الرباط: قررت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء مواصلة استجواب معتقلي احتجاجات الريف الإثنين، وذلك على إثر جلسة استماع امتدت إلى ساعة متأخرة من مساء الجمعة. 

ويتابع في هذا الملف 54 متهما، يواجهون تهما ثقيلة بينها المس بسلامة الدولة والتحريض على الوحدة الترابية للمملكة وممارسة العنف، واستمعت المحكمة حتى الآن إلى 39 متهما، وقررت تخصيص 4 جلسات أسبوعية للمحاكمة بهدف تسريعها.

واستمعت المحكمة خلال جلستها الأخيرة إلى صلاح لشخم المتابع بتهم "التهديد وممارسة العنف ضد الموجودين على متن طائرة مروحية خلال تحليقها قصد المس بسلامتها"، في إشارة إلى حادث محاصرة طائرة مروحية نقلت وزير الداخلية على رأس وفد حكومي إلى بلدة تلارواق بالضاحية الغربية للحسيمة في إطار حوار الحكومة مع المحتجين في مايو الماضي.

وعرضت المحكمة أشرطة فيديو حول الحادث تبين محتجين ضمنهم المتهم وهم يحاصرون الطائرة بهدف منعها من الإقلاع. وظهر المتهم وهو يقسم بأن الطائرة لن تقلع، وأنه مستعد أن يدفن معها إن اقتضى الأمر. وتوجهه إلى أسفل الطائرة رغم محاولة ثنيه عن ذلك من طرف رجال الدرك، وجلس أسفل الطائرة مع محتجين آخرين وهم يؤكدون أنهم عازمون على إحراق أنفسهم مع الطائرة.

وأوضح المتهم للقاضي أن الحادث وقع يوم 25 مايو الماضي عندما زار وزير الداخلية منطقة تلارواق على رأس وفد حكومي من أجل فتح حوار مع المحتجين. 

وأشار إلى أن مجموعة من سكان تلارواق اعتصموا للاحتجاج على نزع ملكية أرض تناهز مساحتها 860 هكتارا، وتسليمها من طرف السلطات لإحدى التعاونيات. وقال "لأزيد من سنة ونصف سنة والسكان البالغ عددهم 6 آلاف شخص معتصمين ولم يهتم بهم أحد". وأضاف أن ظهور ناصر الزفزافي، متزعم احتجاجات الحسيمة، والذي تعرف عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي جعلته يفكر في استغلال تلك الاحتجاجات التي تتابعها وسائل الإعلام للتعريف بقضية بلدته.

وحول زيارة وزير الداخلية، أوضح لشخم أن رئيس مجلس الجهة اتصل به هاتفيا ليخبره أن وزير الداخلية سيقوم بزيارة لبلدة تلارواق بهدف الحوار مع المعتصمين. غير أن الوزير عندما وصل بطائرته أنزلها في بلدة أخرى واتجه إلى مقر البلدية حيث اجتمع مع ممثلي الأحزاب والجمعيات الأهلية. 

وأضاف أنه عندما سمع بوصول وزير الداخلية اتجه إلى مقر الجماعة القروية، إلا أنه وصل متأخرا، ووجد أن وزير الداخلية قد غادر. وقال لشخم إنه اتجه صوب الطائرة فوجد حولها مجموعة من المتطفلين من القرى المجاورة، فاتصل بالمعتصمين في بلدة تلارواق التي تبعد حوالي 500 متر عن الموقع ليلتحقوا به عند الطائرة.

وفي رده على أسئلة القاضي قال لشخم إن الأشخاص الذين كانوا حول الطائرة، كانوا ملتفين فقط حولها، ولم يكونوا يحاصرونها. وعندما سأله القاضي عن وسيلة النقل التي استعملها وزير الداخلية لمغادرة الموقع، أجاب لشخم قائلا إن وزير الداخلية عندما رأى الأشخاص الملتفين حول الطائرة اعتقد أن المحتجين يحاصرونها فغادر على متن سيارة. وحول العبارات الشديدة اللهجة التي تضمنها خطابه قرب الطائرة وتهديده بإحراق نفسه مع الطائرة، قال لشخم "كان ذلك تحت تأثير الانفعال"، مضيفا أن اهتمام وسائل الإعلام دفعته إلى تضخيم مواقفه من أجل التعريف بقضية سكان بلدته.

كما عرضت المحكمة شريطا آخر تكلم فيه لشخم عن إمكانية حمل السلاح إذا اقتضى الأمر لطرد "المستعمر"، سواء كان داخليا أو خارجيا على حد قوله. وقال لشخم انه كان يعني "سلاح الفكر"، وأنه أشار في كلمته إلى كفاح الأجداد ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي تحت قيادة الملك محمد الخامس. وقال للقاضي "أنا وطني ومغربي، ويمكنكم العودة لأشرطة المظاهرات لتتأكدوا أنني كنت احمل العلم المغربي وأردد شعارات ملكية". وأضاف لشخم أن مشكلته مع الحكومة التي تتكون من ائتلاف يضم شيوعيين وملحدين وإسلاميين، لأن الحكومة هي التي هضمت حقوق سكان بلدته، على حد قوله.

وتشكل الفيديوهات والتدوينات المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى المكالمات الهاتفية، أبرز الأدلة ضد المتهمين على خلفية الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة وضواحيها خلال العام الماضي، والتي أطلق عليها الإعلام المغربي "حراك الريف". وتجعل هذه الأدلة من الصعوبة بمكان نكران التهم الموجهة للعديد من المتهمين والتهرب من مسؤوليتها. 

ومع توالي الجلسات تقترب المحكمة من الاستماع لناصر الزفزافي الذي يعتبر زعيم حراك الريف، والذي لا يفوت جلسة من جلسات المحاكمة لتسجيل وجوده إما عبر خطاب أو توجيه رسالة أو ترديد شعارات، تتناقلها المواقع الإخبارية المغربية. وانطلقت محاكمة المجموعة خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي.