حزة: في بلدة حزة في الغوطة الشرقية، يخرج عمال الإغاثة منذ أكثر من أسبوع جثة تلو الأخرى من قبو ظنّ السكان أنه سبيلهم الوحيد إلى النجاة، إلا أن غارة جوية كانت كفيلة بتدمير المبنى فوق رؤوسهم.

ومنذ بدء قوات النظام حملة القصف العنيف على الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، لازم السكان الأقبية غير المحصنة أصلاً، يستغلون أحياناً بعض الهدوء ليخرجوا للاطمئنان على ممتلكاتهم قبل أن تعود الطائرات إلى الأجواء.

لكن تلك الملاجئ لم تكن كافية لحمايتهم.

في 20 شباط/فبراير، استهدفت غارة جوية مبنى في بلدة حزة فانهار نصفه فوق قبو كان يختبئ فيه نحو 21 شخصاً، وفق سكان.

ومنذ ذلك الحين، تعود فرق الأغاثة يومياً إلى المكان ذاته لتحاول انتشال كافة الضحايا. 

ينتظر أبو محمد (60 عاماً) إلى جانب المبنى المدمر علّ عمال الإغاثة يتمكنون من إخراج ابنته من تحت الأنقاض. 

ويروي أبو محمد، ذو لحية خفيفة طغى عليها الشيب، "تركت ابنتي في القبو مع وزوجها وعائلته، أتيت للاطمئنان عليها وغادرت".

ويضيف "عدت في صباح اليوم التالي، وجدت المبنى وقد انهار، ولم أجد ابنتي ولا عائلة زوجها حتى اللحظة". 

في فجوة صغيرة بين الأنقاض، ينهمك محمد، أحد متطوعي الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق المعارضة)، في إخراج التراب والحجارة في دلو صغير مرة تلو الاخرى، عله يتمكن من رؤية الضحايا أو الوصول إليهم.

 ويوضح محمد (27 عاما) من الخوذ البيضاء "كان يتواجد في الملجأ بحسب الاهالي 21 شخصاً"، مضيفاً "تمكنا خلال الايام الماضية من إخراج ستة اشخاص فقط ولا يزال العمل مستمر لانتشال باقي الجثث". 

يضع عمال الإغاثة والسكان الكمامات أو يلفون وجوههم بالشالات نتيجة الرائحة الكريهة المنبعثة من جثث بقيت أياما عدة تحت جبال من الحجارة. 

ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني في ريف دمشق سراج محمود لوكالة فرانس برس "للأسف، تواجه كوادر الدفاع المدني صعوبات كبيرة في انتشال الشهداء، وفي بعض الأحيان لم تتمكن من اخراج المدنيين العالقين تحت الأنقاض".

ويوضح "في بلدة حزة، انهارت مبان عدة، وعلقت عائلات كاملة تحت الأنقاض، من دون أن تتمكن كوادر الدفاع المدني من انتشال الجميع بسبب القصف العنيف وطائرات الاستطلاع"، مضيفاً أن قوات النظام تستهدف الغوطة بـ"قصف جنوني يؤدي إلى دمار كامل". 

لا حل أمامنا

ومنذ بدء التصعيد العسكري في الغوطة الشرقية في 18 شباط/فبراير، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل نحو 590 مدنياً ربعهم من الأطفال. 

وتسري منذ يوم الثلاثاء هدنة أعلنت عنها روسيا، تتجدد يومياً لمدة خمس ساعات فقط كما يُفتح خلالها "ممر انساني" عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين. ولكن أحداً لم يخرج خلال يومين. 

بالقرب من المكان المستهدف في حزة، يقول علي بكر (29 عاماً) من سكان البلدة "الناس لجأت إلى الأقبية لتحتمي من القصف، لكنها حتى في الأقبية لم تجد الأمان". 

وأضاف "مجازر كثيرة حصلت في الأقبية، هناك أشخاص احتجزوا تحت الردم والركام ولم نتمكن من انتشالهم" في اماكن عدة. 

في غرفة من مبنى قريب طالته الأضرار بشكل كبير، تحوم ذبابة حول جثة طفل وُضعت على الأرض ولفت بستارة بنية اللون. 

وبعد مرور الوقت، يخرج المتطوعون والسكان جثة ثانية، يحملونها فوق الركام في غطاء شتوي أخضر اللون، ليتبين أنها تعود أيضاً لطفل.

وضع عمال الإغاثة لاحقاً الجثتين في كيسين بلاستيكيين، وبادر أبو محمد مع رجلين آخرين إلى الصلاة عليهما قبل دفنهما. 

تستمر عملية الانتشال، يبحث المتطوعون في ما بينهم عن الوسيلة الأنسب لإخراج الضحايا. وفجأة تعود الطائرات للتحليق في الأجواء، ينظروا من حولهم، يبدو عليهم الخوف، ويقول أحدهم "إنها طائرة سورية".

بعد أسبوع لم يتمكنوا خلال من انتشال الضحايا، أتى عمال الإغاثة بجرافة علها تسهل عملهم، لكن الأمر بدا أصعب مما تخيلوا.

يتجمع نحو عشرة أشخاص حول الجرافة بحثاً عن حل، إلا أن أحد المتطوعين يحسم الأمر بالقول "لا يوجد أي حل أبداً، القبو منهار عن بكرة أبيه". 

ويضيف "لا يوجد أمامنا سوى أن نحاول جرف المبنى كله لنصل إلى الأسفل، مستحيل غير ذلك".