«إيلاف» من الرباط: اقترح العاهل المغربي الملك محمد السادس على قمة رؤساء الاتحاد الإفريقي "إحداث مرصد إفريقي للهجرة"، و"إحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف الهجرة" من أجل الإشراف على تنسيق سياسات الاتحاد الإفريقي حول الهجرة.

وأشار العاهل المغربي، في الرسالة التي وجهها إلى قمة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المنعقدة في أديس أبابا، وتلاها نيابة عنه سعد الدين العثماني ، رئيس الحكومة ، الى أن المرصد الإفريقي للهجرة، الذي اقترح أن يكون مقره الرباط، سيرتكز في عمله على ثلاثة محاور،هي "الفهم والاستباق والمبادرة". 

وأضاف أن هذا المرصد "سيعهد إليه تطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية، من أجل تشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين".

وجاءت توصية العاهل المغربي للقادة الأفارقة بإحداث هذا المرصد في إطار "الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، التي قدمها للقمة الـ 30 للاتحاد الإفريقي ، في إطار المهمة التي يتولاها كرائد للاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة. 

وأوضح الملك محمد السادس أن هذه "الأجندة الإفريقية حول الهجرة" تسعى "إلى جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون جنوب - جنوب، وأداة للتضامن"، إضافة إلى أنها كوثيقة مرجعية "تساهم في إغناء عملية إعداد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة"، الذي يرتقب أن يجري اعتماده خلال مؤتمر دولي سيحتضنه المغرب خلال شهر ديسمبر من العام الحالي, وأشار العاهل المغربي إلى أن المغرب سيحتضن أيضًا خلال نفس الفترة المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، مؤكدًا التزام الرباط "بجعل هذه اللقاءات متعددة الأطراف، منبرا لخدمة قضايا القارة الإفريقية".

وتحدث العاهل المغربي في رسالته عن المسار الذي قطعه إعداد وثيقة "الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، مذكرًا باختياره من طرف خلال القمة الثامنة والعشرين "رائدًا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة"، والذي اعتبره "عربون تقديراً من لدن إخواني وأخواتي القادة". وأضاف أنه في يوليو 2017، قدم لرئيس الاتحاد الإفريقي ألفا كوندي مذكرة أولية تضمنت "اللبنات الأولى لرؤية إفريقية مشتركة حول الهجرة". 

وأشار العاهل المغربي الى أن الوثيقة النهائية لـ"الأجندة الإفريقية حول الهجرة" التي قدمها اليوم للقمة الإفريقية جرى "إعدادها وفق مقاربة شمولية وتشاركية"، مضيفا أنها "ثمرة للتشاور الدائم مع العديد من رؤساء الدول خلال المحادثات والاتصالات المختلفة التي تمت بيننا". كما أنها "تعكس انخراطًا واسعًا للفاعلين المعنيين، لاسيما من خلال عقد لقاءين مهمين بالمغرب وهما: الخلوة الإقليمية المنظمة بتاريخ 2 نوفمبر 2017 بالصخيرات، بمشاركة أزيد من 120 من أصحاب القرار، وممثلي المنظمات الدولية، والباحثين، وأعضاء المجتمع المدني؛ إضافة إلى المؤتمر الوزاري المنعقد بالرباط في 9 يناير 2018، بمشاركة أزيد من عشرين وزيرا ، يمثلون الأقاليم الفرعية للقارة، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية".

وأوضح العاهل المغربي أن هذه الوثيقة "تتضمن أيضًا الأفكار والمقترحات والرؤى المقدمة من قبل المؤسسات الرسمية، والمجتمع المدني، والباحثين في إفريقيا، كما تتميز بمرونتها وقابليتها للتطور، وعدم إلزاميتها من الناحية القانونية، حيث يتعين اعتبارها، في المقام الأول، مرجعًا نهتدي به في عملنا المستقبلي، في معالجة هذا الموضوع".

وشدد العاهل المغربي على الطابع الملح والاستعجالي الذي أصبحت تكتسيه مسألة إيجاد سياسة إفريقية مشتركة للهجرة. وقال "منذ سنة 2015، فقد الحياة أكثر من 6200 مهاجر إفريقي في مياه البحر الأبيض المتوسط. لذلك، فمن واجبنا أن نتحرك حتى لا تذهب سدى مآسي النساء والأطفال والرجال، الذين لقوا حتفهم في جزيرة لامبيدوزا، وحتى لا تتكرر الممارسات المشينة التي شهدتها ليبيا"، مضيفا "فكم يلزمنا من مآسي الهجرة، حتى تتغير نظرة مجتمعاتنا تجاه هذه المسألة ؟ لقد صار لزامًا على قارتنا، وأكثر من أي وقت مضى، أن تنكب على معالجة مسألة الهجرة بروح التضامن التام. وستكون حكمتنا والتزامنا الجماعي هما وسيلتنا الأساسية لتنفيذ الأجندة الإفريقية حول الهجرة. فالاتحاد هو مفتاح النجاح، والتعاون الإفريقي هو سبيله الحقيقي".

وأشار العاهل المغربي في رسالته للقادة الأفارقة إلى أن "الأجندة الإفريقية حول الهجرة "تنطلق من ضرورة الإلمام بظاهرة الهجرة في مختلف أبعادها، من أجل فهمها بشكل أفضل، مؤكدًا، في هذا الإطار، على أن الأوان قد آن لتصحيح العديد من المغالطات المرتبطة بقضايا الهجرة.
وقدم العاهل المغربي أربعة نماذج شائعة عن هذه المغالطات والحقائق التي تضحضها، مشيراً في المقام الأول إلى أنه "لا وجود لتدفق للهجرة ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4% من سكان العالم". والحقيقة الثانية هي "أن الهجرة الإفريقية هي قبل كل شيء هجرة بين بلدان إفريقيا"، إذ أن المهاجرين يمثلون على المستوى العالمي أقل من 14% من السكان. أما على الصعيد الإفريقي، فإن أربعة من بين كل خمسة مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة. أما الحقيقة الثالثة التي أكد عليها العاهل المغربي فهي أن "الهجرة لا تسبب الفقر لبلدان الاستقبال، لأن 85 بالمائة من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول". والحقيقة الرابعة هي أن "الهجرة ظاهرة طبيعية تمثل حلاً وليس مشكلة . ومن ثم، ينبغي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأن مسألة الهجرة، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن" ، يقول العاهل المغربي ، الذي ختم رسالته موجهًا حديثه للقادة الأفارقة " أني لواثق بأنكم تشاطرونني الرأي، إخواني الأعزاء، بأن الهجرة، إذا تم وضعها في نطاق أبعادها الحقيقية، بعيدا من المغالطات التي شوهت صورتها بشكل مشين، تظل تحديًا عالميًا وحاسمًا بالنسبة لقارتنا. فهي تستحق مقاربة جديدة تتمحور حول إفريقيا، وتجمع بين الواقعية والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف"، مشيرًا إلى أن "الأجندة الإفريقية حول الهجرة "في ما يخص تدبير الهجرة، تقترح اعتماد نهج قائم على سياسات وطنية، وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية، ومنظور قاري، وشراكة دولية. كما أنها تستلزم تغيير النموذج السائد، وتحديد مفهوم جديد للهجرة، يقوم على مقاربة استشرافية وإيجابية، وإرادة سياسية حقيقية للدول، التي من مصلحتها أن تتم عملية الهجرة في ظروف سليمة وقانونية ونظامية، تحترم حقوق الإنسان.