذا القرار من الإسلاميين، جدد التأكيد على أنه «ليس هناك أي دليل من الشريعة يمنع أن تكون المرأة موثقة أو عدلًا»، داعيًا أصحاب هذا الرأي إلى مراجعة موقفهم «وتأثرهم بعقلية فقهية متأثرة بالفقه الذكوري، ويجب عليهم أن يعوا أن الزمن قد تغير، وأن المرأة اليوم في هذا الزمن غير المرأة في الأزمنة السابقة».

وأشار رفيقي إلى أن ما نتحدث عنه من تكريم للمرأة والقيم التي ينبغي أن نتعامل على أساسها معها «توجب علينا وتلزمنا أن نحقق المساواة الكاملة، خاصة في المهن المعتمدة على أمر يتساوى فيه النساء والرجال، وهي الكفاءة والعقل».