«إيلاف» من الرباط: أجمعت فعاليات نسائية مغربية على ضرورة تعزيز ثقافة المحبة والحوار والتواصل بين أفراد المجتمع، لما لها من دور أساسي في خلق التقارب بينهم رغم اختلاف أطيافهم والفئات التي يمثلونها، فضلا عن تطوير العلاقات المجتمعية، بعيدا عن نزعات الكراهية و نبذ الآخر.

وقالت المشاركات في منتدى "خميس الثقافة" الذي نظمه جمع المؤنث، بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال و مجلة سيدتي، بالعاصمة الرباط، مساء الخميس، و الذي يجري تنظيمه وفاء لروح فاطمة المرنيسي التي دعت إلى إقامة مجلس المحبة، تحت شعار"الحب دعامة النجاح"، إن الحب له دور كبير في الارتقاء بالعلاقات الإنسانية، حيث استعرضن أهميته في نجاح مسارهن، على الصعيدين الشخصي والعملي، وتأثيره الإيجابي على محيطهن الأسري.

المشاركات يقمن بتقطيع"كعكة المحبة"

 

الأنفلونزا والحب

في هذا الإطار، قالت لطيفة باقا، كاتبة مغربية، ممازحة، إن هناك علاقة بين الأنفلونزا و الحب، فكلاهما يتمظهران على شكل الإعياء الشديد و الشعور بالهشاشة، وأبرزت أن هناك نوعا من الصراع بين تيمة الحب والكراهية، خاصة أن هذه الأخيرة لها مظاهرة كثيرة، يمكن معاينتها في الحياة اليومية.

و أوضحت أن الحياة تصبح سهلة و أقل تعقيدا بفضل وجود الحب،الذي يتجاوز المشاعر الخاصة بين الزوجين، ليبصم العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء واللحظات الإنسانية التي يتم تقاسمها.

و أفادت باقة أن سر نجاح علاقتها الزوجية و استمرارها على مدى 22 سنة، يعود بالأساس للصداقة الجميلة التي تجمعها بزوجها، إضافة إلى وجود مشاريع مشتركة، حققا منها الكثير، و أخرى لم يتم تحقيقها على أرض الواقع.

و عن تعريفها لمفهوم الحب، أضافت باقا بابتسامة عريضة"فوجئت بهدية زوجي لي في يوم عيد الحب، والتي كانت عبارة عن قارورة عطر، لكنها ليست بالمميزة أو الباهضة، لكنني أظهرت غبطتي وسعادتي بها، و قررت وضعها داخل خزانة الثياب، لأجد زجاجة عطر مماثلة لم تكن ذات قيمة عالية، تلقيتها كهدية من طرف صديقة لي منذ حوالي 10 سنوات، و كانت مرفوقة برسالة إنسانية، مكتوبة بلغة بسيطة، لكنها استطاعت من خلالها أن تعبر عن مدى قوة الصداقة التي تربطنا، هذا إذن هو الحب بكل بساطة".

و اعتبرت باقا أن مصدر الحب الأول هو الأمهات، اللاتي يعملن بكل حب و حنان من أجل راحة وإسعاد محيطهن الأسري، كأنهن شمعات يحترقن من أجل أن يقمن بإنارة الأشخاص القريبين منهن، دون أن يسألن عن مقابل هذا العطاء غير المحدود.

 

فاطمة البودالي

مجتمع ذكوري

و قالت الكاتبة إن الكراهية شعور مدمر على المستوى الفيزيولوجي، يجعل الفرد يعيش أحاسيس سلبية، ويمنعه من العيش في سلام داخلي. و أقرت بصعوبة التعبير عن الحب في مجتمع يتسم بالذكورية، حيث أن الرجال لا يعملون على التعبير عما يحسون به، بعكس النساء اللواتي يجدن التعبير عنه، ولو بمبادرات بسيطة، مثل طهي أكلة جيدة ولذيذة.

و زادت باقا قائلة"نحن مجتمع لا نربي أبناءنا على التعبير عن الحب، و المشكل يوجد من جهة ثانية في الذكورية التي تعتبر أنها جنس مركزي، في مقابل وجود جنس هامشي متمثل في النساء كطرف سلبي في المعادلة، هي منظومة تعاني من خلل واضح يجعل الحياة صعبة".

و عن الوصفة السحرية المتبعة من أجل إنجاح أي تجربة زوجية، أشارت باقا الى أن الأمر يهم كيفية التعامل معها على أساس أنها مؤسسة، كأي شركة، يستوجب إنجاحها وجود رأسمال معقول وشركاء لديهم نفس التوجه والأهداف، يفكرون بطريقة مشتركة وثنائية و يتقاسمون الاهتمامات والمواقف، و هو ما يجعل زيجات تنجح في مقابل فشل أخرى.

و اعتبرت باقا أن تجاهل بعض الرجال لزوجاتهن عاطفيا و عدم التواصل معهن و البوح بحبهم، في خطوة تضمن استمرارية العلاقة في بعدها الرومانسية، وتبعث على الاهتمام، كما كان يحدث في السابق خلال فترة التعارف والخطوبة، يعود إلى أن الرجل يفكر ضمنيا في امرأتين، المقدسة وهي الزوجة التي يأتمنها على بيته و يختارها أما لأولاده، والمدنسة التي يحبها لكنه لا يحترمها، مما يترجم سكيزوفرينيا الإنسان العربي.

الكاتبة لطيفة باقا

مساحة من الحرية

من جهتها، صرحت فاطمة العزيزي، وهي طبيبة وشاعرة وفاعلة جمعوية، أن المحبة الكبيرة تفرض وجود مساحة معينة يتحرك من خلالها الزوجان دون ضغوطات أو مشاكل، على اعتبار أن الضغط المتواصل يساهم في إفساد العديد من العلاقات بعدما كانت تتميز بجمالية بداياتها.

و قالت العزيزي إن المرأة مطالبة بألا تكون كتابا مفتوحا أمام شريك حياتها، حتى يتسنى له اكتشاف ميزاتها الجديدة تدريجيا، ولو بعد مرور 25 سنة على ارتباطهما، عملا على تفادي الملل الذي قد ينال من علاقتهما مستقبلا.

و اعتبرت أن الجيل الجديد محظوظ نسبيا لأنه يمتلك حرية التعبير، عكس الجيل السابق، الذي كان يعتبر الإفصاح عن المشاعر عيبا و مسألة غير لائقة، حتى أن العلاقة الحميمة بين الأزواج تشكل طابو لا ينبغي تناوله مطلقا.
و انتقدت العزيزي ما يقوم به بعض الرجال، ممن يرفضون التعبير عن حبهم لزوجاتهم، ولا يجدون حرجا من الإفصاح عنه لعشيقاتهم، و هو ما يفرض وجود وقفة تأملية من طرف المرأة التي ينبغي عليها أن تجدد هذا الحب بطرق مختلفة.

جانب من الحضور

 

مجتمع محافظ

و أشارت فاطمة البودالي، وهي موثقة، أن الاحتفال بعيد الحب لا يشكل تقليدا روتينيا دخيلا على المجتمع المغربي، كما يروج لذلك البعض ممن ينتقدون الاحتفال به سنويا، ليتم الزج بالأفراد في نقاشات لا أساس لها على الإطلاق، خاصة أنه يمثل مناسبة سنوية كالأعياد الدينية، و فرصة لتجديد الحب والمودة بين الناس.

و أضافت قائلة"نحن مجتمع محافظ، حينما ينطق الشخص بكلمة حب، فإنه يشعر بالخوف من ذلك، و هو ما جعل الغموض يكتنف المسألة، دائما نخشى من التصريح بحبنا للآخر، حتى في العلاقة التي تجمع بين الأب وأبنائه، و الذي لا يعبر عن حبه لهم، و إن قام بذلك يعبر بطريقة خاطئة، لذا، فالإنسان مطالب بأن يراجع أفكاره وتمثلاته في علاقته بمحيطه".

و استعرضت البودالي تجربتها الشخصية من خلال تعامل والدتها معها، والتي كانت مثالا للعطاء و الحب المتدفق، لدرجة أنها كانت تعتبر في فترة معينة من حياتها أن الحب بسخاء هو بمثابة نكران للذات، و أن والدتها عليها الاهتمام بنفسها قليلا، وألا تتغاضى عن الأمر، وتقتصر فقط على رعاية أبنائها.

و زادت البودالي"كنت أحس بتناقض لافت حينما أواجه المجتمع خارجا، فكل ما توصينا به والدتنا من سخاء و مودة، لا أجده، لأتساءل هل أنا من كوكب آخر يا ترى، لكن مع التجربة أيقنت أننا مطالبون بنشر المحبة كلما أتيحت لنا الفرصة، لأننا حتما سنقابل أناسا يحبوننا ويبادلوننا نفس التقدير والاحترام، و هو ما تحقق لاحقا، عندما تخليت عن حياتي الشخصية لأخصص المزيد من الوقت من أجل العمل على احتواء العائلة بعد وفاة الوالدة".

 أثناء تبادل الآراء 
 جانب من الحضور