الرباط: اعتبر النائب المغربي لحسن حداد، ووزير السياحة الأسبق، أن الهجرة تمثل فرصة ولكنها ستصبح فرصة ضائعة" إن نظرنا إليها من وجهة نظر هوياتية ضيقة من هذا الجانب أو ذاك»، ودعا مختلف الدول الأوروبية وبرلماناتها إلى خلق «قطيعة فكرية ومفاهيمية مع مقاربات الماضي واستلهام المستقبل بروح نقدية وبجرأة سياسية جديدة».

وقال حداد ، في مداخلة ألقاها أمس الخميس، خلال مؤتمر الهجرة الذي تم تنظيمه من طرف مجلس أوروبا، تحت عنوان: "أي إدماج للمهاجرين في أفق مواجهة خطر التطرف: دور البرلمانات وجمعيات الهجرة»، إن القطع مع مقاربات الماضي بخصوص ملف الهجرة «مسؤولية الجميع ، وللبرلمانات دور كبير لتكون رائدة في خلق التحول ودفع الحكومات والمجتمعات للتفكير في طرق مبتكرة لخلق الطفرة والتطلع إلى المستقبل بأمل».

ونوه عضو الفريق النيابي لحزب الاستقلال المعارض، في المؤتمر الذي استضافه البرلمان المغربي، بالسياسة التي تنهجها بلاده في ملف الهجرة، حيث قال: «السياسة التي يسلكها المغرب بقيادة الملك محمد السادس هي ترجمة للتحديات وفرصة للمساهمة في التنمية المتبادلة في إفريقيا والمغرب»، مبرزا أن الهجرة «فرصة لتبادل الخبرات عبر إفريقيا لتحقيق القفزة التنموية المنشودة». 

وأشار حداد إلى أن المغرب يٌعد «بلد هجرة وشهد عبر التاريخ نزوح مجموعات يهودية ورومانية ووندالية وعربية وأندلسية وإفريقية وأوربية لتتلاقح مع سكانه الأصليين(الأمازيغ) لبناء صرح مجتمع منفتح ومعتز بتعدده وتنوعه»، وزاد مبينا أن هناك «دول بنيت أساسا على الهجرة. والفعل البشري هو في أصله فعل هجرة. والقيم والثقافات الموجودة على المستوى العالمي تم التأسيس لها بفضل من هاجروا إلى آفاق وفضاءات جديدة وتلاقحوا مع أهلها وأعطوا وأخذوا منهم». 

وأفاد الوزير المغربي السابق في المداخلة التي تلقت «إيلاف المغرب» نسخة منها، بأن سياسات الهجرة التي سلكتها أوروبا لحد الآن «تميزت ببعض النجاحات ولكنها أضحت أمنية، انتقائية، مبنية على التحصينات وعلى مقولة أوروبا القلعة»، مشددا على أن تنمية دول الجنوب لكي تصبح قادرة على خلق الثروة والشغل التي تقول بها أوروبا ودول الشمال عموما هي فقط «محاولات محتشمة لا تجد أثرا لها على أرض الواقع».

وأردف موضحا أن قيمة التنمية الدولية الموجهة لدول الجنوب تصل فقط إلى «14 مليار درهم (حوالي 1.4 مليار دولار)، بينما قيمة ما تجنيه دول الشمال من مبادلاتها وتجارتها واستثمارها في دول الجنوب هو ستة تريليون دولار»، وهو ما يمثل فرقا شاسعا بين ما تجنيه أوروبا من أرباح خيالية من أفريقيا مقارنة مع ما تقدمة من أجل التنمية فيها.

 وقال النائب حداد ان تسهيل تنقل الأشخاص والمثقفين والجامعيين والأطر بين الشمال والجنوب بقي حبرا على ورق رغم التنصيص عليه في الكثير من المنتديات، مشيرا الى ان النتيجة هي هجرة الأدمغة من الجنوب إلى الشمال ، وتكريس تبعية دول الجنوب للشمال فيما يخص البحث والاختراع ومبادرات التنمية الاقتصادية المعتمدة على المعرفة. 

وسجل النائب المغربي بأن ما سماه «انجرار اليسار واليمين معا في أوروبا وراء خطاب القوميات الجديد ذي البعد الشوفيني مما أعطى لأفكار اليمين المتطرف المعادي للهجرة والمهاجرين شعبية متصاعدة في المجتمعات الأوربية»، معتبرا أن هذا الوضع نتج عنه «التفريط في قيم وثقافة الحقوق، حقوق المهاجر واللاجيء ، وكذا قيم التعايش كأساس للتجربة الإنسانية في شموليتها». 

النائب المغربي ووزير السياحة الاسبق لحسن حداد

وأبرز الحداد أن سؤال إدماج المهاجرين، «سؤال ثقافي بالإضافة إلى كونه سياسي واقتصادي»، مبينا أن المفارقة تكمن في «كيفية التعامل مع التعدد الثقافي في إطار منظومة قيمية معينة تنصهر فيها التعددية وربما تندثر». وتساءل أمام المشاركين من مختلف البرلمانات الأوروبية «هل يمكن أن نقر بتعددية المجتمعات في الوقت الذي ننتظر من المهاجرين أن ينصهروا في ثقافة بلد الاستقبال؟ هل الاندماح مناف لطبيعة ومفهوم التعدد الثقافي؟»، قبل أن يجيب «فعل الهجرة إلى أوروبا هو نتيجة للفعل الكولونيالي. وإعادة بناء أوروبا فيما بعد الحرب العالمية الثانية تطلبت يد عاملة وكان من الطبيعي أن أبناء المستعمرات يقصدون دول المتربول لأسباب لغوية وثقافية وسياسية».

ودعا حداد إلى فتح نقاش «مجتمعي حول علاقة الدولة العلمانية بحاجة بعض المهاجرين لممارسة شعائر دينية وتبني سلوكات مجتمعية ذات إيحاءات دينية»، مؤكدا ان السقف الغير ممكن تجاوزه هو «وحدة المجتمعات وصيانة كينونتها السياسية والثقافية في إطار مقاربة تتوخى الانفتاح والاندماج». كما طالب الدول الاوربية بأن تتبنى «تعدديتها الثقافية والإثنية والدينية دستوريا وسياسيا. وهذا يعني اعتماد مقاربة قوامها علاقة جدلية مستمرة ومتجادبة (وحتى متنازعة في بعض الأحيان) بين القيم والحقوق الوطنية وتلك المتعارف عليها دوليا وتلك التي يقوم أبناء المهجر في التأسيس لها عبر علاقاتهم المعقدة مع ثقافة دول الانتماء وثقافة دول المهجر»، وشدد على ضرورة إخراج «منظومة قيمية دينامية مبنية على التوافق والنقاش والجدال والتعايش في ظل الاختلاف، تتوخى تجاوز التراتبية القيمية الموجودة حاليا. وهذا يتطلب بعد نظر ونجاعة في تدبير الصراع الثقافي وفهم عمق الخلاف والاختلاف مع استلهام المشترك الانساني والتاريخي». 

كما حث السياسي والأكاديمي المغربي دول أوروبا على سن «سياسات فعالة للإدماج المهني والاقتصادي لشباب المهجر وتنمية فضاءات الهامش والغيتوهات الإثنية في إطار استراتيجية تحاول تجاوز التقوقع على الذات الإثنية le communautarisme ، وهذا لا يمكن أن يكون دون فهم سوسيولوجي لتطلعات المهاجر وطموحاته وكفاياته»، وأكد المتحدث ذاته، على أن الثقافة تبقى «أساسية للتنمية ولا يمكن مباشرة إدماج حقيقي وفعال في ظل الاختلاف دون فهم تأثيرها على السلوك الاجتماعي وداخل المقاولة وفي المعاملات الاقتصادية والتجارية». 

وطالب حداد بتوفير الدعم لـ«منظمات المجتمع المدني العاملة في ميدان الهجرة، خصوصا تلك التي لها قدرة على التأطير والتعبئة والمرافعة والتشاور مع السكان»، معتبرا أن هذه المنظمات «يجب أن تكون لها القدرة الكافية لمحاورة من يهمهم الأمر والمرافعة حول قضايا ذات بعد ثقافي أو سياسي أو ديني»، وأضاف موضحا أن هذه المنظمات بشراكة مع المهاجرين أنفسهم ومع الدولة والمنتخبين والمهتمين يجب أن «تؤطر النقاش حول قضايا الهوية والاعتدال والانخراط في قضايا وطن المهجر الثقافية والسياسية، وبلورة خطاب ديني، عصري، منفتح، ديمقراطي، حداثي، يتجاوب وتطلعات الشباب ويتجاوز السكيزوفرينية الثقافية التي يعيشها الكثير منهم أساسية للتجاوب الفعال مع تحديات الهجرة».