كابول: تشهد كابول منذ عدة أيام سلسلة هجمات دامية متوالية تبنتها حركة طالبان أو تنظيم الدولة الاسلامية، بثت الرعب في صفوف السكان الذين يشكلون أبرز ضحاياها.

فالمجموعتان نجحتا من خلال ثلاثة اعتداءات في عشرة أيام في تجاوز دفاعات العاصمة من حواجز وجدران مقاومة للمتفجرات لقتل وجرح مئات المدنيين وبينهم أجانب.

وأدت قدرة المتطرفين على الضرب في قلب البلد رغم إجراءات الأمن المشددة إلى تركيز الأنظار على الثغرات في الأمن والاستخبارات.

بعد الاعتداء الأخير الاثنين على الاكاديمية العسكرية (11 قتيلا) الذي تبناه تنظيم الدولة الاسلامية وعد الرئيس اشرف غني على موقع تويتر بان "إصلاح أجهزة الاستخبارات ووزارة الداخلية بات أولويتنا القصوى".

ولطالما اعتبرت هذه الوزارة الأكثر فسادا وتتعرض لإدانة واسعة بما في ذلك من الرئيس الأفغاني نفسه. لكن هذه التصريحات تكشف الموقع الدفاعي الذي اتخذه المسؤولون.

لذا، اوضح مدير الاستخبارات (مديرية الأمن الوطني) محمد معصوم ستانيكزاي الاحد للصحافيين ان "الارهابيين يواصلون تعديل تكتيكاتهم. هذا لا يعني وجود تقصير، فقد أحبطنا الكثير من الهجمات لكن بعضها يصعب ضبطه".

في 20 كانون الثاني/يناير شنت حركة طالبان هجوما دام أكثر من 12 ساعة على فندق فخم في العاصمة اسفر عن مقتل 25 شخصا على الاقل بينهم 15 أجنبيا بحسب الحصيلة الرسمية. واعتمدت الحكومة تعتيما تاما مذاك بشأن هذا الهجوم ولم تسمح حتى الساعة للصحافيين بالتوجه الى المكان.

بعدها بأسبوع انفجرت سيارة اسعاف مفخخة جهزها عناصر طالبان في وسط المدينة فقتلت اكثر من 100 شخص واصابت اكثر من 235 بجروح أغلبهم مدنيون. وشكل هذا أحد أسوأ الاعتداءات في كابول في السنوات الأخيرة، ولو ان طالبان تواصل التأكيد انها لم تقتل "الا عناصر شرطة".

مجددا الاثنين استيقظ سكان الاحياء الغربية على اطلاق نار وانفجارات تخللت هجوم تنظيم الدولة الاسلامية على الاكاديمية العسكرية.

ورغم ان هذا العنف ليس مستجدا، يرى المراقبون انه يتفاقم باعتداءات تنظيم الدولة الاسلامية الذي يكثف منذ صيف 2016 استهداف المدن.

لكن لا شيء يوحي بأن الحركتين تتعاونان للتضييق على كابول، لا سيما وانهما تخوضان منافسة، على ما اعتبر المحلل في مركز ويلسون في واشنطن مايكل كوغلمان. لكن "الأثر المتراكم لاعتداءاتهما كاسح" بحسبه.

- "تكذيب الخطاب الاميركي" -
سواء ضمن الحرب التي تخوضها حركة طالبان ضد الحكومة الافغانية والقوات الغربية التي تدعمها، او في محاولات تنظيم الدولة الاسلامية توسيع معاقله التي ما زالت متواضعة في البلاد وتقتصر على عدة مناطق في الشرق وامتدت صيفا الى الشمال، باتت كابول هدفا يزداد جاذبية، على ما اوضح برهان عثمان المحلل في المركز الدولي للأزمات.

ويتضاعف ذلك مع زيادة الغارات الجوية الأميركية.

وقال المحلل لوكالة فرانس برس ان "الضغط المتنامي في ساحة المعركة يدفعهم إلى الضرب في مناطق يمكنهم فيها علنا تكذيب خطاب الجيش الأميركي والحكومة القائل بانهما اضعفا طالبان او تنظيم الدولة الاسلامية".

وقد يسهم ذلك في "زعزعة ثقة السكان في قدرة السلطات على حمايتهم"، كما جرى في اعتداء الشاحنة المفخخة في الحي الدبلوماسي الذي أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصا واصابة 400 على الاقل في 31 ايار/مايو، في أسوأ اعتداء منذ وصول الاميركيين في 2001.

بعد هذا الاعتداء أقيمت عشرات الحواجز والكاميرات والسواتر الامنية المضادة للشاحنات في وسط المدينة والمنطقة الدبلوماسية.

ويقوم حراس امنيون بتفتيش الآليات الثقيلة الوافدة الى كابول عبر الطرقات الرئيسية ويستعينون بالكلاب البوليسية والاشعة السينية، قبل بلوغها المنطقة الخضراء، كما يفتشون ركابها. ويؤدي ذلك الى طوابير من مئات الشاحنات امام الحواجز الأمنية وساعات في الانتظار وسط الازدحام.

لكن كل ذلك لم ينجح في إحباط جميع الاعتداءات.

- "الفوز بأي ثمن" -
نجح تنظيم الدولة الاسلامية في تجنيد شباب المدن من طلاب واساتذة وتجار يساعدونهم على الاختباء في وضح النهار فيما يساعدونهم على اعداد هجمات.

في المقابل يفترض بمهام التدريب الاميركية ان تساعد على سد هذه الثغرات لكنها عجزت عن ذلك رغم وجودها في هذا البلد منذ سنوات بحسب كوغلمان فيما كشفت الهجمات الاخيرة ان التقدم "بعيد جدا عن الحد الكافي".

فالناشطون الذين يتحركون في المدينة لا يمكن استهدافهم في حملات القصف المعززة التي تعتمدها الولايات المتحدة في مناطق أخرى في هذا البلد.

وفيما يقر المسؤولون الافغان بأن الاجراءات الامنية القائمة ليست بلا ثغرات يبدون حائرين بشأن كيفية حل هذه المشكلة.

وصرح مسؤول امني لوكالة فرانس برس في تشرين الاول/أكتوبر ان تفتيش جميع المداخل "يفوق طاقة الشرطة"، موضحا ان "لكابول أكثر من 100 مدخل".

وفيما تحاول كابول الاستعداد لهجمات أخرى يبحث حلفاء افغانستان الدوليون تبعات المجزرة الأخيرة.

واعتبر امين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ انه من "الحيوي مضاعفة الجهود لتحقيق السلام والمصالحة".

لكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب شكك الاثنين في السياسة التي تعتمدها واشنطن منذ امد طويل وتقضي بدفع طالبان إلى طاولة التفاوض. وقال "لا نريد محادثة طالبان. انهم يقتلون الناس من كل حدب وصوب".

وتوقع عثمان ان تخبت حدة الاعتداءات في الأشهر التالية وسط تفاقم الضغوط على المسلحين وخصوصا عناصر طالبان.

وتابع "أخشى ان يحولوا كابول الى ساحة معركة كرسالة مفادها +ان كنتم مستعدين للفوز بأي ثمن، فنحن كذلك+".